بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أشد الوقع عليّ أن أقوم بالرد على من هو على منهجي وطريقتي.. ولكن الحق أحب إلينا جميعاً، فقد قرأت مقالاً للأخ -الراصد- يدور حول أهمية قراءة الصحف من قبل العلماء، وإني على ثقةٍ, إن شاء الله بأن الراصد حريص على الخير، وفيه حرقة على الحق ونصرة الدين، وذلك بمناصحته لأهل العلم وطلابه.وأقول مستعيناً بالله:
أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ذلك أن مناصحة أولي الأمر - أمراء كانوا أم علماء- في السر ـ غير علانيةٍ, ـ أمر محمود ومطلوب شرعاً وعرفاً، بل العلماء الموقعين عن الله أولى، فلا ريب أن احترام العلماء وتقديرهم من الأمور الواجبة شرعاً، وإن خالفتهم في الرأي.
فالعلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء قد ورثوا العلم، وأهل العلم لهم حرمة. قال الإمام النووي: -باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم- ثم ذكر قول الله - تعالى -: ( قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ) الزمر/ 9. ثم ساق الإمام النووي - رحمه الله - طائفة من الأحاديث في إكرام العلماء والكبار، وأحيل الراصد والقراء إلى كتاب - رياض الصالحين ص 146-.
ففعلك هذا وإن كان به حسن نية إلا أن مناصحتك للعلماء وطلاب العلم عبر الصحيفة التي لا يقرؤها العلماء على حد زعمك فيه تشويه لصورة العلماء وتنفير لعامة الناس منهم، وأتساءل هل قام الراصد بسؤال أهل العلم قبل أن يصدع بنصيحته بالصحف؟
إنَّ وَصفَكَ للعلماء بأنهم حراس حدود أخشى أن يكون هذا تنقص ولمز بهم فالناس يعرفون ما معنى حراس الحدود!!! فهذه الكلمات المولودة والتعبيرات الجديدة هي تعبيرات حادثة فلو أنك وصفتهم بشيء ذكر في كتاب الله أوسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لكان أفضل وأخير. وقولك بأن العلماء لا يهتمون بقراءة الصحف اليومية! فكيف علمت بأنهم لا يقرؤون الصحف؟
وكيف علمت بأنهم لا يردون على الشبه وغيرها؟!
إن لفضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان - حفظه الله - وسدده كلام في ذلك، وقال بأن العلماء تكلموا وردوا على كل حدث ولكن الإعلام يغيب فتاوى العلماء. فالتقصير من وسائل الإعلام لا من العلماء، وأنت كاتب صحفي وتعرف جيداً كيف يحارب الكاتب الصحفي صاحب التوجه الإسلامي، وأما قولك: (بشرائهم الصحف اليومية وليجعلوها صدقة ) . فلنتصور أن العلماء قاموا بالجلوس لقراءة الصحف يومياً وفندوا ما فيها ومن ثم قاموا بالرد على كل شاذة وفاذة، فأين الوقت للبحث والمطالعة وتعليم الناس وإلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد والجامعات والكليات والتلفاز والإذاعة. ؟ الخ.
فيا أخي الراصد يكفي الغيور تبليغهم ومشاورتهم، ثم يقوم السائل ـ إن كان عنده علم ـ بالرد على المخالف بعد أن استنار بآراء العلماء.
أيها الراصد لا بد من التأدب مع العلماء، وأن نعرف لهم مكانتهم، قال الحافظ ابن عساكر - يرحمه الله - مخاطباً رجلاً يقرأ على العلماء: ( إنما نحترمك ما احترمت العلماء ) .
ولا شك أن أهل العلم أولى الناس، بالاحترام والتأدب معهم وحسن الخلق في معاملتهم، ولين الجانب لهم وتقديرهمº لأن ذلك من الدين ولأجله. فعند رغبتك بنصح العالم عليك بالآتي:
1- الرفق واللين معهم كما في الصحيح من حديث عائشة - رضي الله عنها -: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) ويكفيك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم: ( إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء) سنن أبي داود.
2- التثبت قبل النقد أو النصح، فاتهمتهم بالتقصير بغير علم.
3- اختر أحسن العبارات لإيصال النصح.
4- التمس العذر لهم فإن لم تجد فابحث عن سبعين عذراً.
5- اتهم رأيك واترك الاعتراض على العلماء.
6- أن يكون نصحك لهم سراً ليحصل المقصود لا على رؤوس الأشهاد، وإن تعذر لقاءهم فتمكن مراسلتهم عن طريق البريد الإلكتروني أو الرسائل البريدية أو الهاتف.
- وفي الختام: كان بودي الثناء على مقالاتك الكثيرة النافعة ولكن قال ابن القيم: ( سأل تلميذ أستاذه أن يمدحه في رقعة إلى رجل ويبالغ في مدحه بما هو فوق رتبته. فقال: لو فعلت ذلك لكنت عند المكتوب إليه إما تقصيراً في الفهم حيث أعطيتك فوق حقك. أو متهماً في الإخبار، فأكون كذاباً، وكلا الأمرين يضركº لأنني شاهدك، وإذا قدح في الشاهد بطل حق المشهود له) .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد