د . محمد العبدة : الدعوة لم تتراجع، لكنها بحاجة لمراجعة .. والسنة بحاجة لمرجعية ( 1 – 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في زمن تغيرّت فيه جملة كبيرة من معطيات التعامل مع الآخر، وتحركت لدى البعض مفاهيم كانت تعد في الماضي ثوابت لا يرقى إليها الجدل، وفتحت جبهات داخلية وخارجية أمام منطلقات وثوابت عديدة، ما يدفع لضرورة المراجعات الذاتية الصادقة والأمينة، تبدأ من السؤال الدائر في نفوس الكثيرين من المصلحين: \"هل الطريق التي سلكناها خلال السنوات الماضية كانت ناجعة؟ هل اجتهاداتنا في هذا السبيل كانت صائبة؟ \".. هذا السؤال ونظائره حدوا بموقع (المسلم) أن يجري حواراً مع الدكتور محمد العبده (المفكر والباحث الإسلامي)، وجاء حوارنا معه متشعباً وغنياً ومستفيضاً، تناول الثابت والمتغير، والتعامل مع الآخر، وفنون مخاطبة الجماهير، وكيفية الارتقاء بالخطاب الدعوي، والكثير من الأمور الغنية الأخرى.

 

وفيما يلي الحلقة الأولى من الحوار مع الدكتور العبده.

 

* دكتور محمد، كيف تنظر إلى داعية اليوم، وهل ثمة تغيير يمكن أن يطرأ على عمل الدعوة، وطريقة تفكير وتعامل الداعية مع الناس؟

 

يشهد العالم تغييرات مستمرة من ناحية الأساليب وهذه المتغيرات ـ لا الثوابت ـ، إن لم يلحظها الدعاة، فإنهم سيقعون في أخطاء قد لا ينتبهون لها وتمر السنون وهم يمارسون أساليب دعوية، قد ألفوها منذ زمن.

 

والملاحظ أن الجماهير تزداد وعياً، خاصة في السنوات الأخيرة، عبر العديد من الوسائل، منها القنوات الفضائية وغيرها، وبزيادة الوعي، فإن الجماهير تتسلح بشيء من العلم أو الثقافة، وبالتالي فالخطاب الموجه للجماهير يجب أن يتطور تبعاً لذلك، وأن يتناسب مع الوعي الثقافي. سواء كان هذا الخطاب هو الخطاب الأساسي والمهم جداً كخطب الجمعة أو الدروس العامة، أو حتى الاختلاط بالجماهير ودعوتهم.

 

من وجهة نظري، فإن من الأشياء التي يمكن أن تساعد فعلاً على الاتصال أكثر بالأمة والجماهيرº هو الخطاب المبني على علم. أعني أن لا يكون الخطاب عاطفياً فقط، بل يجب أن يجمع الخطاب بين العلم والعاطفة، فالجماهير يجب أن تشعر أنها تستفيد من الداعية أو من العالم شيئاً علمياً يفيدها في حياتها اليومية، كما أنها تريد أيضاً أن يزداد إيمانها من خلال الوعظ أو من خلال التذكير بالأخلاق العالية وسيرة السلف مثلاً، لذلك لا بد أن نخاطبها أيضاً خطاباً علمياًº كأن نأتي بالأحاديث الصحيحة وبفهم الآيات وبالوقائع.

 

هناك تغيير كبير في مجتمعات، كما تحدثنا في البداية، نتيجة الإعلام والعلم والمدارس، والذي لا يلاحظ هذا ويظن نفسه سيظل يعيش على ما كان عليه فسيكون فاسد.

 

من ناحية ثانية، فإن الجماهير بدأت تعاني في السنوات الأخيرة من زيادة المشاكل الحياتية اليومية. خاصة مع انتقال الحياة من المدن البسيطة والقرى البسيطة، إلى تعقيدات الحياة الحالية.

فالمفروض من الدعاة الذين يريدون أن ترتفع الأمة والجماهير إلى مستوى أفضل، ويكونون مساعدين، بل منخرطين في الدعوة مع الدعاة والعلماء، يجب عليهم أن يتكلموا عن همومهم.

وأن يحاولوا مساعدة الناس في التخفيف من همومهم اليومية، خاصة مع وجود مشاكل اقتصادية واجتماعية كثيرة خلال السنوات الأخيرة.

 

لا نريد أن نبحث عن الأسباب وغيرها، ولكن الداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يخاطب الجماهير أيضاً في مشاكلهم، أو يقدم بعض الحلول لهم.

 

أما قضية الحماية، فيجب على العلماء أنفسهم أن يتحولوا إلى حماية. يعني أن العلماء إن اختلطوا بجماهير الأمة، فسيكون هم أنفسهم حماية للدعوة، لأن من يريد أن يضرب الجماهيرº لن يستطيع ذلك، فالأمة أو على الأقل قسم كبير من الأمة هي من العلماء والدعاة. وهذه إحدى أسباب نجاح حماية الدعوة، إذ من هموم الدعوةº الاتصال بالناس، والتخطيط لدعوة الناس، وتوصيلهم إلى الإسلام الصحيح، وهذا بالتالي مما يؤكد ويؤيد حماية الدعوة.

 

- في مرحلة سابقة، منذ نحو ثلاثة عقود تقريباً، كانت هناك مبادرات جيدة للدعوة، حيث استطاعت الدعوة الانتقال من بلد لآخر، وبدأت الدعوة تغمر أرجاء كثيرة، وتعلي من شأن طروحاتها ورموزها، لكن الآن وخلال الخمس سنوات الأخيرة من عمر هذه الصحوة والتي ترافقت مع المستجدات العالمية التي أثرت عليها، نلحظ نوعاً من التراجع عن هذه المكتسبات، وتعرضت مكتسبات للهدم أو للزوال بسبب عوامل داخلية وخارجية، وفي تلك الخارجية نلحظ نجاحاً ربما حققه مناوئوها، فهل تعزون هذا التطور لقصور سيطر على عمل جماعة الدعوة في طرحها والقضايا التي كانت تضعها في أولوياتها، أم أن هذه تعتبر من السنن الكونية أو السنن التي تمر على الدعوات مهما كانت طبيعتها وتجاربها ورموزها.

 

-أنا أعتقد أن الدعوة في مرحلة سابقة قد نجحت في أمور لا بأس بها، من جميع النواحي. والحقيقة فإن ما يسمى بالصحوة الإسلامية قد نشرت الإسلام بشكل كبير. لكن لم يحدث بعدها تجديد، إذ رفعت هذه الصحوة شعارات قد تكون كبيرة جداً لم تستطع أن تحققها، وقد تكون هذه الشعارات صحيحة في حد ذاتها، لكنها قد تعطي للناس نوعاً من مصداقية الحلم الذي لا يصعب تحقيقه، فإذا لم يتم تحقيق هذه الأحلامº يصاب الناس بالإحباط.

كما قد تكون رفعت شعارات غير صحيحة، ثم لم تراجع، وبالتالي استمرت الأمور على الطريقة الأولى سنوات عديدة. وهنا تصاب الدعوة بالنقص.

 

وأظن أنه من السنن الاستمرار والقوة، وبالتالي الزيادة، وكان هرقل قد سأل أبا سفيان عن المسلمين، \"هل يزيدون أم ينقصون\"، فأجاب أنهم يزدادون. فاستدل هرقل بهذا الجواب بأنها دعوة صحيحة. ولكن قد تمتحن الدعوة، وقد تبتلى، وهذا شيء طبيعي، ولكنها يجب أن تزداد باستمرار كماً أو كيفاً.

وأنا أعتقد أن هناك أخطاء حصلت، منها عدم تجديد المناهج وغيرها. فأنت عندما تضع كتاباً في المناهج التربوية، ويبقى هذا الكتاب 20-30 سنة، فستجد عندما تراجعه أشياء عديدة خاطئة. وهذا يعني أن المسلم سيتربى عليها، وسيظن أنها صحيحة، وهو ما يؤدي إلى التراجع، لأنه سيبقى مستمراً على عقلية معينة. لذلك أرى أن التجديد يجب أن يشمل حتى الأمور الفكرية والأمور المنهجية، ويجب أن يشمل التجديد أيضاً الوسائل، إذ هو الذي يجعل الحركة مستمرة، ويجعل الدعوة الإسلامية مستمرة، ويقويها.

 

* هناك انطباع ترسخ لدى كثيرين ربما لا يستند إلى بحث واستقصاء علمي بأن ثمة تراجع في الصحوة، يعزز ذلك الجرأة التي تبديها الحالة الإعلامية في نقدها والتي تجاوزت الخطوط الحمراء كثيراً فيما يتعلق بالأصول والمقدسات والثوابت، وقد يكون هذا الانطباع صادق أو غير ذلك، وعلى هذا، هل يمكن للصحوة أن تتوافر على معايير علمية محددة تستطيع من خلالها قياس مدى تقدمها أو تأخرها بعيداً عن الصور الإعلامية الزائفة؟

 

حتى نكون دقيقين، الدعوة ليست في تراجع بالمعنى الذي قد يفهمه القارئ أو السامع، بل العكس أحياناً، حيث تجد الآن المساجد ممتلئة أكثر من ذي قبل. بل ممتلئة من الشباب ومن الشباب الصغار أكثر، وهذا الشيء يدعو للتفاؤل كثيراً. فعندما يكون الشباب من سن 14- 15 فما دون يملئون المساجد، فإنك تتوسم خير.

 

هناك أناس لديهم جرأة، وبدؤوا يتكلمون. وطبعاً الإعلام القوي الآن هو الإعلام الزائف الذي يصور ما يتمنى، لكن دعنا نتكلم عن أنفسنا بدون الإعلام. فستجد أن الدعوة صار فيها مرحلة فتور ثم أيضاً ضعف في الطرح الفكري الثقافي فهذا أدى إلى أن بعض الناس أو بعض الشباب ظن أنه مدخل للنقد، وبالتالي فإن هذا النقد غير صحيح أيضاً لأنه إذا أراد أن ينتقد انتقاداً سليماً (وهو حق طبيعي له بشرط ألا تكون عن نية سيئة أو حب للشهرة والظهور) يجب أن يرجع إلى ما جاء في السنة، والذي هو الإطار العام الذي نستطيع من خلاله التجديد، أما خارج هذا الإطار فأنا أعتقد أنها ستختلف ويكون فيه تخبط، ومنهج السنة من الاتساع ما يجعله مرناً وقوياً في ذات الوقت. لدرجة أن العلماء أو الدعاة يستطيعون أن يجددوا ضمن هذا المنهج الشيء الكثير.

 

* نعود للنقطة الأولى التي تتعلق بالأخطاء التي ترافقت مع فترة انتشار الصحوة أو التربية الفكرية والثقافية لأبناء الصحوة، لو قدّر للشيخ العبدة أن يرجع 30 سنة إلى الوراء، هل كان سيرى أن القضايا التي وضعت آنذاك هي ذاتها التي كان سيضعها فيما يتعلق بالأولويات التربوية والطروحات الفكرية التي يجب أن يتربى عليها الصحوة؟

لا طبعاً، يعني أنا أرى الكثير من الأشياء التي يمكن أننا لا نقبلها الآن، أو يجب ونتمنى أنه لو لم تكن موجودة، على سبيل المثال، التربية أو بعض طرق التربية التي نتج عنها نوع من الحزبية، وهذه طبعاً أضرت كثيراً بالصحوة الإسلامية والعمل الإسلامي.

 

فلو عدنا إلى الوراء، فسأتمنى أن يكون هناك نوع آخر من التربية، أن نجتهد في تربية معينة، لا تنتج عنها نفس السلبيات، بحيث نستفيد من كل الطاقات الإسلامية الموجودة، فيما أرى أن التربية القديمة لم تحقق لنا الاستفادة من كل الطاقات، وجعلتنا محددين بطاقات بسيطة وقليلة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أرى أحياناً خلال الثلاثين سنة الماضية، أنه كان هناك تركيز في أحيان كثيرة على الجانب العلمي البحت، ما ساعده على التضخم، على حساب ضمور الجانب الأخلاقي مثلاً أو الجانب السلوكي أو الجانب الروحاني إن صح التعبير.

 

فأنا عندما أرجع إلى الوراء، أرى وأشعر أحياناً أن جانب الصلة بالله أو جانب التقوى فيه قد كان ضعيفاً، رغم أنني لا أتهم أحداً. لكن أرى فيه ضعفاً من جانب التقوى، وهذا أهم ما في القضية، والذي أعنيه أن الله - سبحانه وتعالى - ينظر للقلوب ولا ينظر إلى الإنسان كما لا ينظر إلى الأشكال.

والأخلاق طبعاً لا تأتي عن طريق النظريات، هناك العديد من الكتب عن الأخلاق سواء وعظاً أو تأصيلاً، (لكنني) أرى أن الأخلاق ممارسة، وبمعنى (أدق) ممارسة عملية المشايخ والعلماء والدعاة والطلبة يمارسون عملياً، فهذا مثلاً كان فيه نقص، وأتمنى لو يمكن أن تصحح هذه الأمور الآن، لنعود إلى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: \"ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله\"، دلالة على أن القلب هو الأساس، وأنه هو البداية، وهذا سبب نجاح الجيل الأول للصحابة، إذ إن الصحابة قلوبهم نظيفة وطاهرة.

 

أنا بالطبع لا أقول \"إنه يجب أن نكون مثل الصحابة أو مثل التابعين\"، ولكننا نسعى إن شاء الله قدر المستطاع لذلك، وهذه هي مجاهدة النفس، ويجب أن نجاهد أنفسنا في هذا، وأن نركز على هذه الناحية، وهو ما أتمنى أن نعود إليه في هذه الأمور، طبعاً من دون أن نهمل الجانب العلمي، بل أن نسايره جنباً إلى جنب مع الجانب الفقهي. وعدم مسايرتهما لبعض يحدث نوعاً من الضعف، فتصور مثلاً وجود مفكر إسلامي كبير، ولكنه لا يهتم بالصلاة، فكيف يستقيم هذا الأمر، وما الفائدة منه. أو أن يتساهل هذا المفكر في أمر عقدي مثلاً، أو عنده ضعف في القضايا الأخلاقية، فما الفائدة من فكره؟

 

* مصطلحات ومفاهيم التجديد والمراجعات والنقد الذاتي صار الجدل يدور حولها كثيراً هذه الأيام وخاصة فيما يتعلق بالقائمين على منهج أهل السنة الذين يرون أنهم يلتزمون بضوابط معينة في أمور الدعوة ويكون هناك اختلاف واسع جداً في مدى السعة والضيق في هذا الأمر في قضية التجديد والمراجعات والنقد الذاتي، ما هي رؤيتك لهذا المنطلق وما هي حدوده الشرعية التي ترى أنه لا بد من الالتزام بها؟

 

كتبت مقالاً في كتابي (تأملات في الفكر والدعوة) وكان أول مقال في التجديد والتجدد، وقلت فيه: \" إن التجدد يعني غير التجديد الذي هو تجديد كبير\"، وأرى أنه لا بد من التجدد بين كل فترة وأخرى، في وسائلنا وأهدافنا المرحلية، وفي أخلاقنا وأمورنا ومنهجنا، وأرى من المهم جداً أن نسير بهذا المعنى، بل إن ابن خلدون يسمي عدم التجديد \"بالداء الخفي\".

والداء أيضاً في الناس الذين لا يلاحظون المتغيرات، ويبقون عقلهم على ما هو عليه، ويظنون أنفسهم قبل 30 أو 40 سنة ولا يحسون بالتغيير الجديد.

 

على سبيل المثال، هناك تغيير كبير في مجتمعات، كما تحدثنا في البداية، نتيجة الإعلام والعلم والمدارس، والتغير طال حتى العلاقات الدولية، بعد أن حدثت تغيّرات في الدول، والذي لا يلاحظ هذا ويظن نفسه سيظل يعيش على ما كان عليه فسيكون فاسد.

ولكن طبعاً شعار التجديد فعلاً هو شعار يرفعه من يريد أن ينسف الثوابت بحجة التجديد، إذا وصلت هذه الأمور إلى قضايا العقيدة وقضايا بعض أصول الفقه مثلاً. وهذا التجديد سيكون في غير الإسلام ولن يكون صحيحاً بطبيعة الحال.

 

فالتجديد يجب أن يكون ضمن ثوابت محددة ومعروفة في الإسلام، وضمن منهج السنة، والتجديد في مناهج الفكر وفي وسائل الدعوة، وهذا كله ممكن، ولكن أن تتنازل عن الثوابت بحجة التجديد، فهذا ليس من التجديد في شيء، بل هو ما يسمى بهدم الحقيقة، مهما كانت الظروف.

وأنا أعتقد أن الإسلام حق ودين، أنزله الله - سبحانه وتعالى -، وهو دين للإنسان، ودين خير للبشرية في الدنيا والآخرة، مهما كانت الظروف.

وعلى اختلاف الظروف الدولية أو الظروف المحلية الآن، إلا أنه يجب المسلم أن يبقى متمسكاً بثوابت الإسلام، وثوابت دين الله - عز وجل -، وهذا ما يساعد المسلمين في نصرة الله لهم، أما الزعزعة في اليقينيات لأسباب معينة، أو لظروف معينة أو لدول، فهذا لا يسمى تجديداً.

 

* تسببت رؤى السابق ساقتها أنماط تربوية متناسبة مع عصرها الماضي، وتخلفت عنها أطروحات فكرية مزجت ما بين الأدلة الشرعية وواقع كانت تحياه هذه الأمة ربما قد تغير الآن، في إشكال في استنساخ هذه الأطروحات في الواقع المتغير الآن، وإذا ما أخذنا مثلاً واضح الدلالة في ذلك في أسلوب التعاطي مع قضية المرأة الذي تم التعامل معه برمته بما فيه من رؤية آنية للمرأة قبل عقود، والذي تصادم الآن مع رؤى مغايرة واستمسك البعض بالرؤية السابقة لاعتبارها شيئاً مقدساً لا يؤثر فيه الزمن، واكتست مع ذلك قدراً من التضخيم جعلها لدى البعض ركناً من الأركان، من عرضها للمراجعة كأنه هدم أصل دعوته، كيف تقيمون الأمر من حيث هي مسألة طرحت آنفاً على نحو قاصر أم كان مناسباً للفترة التي طرحت فيها وتحتاج لنوع من التجديد مثلما تحتاج الأفكار والآليات إلى تجديد وتطوير مع مرور الزمن؟

 

بعض المواضيع أصلاً كان الطرح ناقصاً فيها، مثلاً قضية المرأة. فأنا أعتقد أن قضية المرأة واقعة بين حدين، الحد الأول الذي يُدخل أحياناً العادات أو التقاليد بالدين، ومن يخشى أو يضعف أمام الهجوم الكاسح على قضايا المرأة والأسرة ويريد أن يظهر أنه هو متجدد أو عصراني أو كذا فيبدأ يتكلم عن المرأة بشكل مفرط.

أما عندنا نحن المسلمين فقضية المرأة قضية واضحة وبسيطة، وهي مسألة مرتبطة بالإسلام، وحلها مرتبط بتعاليم الدين الإسلامي، ولا خلاف على ذلك.

 

وأنا أعتقد أنه كان هناك نقص في طرح هذا الموضوع، ولنكون دقيقين أكثر أرى أنه كان لدينا \"خوف\" من التصريح برأي الإسلام الحقيقي في قضايا المرأة. مثلاً قضايا التعليم قضايا اللبس القضايا الاجتماعية قضايا الانتخابات ومشاركة النساء فيها، وغيرها.

وربما يضطر بعض الضعاف أن يقولوا عندما يرون الهجوم علينا حول هذه النقطة \" نحن ليس لدينا مشكلة، وممكن أن تصبح المرأة لدينا رئيسة للجمهورية مثلاً\"، ولكن هذا مخالف للفطرة، فحتى في الدول التي تضغط على العالم الإسلامي كأمريكا، منذ أن أسست هذه الدولة، وحتى الآن (أي منذ 300 عام)º لم يحدث أن تولت امرأة منصب الرئيس هناك.

 

والبعض الآخر يقول \"إن بعض المشاكل ليس لها حل في الإسلام\"، رغم أن جميع المشاكل لها حل في الإسلام. ولكن لم يكن هناك جرأة في الطرح، ولا يتجرأ أن يقول \" أن هذا رأي الإسلام في قضايا المرأة\" كقضية كشف الوجه، حيث إنه ولا شك أن ستر الوجه هو الأفضل والأحسن للمرأة، لكن ما دام فيه آراء للعلماء خاصة في البلاد غير المملكة، ونحن نتمنى أن المرأة تستر جسمها وتستر شعرها وكذا بستار واسع والأفضل أن تغطي وجها، لكن إن لم تغط وجهها فلا نقول: \"إن هذا حرام مثلاً\" لاحظت كيف يكون الطرح في الجانبين.

 

وهناك بعض القضايا التي بقيت رهينة النظرة الواحدة منذ 30 عاماً، ولعدم التجديد بقيت على ذات الخطأ. مثلاً كان هناك نظرة تتسم بالسطحية، نحو الشيخ رشيد رضا. لكن عندما بدأنا نقرأه له شعرنا أنه كان هناك خطأ في نظرتنا الأولى للشيخ رشيد، وأنه شخص لديه علم جيد وغزير، بل لديه نظرات كبيرة في الواقع، ونظرات جيدة جداً، بغض النظر عن أخطائه أو ارتباطه بالمدرسة العقلية لمحمد عبده.

فإذن إما أن يكون فيه فعلاً بالأصل نظرة قاصرة أو أنهم اجتهدوا في بعض القضايا العلمية أو التربوية أو الفكرية، وقد يكون هذا أدى إليه اجتهادهم وواقعهم، لكن لعدم التجديد يحدث شيء من الزعزعة أحياناً.

 

أيضاً على سبيل المثال بعض الشعارات التي طرحها سيد قطب شعارات مجملة ومبهمة، ولما نأخذها على مجملها نراها مبهمة، وقد تحدث إشكاليات، ولكن المفروض أن يكون فيه تجديد، وتكون لدينا الشجاعة أن نعيد قراءة المصطلحات، ونبحث عن إيضاح ما كانت غير واضحة منها.

 

ونواصل في الحلقة القادمة بإذن الله، حوارنا مع الدكتور العبده، نستوضح منه عن الطروحات الفكرية التي يجب أن يتبناها الدعاة، وعن الخارطة الدعوية وجغرافية التيارات الإسلامية، وريادة علماء المملكة الدعوية في العالم، وتجربة العلماء والدعاة في الفضائيات، وغيرها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply