صورة مكة المكرمة .. بيت الله الحرام، وواحة الإيمان والتقوى .. وأطهر بقعة على ظهر البسيطة، نلمحها في أشعار الدكتور محمد رجب البيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في قصيدته الروحانية \"مكة المكرمة\" وفيها تجلت مشاعر الحب الدافق، والحنين نحو الحج وزيارة المناسك وأدائها والطواف، ورؤية مهبط الوحي ومسقط رأس رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، ورؤية منازلها التي انتشرت منها الهداية، حيث يقول:
لتلك منازل القرآن أصغت * * * لأول آية دوَّى صداها
مضت طيَّ الأثير كذات لمحٍ, * * * تُريق بكل داجيةٍ, سناها
ويمضي شاعرنا (البيومي) في الحديث عن تيه الحجارة وإعجابها بغار حراء وإحساسها بالفرحة، نتيجة نزول الوحي المقدس، والآيات الطاهرات، وكأن جبريل الأمين يُسامر سيد الخلق محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في محادثة إيمانية تقوم بتعليم الأجيال تلو الأجيال مجد مكة وعظمتها وقيمتها في الأرض والسماء:
تبخترت الحجارة في حراءٍ, * * * بربك أيٌّ إحساس عَراها
ترى الروح الأمين سعى إليها * * * يُسامر عندها بالوحي طه
وتعلم أن أجيالاً ستأتي * * * تُمجدِّها، وتمنحها هواها
فَلِمَ لم تنتفض تيهًا بمجدٍ, * * * لو أنَّ البدر أحرزه تباهى
ويطلب الشاعر بإحساسه الندي الشجي من زائر الديار المقدسة المباركة أن يتسمَّع للأباطح ولأجواء هذه الأرض الزكية حين يمشي عليهاº لأن لكل اتجاه فيها قصة وحكاية، وتاريخًا من تاريخ الإنسانية في أرقى مضامينها.. فيقول:
تسمَّع للأباطح حين تمشي * * * فإن لكل ناحيةٍ, لُغاها
ستنطق بالذي شهدت وتروي * * * عن الهيجاء إذ دارت رحاها
ويحكي صاحبنا كيف أن أهل مكة صدوا عن الدعوة، ورفضوا وحي السماء .. وانخرطوا في معارك طاحنة ضد الإسلام:
معاركُ طُغمةٍ, جهلت فتاهت * * * بظلماء تَدجَّى جانباها
مشى بالحجة البيضاء فيهم * * * نبيهمو فَذَمٌّوه سِفاها
وصاح بهم: إله العرش يدعو * * * إلى الحسنى فما عرفوا الإله
ويتحدث الشاعر عن مكة التى تنكَّب أهلها الصراط المستقيم، حيث حنَّت للدعوة، وبكت من أجل معاداة أبنائها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
بكت أم القرى إذ دابروه * * * وودَّت لو يميد بهم ثراها
تحوَّل راحلاً عنها فضجَّت * * * وكم ذرفت حنينًا مُقلتاها
وودَّت أن يعود فحان فتحٌ * * * من الرحمن حقق مُبتغاها
وهنا نرى كيف أن البلد الحرام كانت غاضبة باكية بسبب رحيل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عنها وهجرته إلى المدينة المنورة، وتمنَّت لو عاد مَن تهواه (وهو الرسول)، حتى كان الفتح الأعظم من المولى ( عز وجل ) الذي حقق أمنيتها العزيزة.
وعند ذاك قام جبل (المحصَّب) بإزجاء التهنئات الحارة إلى غار حراء، أما البيت فكان سريع الاستجابة فرحًا مسرورًا مباهاة بهذا اليوم المشهود، الذي كسا الحياة لباس العزة والنصر والفتح المبين:
كأني بالمُحَصَّب راح يهدي * * * لغار حراء تهنئة تلاها
وخفَّ البيت من طربٍ, يُباهي * * * بيومٍ, قلَّد الدنيا حُلاها
يبشر مكة بالفتح سمحًا * * * رحيمًا لا تسيل به دماها
فبهذا الفتح، الذي كان سلامًا على أهلها بسبب دعوة الحق، وبسبب مكة نفسها، أرض الإسلام، وموطن الهداية، ومعقل الوحي الإلهي، والتي يحج إليها الناس من كل حَدب وصَوب.
وهكذا كان شعر الدكتور محمد رجب البيومي متضمنًا شحنات عاطفية ثرَّة، وانفعالات روحية جمَّة، وأشواقًا لاهثة حرَّى نحو مكة المكرمة، التي يحِنٌّ أيضًا لأهلها وزائريها، وتشعر بهمº لأنها بمثابة الأم الرءوم، التي تحس بأبنائها من الحجيج.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد