قـلـبـي ينادي.. والنداءُ وجيبُ *** يـا عـيـدُ مالك ما تكادُ تُجيب؟!
يا عيدُ! أين العيدُ يؤنسُ وحشَتي؟ *** عـهـدي بـه بالمفرحاتِ نجيبُ
قـالوا: أتى، ورأى الجميع هلالهُ *** وأطـلّ وجـهٌ لـلأنـامِ حـبيبُ
فصرختُ: أين العيدُ؟ عندي ما بدا! *** إن كـان قـد وافى فكيفَ يغيب؟
الـعـيـد هذا؟؟ ليس هذا عيدنا! *** الـعـيـدُ هـذا- يائس وكئيبُ
عـيـدي سـرورٌ كـلـه وسعادةٌ *** وبـشـاشـةٌ قد صاغها الترحيبُ
عـيـدي الذي بجوار أمي.. ما لَنا *** عـيـدٌ سـواهُ، فـوحدهُ المطلوب
عـيـدي الـذي بجوار أمي دائمٌ *** فـهـلالُ عـيدي لا يليه غروبُ
كـم هَـلَّ من آفاق بسمتها.. فلي *** فـي كـل حـين حظوة ونصيبُ
حـتـى وقـد فارقتها دهراً.. فلم *** يُـحـرم من العيد السعيدِ غريبُ:
أخـبارُها.. دعواتها.. وهُتافُها الـ *** ـمسموع روضٌ بالسرور خصيبُ
وإذا أحـاطتني الهمومُ هنا- فلي *** فـي عـيـد أمـي بلسمٌ وطبيبُ
إنـي رضـيتُ مع الفراق.. بأنها *** تـحـيـا وتـسلم والزمانُ يطيبُ
وبـصـيص آمال يلوحُ يقولُ لي: *** اصـبـر قليلاً.. فالغريبُ يؤوبُ!
قـد يـجـمـعُ الله الأحـبةَ بعدما *** قـد بـعـثرتهم في الحياة دروبُ
اصـبر.. فقد تجني المسرة والمنى *** بـعـد الـفراق كما جنى يعقوبُ
وصـبـرت أتـخذُ الدعاء وسيلةً *** مـا كـان مـن لزم الدعاءَ يَخيبُ
وازدان فـي أفـق الرجاء تفاؤلي *** دهـراً.. وشـوقي في الفؤاد لهيبُ
وأصـخت علّ السعد يعزف شدوه *** فـهـوى عـلى أدني أذىً ونحيبُ
واسّـود وجهُ الصبحِ بعد نصاعةٍ, *** وكـأنـما طمس الشروقَ غروبُ
ومَـضَـت إلى دار الخلودِ كنجمةٍ, *** ومَـضَت فأطفأها الردى المنكوبُ
مـاتت فمات العيدُ.. ماتت فرحتي *** في غربتي.. مات الشذى والطيبُ
قـد كان لي أمل اللقاء.. فكيف لي *** أن ألـتـقي من بالثرى محجوبُ
أو كـيـفَ أحتملُ الفراق وإن لي *** قـلـبـاً عـلى نار الحنين يذوبُ
فـي زحـمةِ الأعياد أعياٍ, الورى *** مـا بـانَ لـي إلا أسىً وكروبُ!
فـأنا الحزين.. أنا اليتيم وإن طغى *** فـي هـامـتي بعد السنين مشيبُ
وأنـا الـضعيفُ بفكرتي وبقدرتي *** مـا لـي إذا حُـمَّ القضاءُ هروبُ
إلا إلـى ربّ الـقـضـاء فـإنما *** لـه يـفـزعُ المحزون والمغلوبُ
يـا ربّ حـلّت في جوارك ضيفةٌ *** وسـبـيـلُ عـفوك للأنام رحيبُ
إن نـالـها منك السخاءُ فذاكَ لي *** نـعـمَ العزاءُ.. فقد نجا المحبوبُ!
أدعـو ويـغلبني الحياءُ فليس لي *** حـق الـدعاء وفي الكتاب ذنوبُ
أنّـى لـمـثـلـي أن يقود سفينة *** نـحـو الـدعاء وقَعرُها مثقوبُ؟
لـكـنّ آثـامـي تـدقّ وتنزوي *** بـجـوار جـودٍ, لا يـليه نُضوبُ
فـسـطاطُ عفوك أشرعت أبوابهُ *** لـلـخـاطئين.. لمن كبا ويتوبُ
تـمـضي الحياةُ بخيرها وبشرّها *** نـحـو الردى وإلى حماك نثوبُ
فـاشـمـل إلـهي والديَّ برحمةٍ, *** وأخـي وأختي.. والرضاءُ قريبُ
واجـمـع بـفضلك شملنا في جنةٍ, *** فـيـهـا لـقاءُ الصالحين يطيبُ
لا حـبـذا الـدنـيا.. ونعم نهاية *** فـيـهـا حـبـيبٌ يلتقيه حبيبُ
فـهـنـاك عـيدي دائمٌ ومحبّبٌ *** وهـنـاكَ عـيدي رائعٌ وعجيبُ!