إلى الأميري في قبره عمر بهاء الدين الأميري

1.8k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

شـقـقـتَ الـصدور بالرحيل ولم تزل *** تـشـقّ فـؤادا قـد أحـبّـكـمو حقا

ومـاذا عـسـاه الـقلب يفعل لو بكت *** عـيـونـي وقـد حـنت لرؤيتكم شوقا

سـوى أن يـفيض الوجد وجد صبابتي *** فـيـخـفـقُ بـالتحنان للطاهر الأتقى

ومـا كـنـتُ أدري حين لفكمو الردى *** بـأنـي سـألـقـى كلّ هذا الذي ألقى

كـآبـات قـلـب واهـتـياجا لأضلعٍ, *** و لـوعـة وجـدان ودمـعا همى دفقا

فـكـلّ زفـير شبّ في الصّدر باللظى *** وكـلّ خـيـال هـبّ يـسحقني سحقا

يـقـولـون قد مات \" الأميريّ ُ\" يافتى *** وقـد سـمـقـت أزهـار دمـنته سمقا

فـكـفـكـف دراريك الحزينة واعلمن *** بـأنّ بـكـاك الـمـرّ لم يعرف السبقا

تـأخـر فـي حـق \"الأميريّ \" رثوكم *** ومثل \" الأميري \" بئس من يهضم الحقا

فـقـلـتُ لـذاكـم قـد لـقـيتُ أسنة *** لـهـا فـي حنايا الجسم خلساتها خرقا

سـيـعـذرنـي قـومي ولستُ بطالب *** سوى من \" أميري \" العذرَ أجلي به الربقا

ولـو يـعـلـم الـشهمُ الكبيرُ براءتي *** مـن الـشعر قرضا قبل أن يعرج الأفقا

و إنـي حـديـث الـعهد بالنظم ليتني *** نـظـمـتُ قـبيل الموت حلّ بكم برقا

و قـالـوا \" الأمـيري \" أبدع َالنظمَ حلة *** كـسـت أدب الإسـلام من نورها ألقا

فـلـمـا تـلـوتُ مـن نـظـيم بيانهِ *** سُـحـرتُ بشعرٍ, فاض من نبعه الأنقى

و ألـفـيت في الديوان ما أبهج الورى *** مـشـاعـرَ إنـسـانٍ, أصيلٍ, سما فوقا

نـدمـتُ و أمسى الذنب يُوخزُ مهجتي *** عـلـى كـلّ يـوم قـد جهلتكمو حمقا

ومـمـا يـزيـد الـقـلب نارا وحرقة *** ويَـضـرمُ فـي الوجدان ما فاتني حرقا

تجاورُني في العيش في أرض \" مغربٍ, \" *** سـنـيـنـا ولم أدر الجوار الذي أبقى

فـضـيـلـتـكـم خمسا وعشرة حجّةٍ, *** تـنـال عـطاء الجود من خيرها رزقا

عـفـا الله عـنـي مـا عـرفتُ بذلكم *** فـلـما عرفتُ صرتُ من موتكم أشقى

ولـو كـان لـي عـلـمٌ قـبيل مماتكم *** شـددتُ الـرّحال كي أرى شخصكم حقا

أجـالـسـكـم والـسّـعـد يَألق بهجة *** وأقـتـبـسُ الأنـوار من عروةٍ, وثقى

تـقـولُ وقـد أفـضى لك القلبُ سرّه *** بـنـيَّ سُـررتُ بـالـذي رمته نطقا

أحـبّـكَ ربّـي ذو الجلال وذو الرضى *** ومـن أجـلـه ذا الـحـبّ ننشقه نشقا

أتـرغـب في نصحي؟..فثمة ناصح *** يقول: اعملوا من بعد..ذاك الذي يبقى

هـو الأدب الـورديّ يـقـطر بالندى *** يـزّيـنـه الإسـلام مـن طهره يُسقى

ومـا دونـه عـكـر الـمـياه مشوبة *** مـروقـا وهـجـنـا لا يساغُ لها ذوقا

ضـلالٌ وزيـغٌ و اتـبـاعٌ لأنـفـسٍ, *** تـدبـق أجـفـانـا بـرمّـتـهـا دبقا

وفـي أدب الإسـلام حـصـنُ استقامةٍ, *** وعـزّة إيـمـانٍ, نـغـوص بـها عمقا

فـلا تـنـظـمـنّ الـشعرَ إلاّ سبرته *** أيـرضـاه مولانا؟ وهل يجلب العتقا؟

وكـن مـثـل حـسّـانٍ, يـصدّ بشعره *** نـبـالا ويـرمـي بـالـنظيم الذي دقا

تـزوّد بـأشـعـار الـقـدامى فنظمهم *** بـديـعُ الـمـتون في فضائهمو ترقى

وثـابـر بـنـيّ أن تـكـون مجاهدا *** ومـا اسـطعتَ من جهدٍ, فأنفق له الطوقا

جـهـاد الـيـراع لا يـقـلّ حـماسة *** عـن الـخـيل في الهيجا يسابقها سبقا

ومـن قـلـبـك الـفيّاض دُرّ عواطفا *** مـن الـحبّ و الإخلاص للناس ما تلقى

فـلـسـنـا عـداة لـلأنـام على الذي *** يراه ضعاف اللبّ من قصرهم غدقا!!!

ولـكـن حـمـاة لـلـشريعة مذ بدت *** تـحـاط أحـابـيـلا تـروم لها شنقا

و لـو عـلـم الأعـداءُ شـرعة ربّنا *** و أخـلاقـهـا غـيـثا لقلّ العدى خنقا

مـروءة ُإنـسـان وعـطـفُ سـماحةٍ, *** وحِـلـمٌ جـمـيـلٌ زاد عفوا فما أبقى

مـحـضتُ بنيّ النصحَ و الحبّ سائقي *** يـسـوق إلـيـكـم ما ذكرت لكم سوقا

فـهـل قد وعيت القول يا ابن عروبتي *** لـتـرجـمـة الأقـوال فعلا تلا نطقا

فـلـم أتـمـالـك أن أبـوس جـبينه *** و أسـكب من شكري دموعا جرت هرقا

وقـلـت: يـمـين الله هذي عزيمتي *** سـتـبـحـرُ فـي يمّ الذي قلته صدقا

أخـوض غـمـار الفكر و الدين رائدي *** أذود بـه عـمّـن يـكـيـد لـنا فرقا

فـلا تـخـش مـنّي رَدّ نصحٍ, محضته *** إلـيّ فـلـسـتُ بـالـذي لـك قد عقا

تـهـلـل بـالإشـراق وجه \" أميرنا \" *** وضـمّ ضـلـوعـي في حنوّ حلا رفقا

وغـاب إلـى الأرواح فـي عالم الردى *** وأصـبـح حـزنـي لا يـفارقني رتقا

خـذونـي إلـى قـبر\" الأميريِّ \" ساعة *** عـسـاه سـلامي كفكف المقلة الغرقى

فـأدعـو رحـيـمـا كم تضرّع عبده *** (مـع الله) يـرجـو مـن شآبيبه ودقا

و أرفـع فـي كـبـد الـسـماء أناملا *** أسـائـل ربـي أن يـجـود لـه عتقا

مـن الـنـار يـوم الـحـرّ إنّ عذابه *** شـديـدٌ ألـيـمٌ أفـزعَ الـكون والخلقا

و أن يـهـب الـفـنان في الشعر جنة *** إلـى ذروة الفردوس في المنتهى الأرقى


أضف تعليق