الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين.
أما بعد،
فهذه قصيدة كتبها أبو الفضل، أحمد بن الحسين، بديع الزمان الهمذاني (ت 398) في مدح الصحابة، والذب عنهم، يُجيب فيها عن قصيدة رُوِيَت لأبي بكر الخوارزمي في الطعن عليهم.
والقصيدة موجودة ضمن ترجمته في كتاب \"معجم الأدباء\" لياقوت الحموي (1/249) أنقلها هنا لما فيها من النظم المُستَعّذَب في الذَّبِ عن خير الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، ورضي عنهم.
قال البديع:
وكَّلَني بالهمِّ والكآبَة *** طعَّانةٌ لعَّانةٌ سبَّابه
للسلفِ الصالحِ والصحابَه *** أساءَ سمعًا فأساءَ جابه
تأملوا يا كبراءَ الشيعه *** لعشرة الإسلام والشريعه
أَتُستَحَلٌّ هذه الوقيعه *** في بيَعِ الكُفرِ وأهل البيعه
فكيف من صَدَّقَ بالرساله *** وقام للدين بكلِّ آله
وأحرز الله يد العقبى لَه *** ذلكم الصديقُ لا محاله
إمامُ من أجمع في السقيفه *** قطعًا عليه أنه الخليفه
ناهيكَ من آثاره الشريفه *** في ردّه كيدَ بني حنيفه
سل الجبال الشمَّ والبحارا *** وسائل المنبرَ والمنارا
واستعلم الآفاقَ والأقطار *** من أظهر الدينَ بها شعارا
ثم سلِ الفرسَ وبيتَ النارِ *** من الذي فلَّ شبا الكفارِ
هل هذه البيضُ من الآثار *** إلا لثاني المصطفى في الغار
وسائلِ الإسلام من قَوَّاه *** وقال إذ لم تقلِ الأفواهُ
واستنجزَ الوعد فأومى الله *** من قام لما قعدوا إلا هو
ثاني النبيّ في سني الولاده *** ثانيه في الغارةِ بعد العاده
ثانيه في الدعوة والشهاده *** ثانيه في القبرِ بلا وساده
ثانيه في منزلةِ الزعامه *** نبوت أفضت إلى إمامه
أتأملُ الجنةَ يا شتَّامه *** ليست بمأواكَ ولا كرامه
إن امرءًا أثنى عليه المصطفى *** ثُمَّتَ والاه الوصيٌّ المرتضى
واجتمعت على معاليه الورى *** واختاره خليفةً ربٌّ العلى
واتبعته أمةُ الأمّيِّ *** وبايعته راحةُ الوصيِّ
وباسمه استسقى حيا الوسميِّ *** ما ضرَّه هَجوُ الخوارزميِّ
سبحان من لم يُلقِمِ الصخرَ فَمَه *** ولم يُعِدهُ حجرًا ما أحلمه
يا نذلُ يا مأبونُ أفطرتَ فمه *** لشدَّ ما اشتاقت إليك الحُطَمَه
إن أمير المؤمنين المرتضى *** وجعفر الصادق أو موسى الرضى
لو سمعوك بالخنا مُعَرِّضا *** ما ادخروا عنك الحسامَ المنتضى
ويلك لِم تنبحُ يا كلبُ القَمَر *** ما لك يا مأبونُ تغتاب عمر
سيدَ من صام وحجَّ واعتمر *** صَرِّح بإلحادك لا تَمشِ الخَمَر
يا مَن هجا الصديقَ والفاروقا *** كيما يقيمَ عند قومٍ, سوقا
نفخت يا طبلُ علينا بوقا *** فما لكَ اليومَ كذا موهوقا
إنك في الطعن على الشيخين *** والقَدحِ في السيّد ذو النورين
لواهنُ الظهر سَخينُ العين *** معترضٌ للحَينِ بعد الحين
هلا شُغِلتَ بإستك المغلومَه *** وهامةٍ, تحملها مشؤومه
هلا نَهَتكَ الوجنةُ الموشومه *** عن مشتري الخلدِ ببئرِ رومه
كفى من الغيبة أدنى شَمَّه *** من استجاز القدحَ في الأئمه
ولم يعظم أُمناء الأمة *** فلا تلوموه ولومُوا أمه
ما لك يا نذل وللزكيَّه *** عائشةَ الراضيةِ المرضيّه
يا ساقطَ الغيرة والحميَّه *** ألم تكن للمصطفى حظيه
من مبلغٌ عنّي الخوارزميّا *** يخبره أن ابنه عليا
قد اشترينا منه لحما نيا *** بشرطِ أن يفهمنا المعنيا
يا أسدَ الخلوةِ خنزيرَ الملا *** مالك في الحرَّى تقودُ الجملا
يا ذا الذي يثلبني إذا خلا *** وفي الخلا أُطعمه ما في الخلا
وقلت لما احتفل المضمارُ *** واحتفَّتِ الأسماع والأبصار
سوفَ ترى إذا انجلى الغبار *** أفرس تحتيَ أم حمار
تنبيه:
وَرَد في القصيدة أمران وَجَبَ التنبيه عليهما:
الأول: تسميته علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالوصي في قوله \" ثُمَّتَ والاه الوصيٌّ المرتضى\" وقوله \" وبايعته راحةُ الوصيِّ\"، وهذا لا أعلمُ عليه دليلاً.
الثاني: قوله \" وباسمه استسقى حيا الوسميِّ \" وهذا لم أفهمه، ولعله يكون فيه محظور، فالله أعلم.
أسأل الله العظيم أن يَمُنَّ علي بِشَرَفِ حُبِّ الصحابة، والذَّبِ عنهم، وعن منهجهم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد