بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام، بين يديكم المقال الذي وعدتكم به، وهو بعنوان (سلفية الصحوة، وصحوة السلفية)، وسأقسمه إلى قسمين، وأنشر ههنا القسم الأول منه وهو (سلفية الصحوة) وأتحدث فيه عن رأيي في واقع فصائل الصحوة الإسلامية من حيث المنهج والانتماء الفكري، على أن أنشر القسم الثاني (صحوة السلفية) بعد بضعة أيام إن شاء الله، ريثما أتأمل في تعقيبات الأخوة الكرام ونصائحهم واستفساراتهم، راجيا الله تعالى أن يسدد فهمنا ويرشد رأينا ويلهمنا الإصابة في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الجزء الأول: سلفية الصحوة:
بات مستقرا عند كل مدقق في أحوال المسلمين أن هناك يقظة دينية عميقة الجذور تسري في كل شرائح المجتمع، وتنمو وتتعاظم مع مر الأيام والليالي، ولم يعد غريبا بين الناس اليوم مراقبة أحداث متفرقة في كل أنحاء العالم أبطالها أناس يزعمون أنهم جاءوا ليطبقوا شريعة الإسلام، فهذه مجموعة من طلبة العلم الشرعي تقيم دولة في أفغانستان وتعلن تطبيق شريعة الإسلام، وأخرى تعلن جهادها ضد الصلييبين واليهود، وأخرى تقوم بدور غير منكور في نشر العلم وطبع الكتب النافعة وتوزيعها بالمجان، وأخرى تشرف على مشروعات إغاثية واسعة المجال في كثير من أنحاء العالم، وأخرى يتطوع أبناؤها للدفاع عن المستضعفين في كثير من البلاد التي يظلم فيها المسلمون، كما أنه لن تخطيء العين في أي مكان في بلاد المسلمين جمهرة غفيرة من الشباب الغض وقد تسربل بثوب الإيمان والتقوى، وتنسك في وقت مبكر من عمره، وأعلن بين الناس تمسكه بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
كل هذا أصبح ماثلا لكل ذي بصر وبصيرة، ولقد بات واضحا لكل ذي عين أن دول الغرب قد اتفقت على وصف ظاهرة الأصولية الإسلامية بأنها أخطر الظواهر التي تهدد نسيج المجتمع الغربي، ولا يمكن أن نهمل هذا التوصيف الذي بناه القوم على دراسات استراتيجية، كما أنه ليس لهم مصلحة في تضخيم ظاهرة سرابية، أو وصف واقع غير موجود، كيف هذا ومصدر تلك التوصيفات جهات عسكرية واستخباراتية وهيئات معلوماتية تراقب وتحلل، والمنكر لهذه الظاهرة أو المهون لها إما حقود أو جهول أو أعمى أو متعام، وكل هؤلاء لا كلام للعقلاء معهم.
ولكن كلامنا مع من يتساءل من العقلاء عن حقيقة الشيء الذي حفز كل تلك الجموع لنهج طريق يشترك في شيء واحد وهو نصرة الدين؟؟؟ وما هو السر في كون هيئتهم جميعا (تقريبا) مشتركة، بل ومصطلحاتهم متقاربة، وأمانيهم وأهدافهم في إعزاز الدين لا تكاد تختلف في أي مكان وجدوا في هذا العالم المترامي الأطراف.
تأمل معي أيها القارئ هذا الطيف من الجماعات الإسلامية المختلفة، وهذه النوعيات المتباينة من المناهج الدعوية والمصنفات العلمية، إن الناظر لأول وهلة يظن أنه أمام علامة من علامات الساعة، إذ يرى فرقة واختلافا على نحو ما أخبر البني صلى الله عليه وسلم، ويرى معارك ضارية تدور رحاها بين تلك المناهج وتلك الجماعات، وقد يذهب التشاؤم بالبعض للجزم بأن النصر لا يمكن أن يأتي على يد تلك الجماعات الإسلامية، بل إننا نرى قطاعا عريضا من الغيورين على الدين قد نفض يده تماماً من جهود الجماعات العاملة في الساحة لما رأى من تخبطها وتناحرها وبعد بعضها عن الكتاب والسنة.
أما كاتب هذه السطور فعلى العكس من كل هذه النظرات التشاؤمية، بل إنه يذهب إلى أبعد من هذا كله، ويقول: إن ما نراه من الواقع الأليم إن هو إلا نوع من إرهاصات النصر التي تسبق مجيء الحدث الجلل، والذي عليه يبنى المستقبل الزاهر.
نعم، أيها الأخوة.... إن صحوتنا الإسلامية الراشدة ما زالت إسلامية، وكثير من قطاعاتها بلغ سن الرشد، والبعض في طور البلوغ، والبعض قد بلغ أشده وبلغ من الوعي والنضج ما يكفي الصحوة كلها.
لا، ليست إسلامية فحسب، بل هي صحوة سلفية الجذور، سنية الأصول والملامح، ترتد في مرجعيتها إلى القرون الخيرية الأولى، وتستلهم جذوة حيويتها من الحركات الإصلاحية السلفية الكبرى مثل حركة ابن تيمية وابن عبد الوهاب وغيرهما.
هل هذه مجرد دعوى أو أنها دراسة عميقة لواقع معقد؟ إنني بكل إطمئنان أقرر أيها الأخوة أن صحوتنا بكل انتماءاتها وفصائلها سلفية الجذور، سنية الملامح، وإليكم البيان والتفصيل.
يمكننا أن نقسم أنشطة الصحوة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام:
الأول: النشاط الفردي الخاص (ويتضمن العبادات والمعاملات والأخلاق... ).
الثاني: النشاط الجماعي العام (ويتضمن الجهد الجماعي الذي تبذله كل الفصائل الإسلامية من جهاد عسكري أو سياسي أو دعوي أو... ).
الثالث: النشاط الفكري الذي يتمخض عنه أدبيات علمية مختلفة تعالج الشأن العقدي والمنهجي لفصائل الصحوة الإسلامية إجمالا وتفصيلاً.
إننا لو أخذنا التعريف العام للسلفية وهو العمل بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، فإننا سنجد أن كل تلك الأنشطة تدور في فلك هذه الجملة أو القاعدة.
فليس في فصائل الصحوة من يقول بأصول أهل البدع الكبرى كالجهمية وغلاة القدرية والجبرية والمعتزلة بل ولا حتى الأصول الجامعة للأشاعرة (ليس هناك من فصائل الصحوة من يعتقدها، وإن كان منهم من ينحاز لبعض فروع معتقدهم)، وليس من فصائل الصحوة من يذهب إلى أصول بدع الخوارج والرافضة أو الإسماعيلية.
إن الالتزام العام بمعتقد السلف (ولا أقول معتقد أهل السنة فقد انتحل هذه التسمية جمهور الأشاعرة فوجب التمايز) سمة نلحظها بحمد الله في كل فصائل الصحوة الإسلامية التي تمثل اليقظة الإسلامية الحقيقة التي عمت أرجاء الدنيا.
وليس في فصائل الصحوة من ينكر السنة أو يحيدها عن التشريع، كما أنه ليس في فصائل الصحوة من يتنكر للتراث الضخم (الفقهي والأدبي والدعوي والأخلاقي) للقرون الثلاثة الخيرية، التي يحن إليها قلب كل تقي، ويواليها فؤاد كل مؤمن نقي.
إن العبادات التي تؤديها كل فصائل الصحوة تراعى فيها الموافقة للكتاب والسنة، والكثير من الفصائل المختلفة تستفيد من مؤلفات أئمة السلفية في العصر الحاضر كالشيخ الألباني والشيخ ابن باز في شرحهم لكيفيات العبادات، وليس الآن من فصائل الصحوة من يصلي أو يصوم تبعا لمذهب بعينه بغض النظر عن الأدلة الشرعية المعتبرة.
وفي المعاملات كالأنكحة والتجارات والاقتصاد بوجه عام فإن الصحوة تتجه بثقل كامل نحو استلهام روح الفقه الإسلامي الذي تركه لنا السلف الصالح من العلماء والأئمة المعتبرين، وها أنت ترى كل المؤلفات التي تؤلف في الزواج والاقتصاد تظهر عليها سيما التقيد بالكتاب والسنة، حتى في دقائق الأمور.
أما في مجال الأخلاق فيمكنك أن تطالع كل أدبيات الصحوة بلا استثناء، فإنك ستجد كثافة الاستدلال بسيرة السلف الصالح، حتى من اشتط منهم قليلا واتخذ من بعض المؤلفات المغموزة منهاجا ودستورا فإنك ستجد أن ما شده إليها إنما هو اشتمالها على آثار السلف وطريقتهم في السلوك كالإحياء للغزالي.
أما النشاط الجماعي العام فهو أشهر من أن أدلل له على سلفية الصحوة، فالجهاد العسكري الذي تبذله فصائل الصحوة في مناطق متفرقة من العالم تعلن ولاءها الكامل للسلف الصالح ومنهج خير القرون، وتبث معتقدها الصحيح في أدبياتها ونشراتها بصورة لا تخطئها عين، والنشاط السياسي الذي تمارسه كل فصائل الصحوة يتقيد في مجمل خطواته بالمنهج السني الواضح، وإن حصلت بعض التجاوزات، إلا أي تصرف سياسي تقوم به بعض الفصائل فهو مبني في الغالب على اجتهاد فقهي واسع وفتاوى ودراسات مستفيضة عن الموقف الواجب اتخاذه، وغالب ما حصل الذم فيه لتلك الفصائل فهو محل نظر واسع ومسرح اجتهاد كبير، وقليل منه هو الذي لا مبرر له.
أما النشاط الدعوي السلمي فبحمد الله قد ترسخ عند كل شباب الصحوة الممارسين للنشاط الدعوي مصداقية كبيرة للمنهج السلفي، وباتت كل فصائل الصحوة تستعلن بولائها لهذا الجيل الرشيد أعني جيل السلف، وصارت كل النشرات والمؤلفات والخطب والرسائل تستقي مادتها من سيرة السلف وعلمهم وعقائدهم، هذا أمر مشهور ومعروف لكل متابع.
أما النشاط الفكري الذي يتمثل في العروض المنهجية لفصائل الصحوة فهي وإن كان كل منها ينادي على منهجه وطريقته إلا أن روح تلك المناهج صار يصب في مصلحة الدين العليا، ويستمد الأدلة من الكتاب والسنة، ويعتبر وجود دليل من فعل السلف ظفرا مبينا ونصا قاطعا في قضيته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إجلال الصحوة للآثار السلفية والطريقة السنية، ويمكنك أن تستقريء خمسة كتب من أدبيات كل جماعة وتوازن ما بينها وبين كتب الفكر العامة، فإنك ستجد فيها الحس الإسلامي، وأريج السلفية العبق يتضوع شذاه مستعلنا بانتمائه، وموضحا عراقة أصله ومحتده.
هل أنا حالم أو غارق في الأماني؟ لا أيها الأخوة، لقد ناقشت وجادلت الكثير من المنتمين للجماعات العاملة في الساحة، وكان من ناقشتهم على المستويات العليا لا السفلى، وقرأت الكثير من أدبيات الجماعات الإسلامية، وكان هذا الحكم وليد نظر واسع وتأمل عميق لنفسيات العاملين في الساحة من الدعاة من كل شاكلة، لقد بدا لي بوجه قاطع أن التشنج الذي نراه عند البعض مرده إلى سوء فهم منه للمنهج، وأن الأصول العامة لأهل السنة، لا يكاد يحصل فيها خلاف.
وأعظم دليل على دعواي هذه أنك ستجد أن كل قادة فصائل الصحوة وعلماءها من كل الجماعات يعلنون أن عقيدتهم هي عقيدة السلف، ومن يتردد يقول: إن الراجح عقيدة السلف، لا أستثني إلا بعض القادة الذين لا وجود حقيقي لهم في الساحة، فالمتنفذون بفتاواهم والقائدون حقيقة لمسيرة الصحوة كلم بفضل الله على العقيدة السلفية في الجملة وفي كثير من التفاصيل، لا تجد منهم أشعريا أو جهميا أو معتزليا أو خارجيا ولا رافضيا، وهذا بفضل الله تعالى وتوفيقه ومعونته.
وبعد.... فإن هذا الاستنتاج الذي أطرحه هنا ليس لأجل تطييب الخواطر، وليس لأجل تهدئة النفوس، بل هو (في نظري) تقدير وحكم على الواقع بمقتضى الحوادث الحقيقية والأدلة المادية، وأنا أتناول روح هذا الواقع وروح حوادثه، ولا ألتفت إلى الوقائع الجزئية منفصلة عن أخواتها، ولا أتشبث بالسقطة والزلة متجاهلا الأعم الأغلب من التصرفات، بل أقيس وأسبر الجماء الغفير من تلك الوقائع والتصرفات، وما شذ منها أبحث عن سببه، فإن كان له سبب وجيه صرفت النظر عن اعتبار شذوذه، وإن لم يكن له سبب وجيه جعلت هذا الشاذ محكوما لا حاكما، حتى يكثر الشذوذ، وبحمد الله لم أجد هذا في أي من فصائل الصحوة.
قد تبدو لك أيها القارئ بعض النقاط مغلقة، غير مفهومة، وبعض الاستنتاجات عليها علامات استفهام، وهذا لا بد أن يحدث فإن الواقع معقد فعلا كما أسلفت، وكثرة الخلافات بين آحاد شباب الصحوة هو الذي سبب هذا التعقيد، كما أن غياب التواصل بين قادة الصحوة هو الذي يعقد الأمور أكثر وأكثر.
ولكن كن على يقين أن هذه النتيجة لدي البينات عليها، ولدي من أدلة الشرع والواقع ما يقيمها على ساق قوية، وإن خالف فيها بعض أهل العلم، واعترض عليها بعض قادة الفصائل، إلا أنني أعمل بقاعدة ذهبية وضعها لنا المحدثون وطبقها المؤرخون في نظرتهم لحوادث التاريخ، وهي أن ننظر نظرة ناقد لخلاف الأقران، ومعارك المعاصرين، وألا نبادر إلى ذم طرف على حساب طرق حتى نفهم حجج الطرفين ونسمع حجاج كل واحد منهما عن رأيه وفكره.
هذا ولا أحتاج أن أؤكد أن المقصود بالصحوة الإسلامية السلفية عندي من لم يتلبس ببدعة عقدية أصيلة، كالخوارج (الذين يكفرون المسلمين بالكبائر) أو الرافضة أو المعتزلة المعطلة، وكذلك من لم يتلبس بغالب البدع العملية التي يفعلها الطرقية والصوفية، فمن هذا شأنه غير محسوب عندي من فصائل الصحوة أو جماعاتها أو آحادها، فاسم الصحوة لا يصدق إلا على من استلهم أصول الإسلام في يقظته وقومته لإعادة العزة والنصر للأمة المنكوبة.
وفي نفس السياق أوكد أيضا أن هذه النتيجة ليس معناها أن كل فصائل الصحوة على المنهج السلفي الكامل، وأنها تطبق السنة بحذافيرها، فالتقصير وارد وحاصل دون ريب، وإذا كان في القرون الثلاثة الخيرية من تلبس بالبدع الكبرى ومع هذا فلم يقدح وجودهم في خيرية تلك القرون، والقصور في أصول مناهج بعض الفصائل لا يمكن أن يستريب فيه عاقل، ولكن هذا القصور لا يقدح في روح الصحوة التي تنتمي إليها كل تلك الفصائل أكرر (روح الصحوة)، كشأن مدرسة تفوق تلامذتها ونجح معظمهم، وحصل البعض على الدرجات المتوسطة والبعض القليل قد رسب، فإنه لا يجوز أن نطلق حكما جائرا ونقول: إن المدرس ليس فيها متفوقون أو أن المتفوقين فيها قليل، هذا جور في الأحكام نريد أن ننزه طرحنا عنه حتى تكون النتيجة عادلة على قدر النظرة العادلة والكلام عن السلفية الكاملة وكيفية بلوغها هو محل حديثنا في المقال القادم إن شاء الله، وأرجو من كل من كان لديه استفهام أو شك في شيء من استنتاجاتي أن يبادر إلى الاستفسار، فقد يكون الحق معه، ولا أزعم العصمة فيما أتيت به، بل هو نتاج بحث وفكري وقدح زناد عقلي، والمعصوم من عصمه الله تعالى. وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه مرضاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجزء الثاني: صحوة السلفية
هل نحتاج أن نكون صادقين أيها الأخوة ونحن نتحاور ونتناقش في الشئون العامة لأمتنا؟ بالطبع، فبدون الصدق لن تكون هناك مصارحة ومن ثَمَّ لن تكون مناصحة.
وهل نكون من المخادعين أنفسنا لو قلنا إن شباب الصحوة كلهم يفهمون معنى السلفية فهما صحيحا؟ نعم، نحن نخدع أنفسنا بهذا الظن، في حين أننا نخدع أنفسنا أكثر حين يظن كل واحد منا أن سلفيته هي السلفية الحقة، وأن انتماءه المنهجي هو النسب الصحيح الصريح الوحيد من دون كل انتماءات الناس.
وليس مرد الفهم السقيم للسلفية عند بعض شباب الصحوة إلى غموض معنى السلفية، وإلى تعدد التعريفات التي يقرأونها في أدبيات المنهج، ولا إلى تنوع النشاط السلفي في الساحة الدعوية، بل مرد ذلك كله إلى أمر نحن نعرفه، وننادي به ونحذر من مخالفته، مرد ذلك إلى المعايير التي نحاكم بها المناهج الأخرى، مرد ذلك إلى عدم اعتبار المعايير الصحيحة في الحكم على القضايا والمسائل، أي عدم اعتبار معايير السلف في فهم معنى السلفية!
إن أهل السنة والجماعة بكل انتماءات فصائلها مجمعة على وجوب التحاكم إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، ويضعون قيد: فهم السلف للتمايز عمن يعتبر فهم السلف لا ميزة فيه أو لا فضيلة شرعية ترفعه على غيره من الأفهام.
إن قيد (فهم السلف) مقصود به معايير السلف في فهم النصوص، ومن ثم كيفية إنزالهم أحكام الشرع على واقعهم سواء كان في إطار معتقدات أو عبادات أو معاملات أو سياسية شرعية أو أخلاق أو غير ذلك من مناحي الحياة بل في إطار النظرة للحياة نفسها.
ليس المقصود بفهم السلف هو ما ورد من أفراد فتاواهم وآحاد آرائهم في تفسير أي نص شرعي من كتاب أو سنة، أو اجتهاد مستنبط منهما.
بل ما عرف بالاستقراء والتتبع أنه طريقة مسلوكة ومنهج متبع وقاعدة مطردة أو شبه مطردة، ومثل هذا نحصل عليه بالتنصيص من أهل الاستقراء المعروفين بالتتبع لآثار السلف وتاريخهم، ومثل أولئك بين علماء الأمة كثير، والعجيب أن الخلف ممن لم يرفعوا بآثار السلف رأسا ولم ينتفعوا بعلومهم أصلا تجدهم يتناقلون روايات السلف بمنتهى الأمانة والدقة، حتى إنني أكاد أجزم أن آثار السلف التي نستطيع أن نكون بها صورة عن فهمهم للنصوص ومنهجهم في الحياة لم يلحقها أي تحريف أو تبديل، بل هي معروضة كغيرها من النصوص على أصول النقد التي وضعها السلف أنفسهم رضوان الله عليهم.
ولنضرب مثالا حتى يتضح المقال: قد علمنا من سيرة السلف رضوان الله عليهم اجتهادهم في العبادة، وقد تواتر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم شغفه بالتهجد ومناجاة ربه الكريم، وقد سمعنا عن أحد الدعاة يصف اجتهاد أحد أئمة المساجد في تطويل القراءة في صلاة التهجد أنه غلو ومجافاة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
إن ذلك الداعية قد سبر سنة النبي صلى الله عليه وسلم فاستخلص منها أثرا واحدا يأمر بالتخفيف، ولكنه لم نسي أن يعتبر الأوصاف الأخرى التي تحتف بالأمر بالتخفيف وهي عندما تكون صلاة فرض (لأن الناس كلهم مأمورون بإقامتها جماعة)، وعندما يكون المسجد جامعا يؤمه كل الناس، فيكون فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة (كما ورد في الحديث).
أما إذا كانت الصلاة نفلا (صلاة التراويح أو التهجد) وكان المسجد يؤمه أنا يرضون بالتطويل، أو أن هناك مساجد تخفف ومساجد تطول، فهذا مما لا يتعارض مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بحال، ولا يعد فاعل التطويل مخالفا لهديه صلى الله عليه وسلم، بل هو على التحقيق مطبقٌ لسنة مندثرة، محيٍ, لفعل تحاشاه الناس مع طول الزمان.
ومن الأمثلة أيضا أننا نرى بعض السلفيين يجعل من مخالفة أحد الدعاة لمسألة من مسائل فروع المعتقد سببا كافيا في إقصائه عن السلفية ونبذه عن حوزتها، ولا أتحدث هنا عمن له الحق في إثبات السلفية الحقة لأحد من الناس، ولكنني أتحدث عن المعايير التي نطبقها للحكم على الناس بالسلفية من عدمها، وقد شهدت بنفسي أحد الدعاة يصفني بأنني لست من أهل السنة لأنني لا أقول بوجوب قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية، محتجا بنص عن الإمام الصابوني (المحدث الشهير) في عد تلك المسألة من المسائل التي يعتقدها أهل السنة.
ونحن نعلم أن المحدثين أو بعض أهل السنة قد يورد بعض المسائل الفروعية ويدرجها في سياق مسائل المعتقد لأن المخالف من أهل البدعة لا يقول بها، وليس معنى إيرادها أن المخالف لهذه المسألة الفروعية بمجردها من أهل البدعة، ومثاله ذلك أيضا إيراد الإمام الطحاوي لمسألة المسح على الخفين في مسائل المعتقد، مع علمنا أن المخالف فيها من الشيعة يردها إنكارا للأحاديث المتواترة عن الصحابة من أهل السنة، ولكن لو افترضنا أن أحدا من أهل السنة أنكر المسح على الخفين متأولا نسخ القرآن لكل ما ورد من الآثار (كما فعل بعض الصحابة في مسألة المسح على الخف نفسها) فلا يمكن أن نعتبره بذلك مبتدعا لمجرد أنه خالف في مسألة فروعية أوردها مصنف في سياق مسائل المعتقد.
وقد رأينا بعض طلبة العلم يتجرأون على تبديع أحد العلماء ووصفه بأقذع الأوصاف لمجرد أنه يقول بشرعية التبرك بغير آثار النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كون هذا القول ساقط من حيث النقل والعقل إلا أنه لا يمكن أن يكون قائله (بمجرده) مبتدعا مصنفا في دائرة من يحذر من كلامه وعلمه!!! ومرد ذلك إلى أن المسألة انبنت عنده على أدلة شرعية وقال بها زمرة من أهل القرون الثلاثة، وشذوذات العلماء لا تحصى كثرة، ولكن لا يمكن أن تكون سببا في الإقصاء عن دائرة أهل السنة والجماعة.
وفي تحليلي أن أهم الأسس التي يجب تحريرها في معايير السلف هو: تأصيل مبدأ الخلاف السائغ وغير السائغ، أو المعتبر وغير المعتبر، ونفس هذا المبدأ قد نجد فيه بعض الاختلاف، فمن المعروف أن الاجتهادات نادرا ما تتفق، والجهل بالإجماع غالبا ما يكون سببا رئيسا في حدوث الخلاف والشذوذ.
ولا يجوز أن نتهرب من واقع أن تأصيل مثل هذه المسائل لم يلق اهتماما كافيا من منظري منهج السلف، فصار التهارج بين المنتسبين للمنهج سمة لا تخطئها عين ناقد، وحتى إذا ما أتيحت الفرصة للتحاور بين المختلفين نجد أن معايير الحكم غير منضبطة بل حتى أصول الحوار النظيف والجدال بالتي هي أحسن.
ونحن لا نتحدث عن الخلاف بين أهل السنة وأهل البدع الأصيلة كالجهمية والقدرية والمرجئة الغلاة والرافضة، بل نتحدث عن خلاف بين أهل السنة في مسألة واحدة من مسائل المعتقد أو من فروع مسائله.
إن هذه الحالة التي تحياها صحوتنا لا يعني أننا عاجزون عن تدارك الأمر وإصلاحه، وإنما قصدت من الوصف السابق بيان وجه الخلل وسببه.
لقد كانت هذه المقدمة ضرورية قبل أن نشرع في بيان أصل موضوعنا (صحوة السلفية)، فإن من اختلت لديه المعايير، أو انعدمت، أو حرفت، يصبح كل موضوع مطروح أمامه خاضعا للذوق الخاص، أو لمعايير تلقاها من أهل العلم وزينها بنتف من صميم آرائه الشخصية وعرضها في حلة واحدة ظانا أن هذا المجموع هو المعيار الصحيح والميزان الصائب.
إن صحوتنا الإسلامية المباركة نعمت منذ نشأتها – بحمد الله – بمنهاج نقي طاهر، هو مرجعية الكتاب والسنة، وكلما تسابق خطو هذه الصحوة ازداد نقاء هذا المنهاج، وتأصلت أسس تلك المرجعية.
وفي مقالنا السابق (سلفية الصحوة) أثبتنا أن روح الصحوة يجنح إلى منهج السلف الصالح في في الاعتداد بأدلة القرآن والسنة وفهمهما على مقتضى أصولهم، وكيف أن رجالات الصحوة – حتى من عرف عنهم بعض الانحراف في المنهج – يعتبرون تحري سيرة السلف وأنموذجهم الطهور مرتكزا أساسيا لأية انطلاقة حضارية.
ونؤكد هنا ما سبق أن أثبتناه أن الخلل موجود، والقصور واضح، والنقص وارد، وهذا شأن أي نشاط إنساني، ونحن نعتصم بعون الله ومدده وفضله، ولا ندعي العصمة في أقوالنا وأفعالنا ما لم يتحقق فيها إجماع معتبر عن سلفنا الصالح فإنه نعتبر مثل هذا الإجماع الأكيد قولا معصوما يجب الانصياع له كأي نص شرعي من كتاب أو سنة.
وما نود أن نؤسسه هنا أن صحوتنا تحتاج إلى نهضة فكرية شاملة وقومة منهجية واسعة تضع الأمور في نصابها، وتقيم المسالك بعد اعوجاجها.
إن بذور الإصلاح موجودة في صحوتنا، بل جذور القوة متأصلة في حنايا المنهج، وساق المنهج نفسه سامقة عالية، بيد أنها غير يانعة تحتاج إن تورق وتزهر.
وما هو إلا ماء العلم ورواء الكفر والتعقل نسقيه بذور صحوتنا وجذورها وساقها حتى نرى ننظر إلى ثمره وينعه.
إن سلفيتنا العتيدة متأصلة بحقائق المعتقد الواضحة، لا يمكن أن تنحرف عن الجادة، ولكنها تحتاج إلى معالجة وإعادة نشر، فالعقول غير العقول، والأفهام غير الأفهام، والنفوس غير النفوس، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحدث الناس بما يعرفون، وليس معنى الحديث ألا نحدثهم بالشرع الذي لا يعرفونه، بل نحدثهم بالشرع على طريقة يستطيعون فهمه وتدبره.
إنني بعد سبر واستقصاء لحال السلفية في عصرنا أستطيع أن أن أستبشر خيرا بوجود نهضة فكرية تحاول إحياء منهج السلف لا في أبواب المعتقد فحسب، بل في منهجهم في الحياة كلها.
وقد تصدى الكثير من أرباب الدعوة والفكر لمعالجة أصول المنهج بطريقة تقرب معانيها للشبيبة، وبحيث يكون المنهج واقعيا ومتناولا، لا مجرد نقول ونصوص وآثار.
ويمكنني أن أبسط اتجاهات صحوة المنهج السلفي في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
الأول: اتجاه المعتقد.
الثاني: اتجاه المدنية والحضارة.
الثالث: اتجاه السلوك والأخلاق.
الاتجاه الأول: اتجاه المعتقد
أما من ناحية المعتقد فهذا مما لا يختلف فيه أحد في هذا العصر أن السلفيين هم حملة راية العقيدة، والمنافحين عنها والمدافعين عن ساحتها وفنائها ضد كل مبتدع وضال.
وصار دعاة التكامل يسلمون بأحقية التيار السلفي في التصدر لهذه المهمة باعتباره المتأصل فيها منذ القدم، وباعتبار أن منهجه العقدي يعتبر أنقى المناهج عن البدعة، مما يعد ممثلا حقيقيا لعقيدة القرآن والسنة التي هي عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع هذا الواقع المبشر فإن صحوتنا ما زالت تحتاج إلى توسع أكبر في ناحيتين من نواحي المعتقد:
الناحية الأولى: قضايا المعتقد. فمن تيارات السلفيين من يظنون أن الضلال الذي نشأ في الأمة منحصر في عباد القبور، وهو الشرك الطارئ الذي حدث في الأمة بعد سلامة إيمان، ونسي هؤلاء أن هناك شرك حقيقي موجود في العالم هو الشرك الوثني، أي عبادة الأوثان والأصنام، ومخطئ من يظن أن هؤلاء لا مسئولية علينا تجاههم، كما أن هناك شركيات أخرى مجازية لكنها تدخل في معنى الشرك الذي نهى الله عنه، وهو شرك المحبة (حب المال والزوج والجاه والوظيفة.. )، وشرك الحاكمية الذي عم بلاؤه وطم، وشرك الاستنصار الذي وقعت فيه كل البلاد وكثير من العباد.
وبعض هذا الشرك أعظم من بعض، ولسنا بصدد بيان درجات ومراتب الشرك المذكور سواء المخرج منه من الملة أو غير المخرج، ولكننا بصدد إيضاح أنواعه (مع الإقرار بتفاوت مراتبه) لنلفت انتباه إخواننا السلفيين وشباب الصحوة على وجه الخصوص أن سلفيتنا لن تكمل إلا بإحاطة وشمولية في تناول كل قضايا المعتقد.
بل إن هناك أنواع من الكفر لا تقل خطورة عما مضى، وهو كفر العلمانية الفاجر الذي أطل برأسه في هيئة إسلامية وصورة دينية، مسوغا تبديل كل أحكام الشرع بزعم تطور الدين بتطور المجتمعات، حتى صرنا نرى العلمانيين يتكلمون الآن بلغة دينية وكلمات اصطلاحية شرعية يدكون معاقل الشريعة بسيفها، ويهدمون صروح الإسلام بمقامع إسلامية!!!
والعجيب أن بعض فصائل التيار السلفي تستسيغ أن تتهارج مع بعض الفصائل السلفية الأخرى في قضايا هي معدودة من فروع المعتقد، ولكنها تستسيغ أيضا الصمت المطبق تجاه كفر علماني عتيد يضرب بأطنابه في ربوع العالم الإسلامي.
ومن طرائف ما حدث أن أحد الباحثين ألف كتابا في قرب ظهور المهدي، فتتابع كثير من أهل العلم على الرد عليه في مؤلفات متنوعة، وكان في الجامعة علماني صفيق يقنن لشبيبة الإسلام أصول حكم إسلامي جديد لا يرجع إلى الكتاب والسنة، فلم نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزا.
ولو كان ألف بعض علماء الصحوة في بدعية السبحة فحريا به أن يؤلف في بدعية مناهج الحكم التي لا ترتكز إلى طريقة السلف في السياسة الشرعية، ونحن لا نمنع من التأليف في بدعية السبحة، ولكن نقول إن الشمولية سمة يجب أن تعتادها صحوتنا حتى ترقى إلى السلفية الحقة التي كان عليها سلف الأمة الصالح.
الناحية الثانية: تصنيف قضايا المعتقد. فالمتأمل في حال الصحوة يرى استقطابا حادا لبعض المسائل العقدية، ونزوعا من الجمهرة على تناولها في شتى الساحات، وإيغال وتعمق في البحث والاستدلال لهذه المسألة أو تلك، بدون أن يكون هناك اجتماع وتفاهم على قيمة هذه المسألة وأهميتها ووزنها في قضايا العقيدة.
ولهذا نرى كثيرا من الوقت ينفق لأجل مناقشة قضايا هي من الخلاف السائغ بين سلف الأمة ولا يمكن أن نحسم فيها الخلاف بعدهم بألف عام وقد عجزوا هم أن يحسموه.
والرؤية المنصفة القائمة على ميزان شرعي دقيق في حساب أهمية القضايا المختلف فيها هي أكبر غنيمة يجتنيها الشاب المنتمي لهذه الصحوة المباركة وما أحرانا أن نوجد في منهجنا أصولا مرعية نوازن بها بين المسائل، ونحكم بها على الأولويات وما يجب أن يؤخر وما يجب أن يقدم.
الاتجاه الثاني: المدنية والحضارة
لن تخطئ عينك حينما تتعرف على إخوانك في تجمعات كبيرة مثل اعتكافات المساجد ومعسكرات الطلبة وغيرها أن الصحوة قد وصلت إلى كل شرائح المجتمع، ولم يبق في مجتمع الناس ثغرة إلا اقتحمتها الصحوة بفضل الله تعالى.
فلذلك نستطيع أن نطمئن إلى حقيقة التنوع العلمي والثقافي لصحوتنا المباركة، وأنها ليس صحوة النخبة، وليس دعوة الأقليات، لأن علامة الانتشار والقبول للفكرة أن تجدها واضحة في ذهن كل طبقات المجتمع، وهذا متحقق بالدرجة المطلوبة في المنهج السلفي.
وقد أضحى كوادر الدعوة على قدر المسئولية في حمل أمانة الدين، وصارت كل أساليب الدعاية التقليدية منها والمتطور مسخر بحمد الله في خدمة الدعوة، وهذه علامة ظاهرة وبينة واضحة على أن السلفية لم تقبع في كهوف التاريخ تتفرج على قوى الكفر مستعلنة بفجورها، بل زاحمت القوم في تقنيتهم، وتعاقبت الصفوف على البذل لهذا الدين بكل وسيلة متاحة من مال أو جهد أو طاقة أو تقنية أو وسيلة مبتكرة، حتى إننا صرنا نرى عبقرية ضافية من النساء في الدعوة إلى الله تعالى على منهج السلف، ومشاركة فاعلة من الشباب الصغير في نصرة الدين في كل المجالات، بحيث نستطيع أن نطمئن إلى المعاصرة التي تحتاجها أية دعوة عالمية تقتحم مجتمعات جديدة وتكتلات حديثة.
وأصبح الكثير من فصائل التيار السلفي يدرك أن العمل الدعوي شأنه شأن أي عمل دنيوي، إذا لم نوفر له الجهد المطلوب لننافس به المنافسين فإن مصير الدعوة سيكون الفشل الأكيد، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والصحوة التي تحتاجها سلفيتنا في هذا الاتجاه: المزيد من التطور والتطوير، والمزيد من البحث والتأمل في الواقع.
بل إن الصحوة يجب أن تطور نفسها في مجالات القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فثمة تحالفات مع الأقوياء في الاقتصاد والسياسة والجيش لا تعود بالضرر على الصحوة فما أحرانا أن نتواصل مع تلك القوى، وأن ننميها ونطور ولاءها للإسلام، ومع مر السنين (الطويلة) سنجد بين ظهرانينا كفاءات اقتصادية وسياسية وعسكرية تكون هي المفتاح للنهضة الشاملة التي نرتجيها.
إن الصحوة ليست مجرد حركة دعوية في مسجد، أو نفرة جهادية في بلد، أو انقلاب سياسي في ناحية، أو مصاولات تجارية في سوق، بل الصحوة نهضة شاملة تستدعي كل قوة نملكها لتقف صفا صفا، تنادي على كل نفس متحفزة لخدمة هذا الدين أن جاء وقت البذل فشمري للتضحية والفداء.
وكوادر الصحوة.. شبابها.. وقودها الهادر.. تيارها الدافق هم الذي يأخذون هذا الدين كلا لا يتجزأ، وشمولا لا يتفرق، هم الذي يستشعرون النظام في حركتهم وحركة إخوانهم، التوافق بينهم وبين أترابهم في العمل النهضوي الإسلامي، يجدون تلاءما بين الجميع في العمل لهذا الدين، فالكل قد شمر لخدمة هذا الدين، والكل يبذل ويضحي.
إن بدرت بادرة خلاف تداركوها بالتراحم والتحاور، وإن ظهر بينهم مفرق صف أنكروه عليه وعنفوه، وإن سعى بينهم ساع بالنميمة زجروه ومنعوه.
إن أخطأ مخطئهم نصحوه وعلموه ولم يشنعوا عليه أو يفضحوه، وإن اعتذر قبلوا منه وكافئوه وسامحوه، وإن عاند وكابر تركوه وأهملوه.
كلهم يد واحدة على من سواهم، يتعاونون في المتفق عليه، ويتعاذرون في المختلف فيه، ويجدون المسلك السني الرشيد في الإنكار والإعذار، حاديهم حماية الدين من التحريف، وحماية وحدة المسلمين من التجريف، فلله درهم من طائفة خير وبركة.
هؤلاء هم الذي تعلق عليهم الآمال في بعث أمة الرسالة والنهضة والتقدم، وهؤلاء هم خلاصة الأمة التي عقد ت الأمة آمالها عليهم، وعرفت لهم آلامهم في سبيل الدين.. فلله درهم وعلى الله نصرهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد