بسم الله الرحمن الرحيم
تتسارع المتغيرات في هذا العصر بصورة غير مسبوقة، وتترك أثرها في حياة الناس وسلوكهم، وفي قيم الأفراد والمجتمعات، وفي طريقة تفكير الناس ورؤيتهم للأمور.
وكثير مما كان مؤثراً فيما مضى أصبح اليوم هامشياً محدود التأثير، وما لم يكن في الحسبان أصبح اليوم يشكل تفكير الناس ويصنع مواقفهم.
ويصبح الدعاة إلى الله - تعالى - أمام هذا الواقع بين تغيٌّرين:
الأول: أن يجرفهم الواقع، ويستجيبوا لضغطه فيصيبهم التغير في سلوكهم، أو يتنازلوا عن بعض الحق الذي كانوا ينادون به، وقد رأينا طائفة من ذلك في حياة كثير من الصالحين، كاستمراء كثير من المنكرات، والجرأة على كثير مما كان يُتورع عنه أو يُتأثم منه، بل شهدنا كثيراً من حالات التساقط والتراجع.
والثاني: مراجعة الأهداف الدعوية، والخطاب الدعوي، والأساليب الدعوية، والتفاعل مع متغيرات العصر في ذلك.
إننا بحاجة إلى دعوة إلى الثبات وتركيز عليه، وإلى اعتناء بالتربية الإيمانية الجادة، فنحن أحوج إليهاº خاصة مع كثرة فتن الشهوات والشبهات، وبحاجة إلى انتقاد مظاهر التميع والتساهل في الدين، والتراجع في المواقف، والتحذير من هذه الظواهر.
وفي المقابل نحن بحاجة ماسة إلى تقويم واقعنا الدعوي، وإلى السعي إلى مراجعة الخطاب الدعوي والنهوض به، وتجاوز الأطر التقليدية.
فنحن أمام اتجاهين: اتجاه بحاجة إلى أن يُدفع ويُتفاعل معه، واتجاه بحاجة إلى أن يُحجَّم ويُحَدَّ منه.
وفي مثل هذه المواقف يصعب التوازن، وتترك العوامل الشخصية والنشأة التربوية أثرها في الناس، فمنهم من يسير في طريق التراجع مسوِّغاً كل ما يفعله بالتفاعل مع متغيرات العصر، ومنهم من يحجم ويفوت الفرص مسوِّغاً ما يفعله بالثبات في زمن المحن.
إن الاتفاق على نقطة واحدة يلتقي عندها الجميع مطلب مستحيل، ولو ساغ في أي عصر لامتنع في عصرنا، لكننا بحاجة إلى الاعتناء بأطر وقواعد عامة مشتركة يُسعى إلى تحقيق الاجتماع عليها، وتبقى بعد ذلك مساحة للاجتهاد والفروق الشخصية.
ومن ذلك:
* الاعتناء بالسلوك والهدي الشخصي، والبعد عن الوقوع فيما حرم الله، والحذر من التساهل في الدين.
* تأصيل الثوابت والاعتناء بها، والاعتدال بين طرفين: طرف يوسع دائرة الثوابت ويدرج كل ما اعتاد عليه وألفه فيها، وطرف يتجرأ على مناقشة كل شيء بحجة تغير العصر واختلاف الظروف.
* الاعتناء بالعلم الشرعي والاهتمام بهº فإنه يضبط المسيرة ويحمي ـ بإذن الله ـ من الزلل.
* استيعاب تعدد الآراء والمدارس الفكرية والدعوية فيما يسوغ فيه الاجتهاد، وثمة فجوة واسعة في ذلك لدينا بين النظرية والتطبيقº فمع تقريرنا لذلك نظرياً إلا أننا نضيق ذرعاً بالخلاف ولا نستوعب تعدد المدارس.
* فتح مجالات واسعة للحوار والتناصح، وإحسان الظن بالآخرين حتى لو اختلفنا معهم في المواقف والاجتهادات، وتجنب وصم من يخالفنا بالانغلاق أو التسيبº فهذا مما يزيد الفجوة.
* إعادة النظر في كثير من المواقف التي صيغت وفق ظروف معينة، ومراجعتها مع المتغيرات الجديدة، ولا ينكر تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد