بسم الله الرحمن الرحيم
كنا في زيارة لإحدى بلاد العجم، فأيقظني صاحبي حين سمع الأذان، ونظرت في الساعة فإذا هو قد بقي على أذان الفجر أكثر من نصف ساعة، وبعد نقاش اتفقنا على أن نصلي في الفندق فنحن مسافرون.
وبعد ذلك سمعنا الأذان فعلمنا أن الذي أيقظنا هو الأذان الأول، فانطلقنا إلى المسجد، وفي الطريق تشنفت آذننا بسماع صوت الأذان يدوي هنا وهناك، فزادت سعادتنا واستبشارنا، وحين دخلنا المسجد وجدناه ممتئلاً بالمصلين، فترك هذا الموقف آثاراً في نفوسنا، منها:
- عظمة هذا الدين، وكيف انتشر في هذه البلاد والأصقاع، فما أن تشرق أو تغرب إلا وترى أثراً لهذا الدين، ولا تزال الساحة تستوعب مزيداً من التأثير والانتشار، لو وجد له رجالاً صادقين يحملونه بجد وعزيمة.
- تأصل الخير في نفوس طوائف كبيرة من المسلمين، وإلا فما الذي يدفع هؤلاء في هذه البلاد وغيرها إلى التمسك بدينهم والالتزام به، وهم يدفعون من جراء ذلك ثمناً باهضاً، فيتعرضون لمضايقات ومشكلات. ويبذلون جهداً مضنياً ومالاً وفيراً في بناء المساجد، ويحافظون على شعائرهم وعباداتهم.
- بدلاً من أن يكون حديثنا يرتكز حول النقد والحديث عن مصادر الخلل وبيان الأخطاء والمشكلات ينبغي أن نوجه جزءاً من حديثنا للإشادة بالجوانب الإيجابية في حياة الناس، ففي هذا تأصيل وتركيز لها، وفيه تثبيت للناس على ما هم عليه من الخير، وهذا ما دفع بصاحبنا إلى أن يكون حديثه عن فضل صلاة الجماعة بعامة، وفضل شهود الفجر مع الجماعة بخاصة. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يستخدم هذا الأسلوب في دعوته وخطابه مع الناس، فحين أبطأ عليهم في صلاة العشاء أثنى على ما هم عليه من حال فقال:\"إن الناس قد صلوا و رقدوا و إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة\"، ومن ذلك ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري قال: { صلينا المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء, فجلسنا, فخرج علينا فقال: ما زلتم هاهنا؟ فقلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء, قال: أحسنتم, وأصبتم ورفع رأسه إلى السماء, وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء, فقال: النجوم أمنة للسماء, فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي, فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي, فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون}.
- الجوانب الخيرة يمكن أن تستثمر لتدفع الناس إلى المزيد من العمل، وأن ننطلق بهم من خلالها، وربما آتى هذا الأسلوب ثمرة أكبر، ولهذا كان من حديث صاحبنا مع الناس: ما دمتم أدركتم هذا الفضل وظفرتم به، فماذا لو أن كل واحد منكم اصطحب معه إلى المسجد آخر؟ ولم لا تسعون إلى دعوة من لم يذوقوا حلاوة الإيمان ويدركوا السعادة التي أدركتموها إلى أن يذوقوا ما ذقتم.
ولهذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قص عليه عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - الرؤيا، قال: \"نعم الرجل عبدالله بن عمر لو كان يقوم من الليل\".
- توجد في تلك البلاد وغيرها جاليات كثيرة من المسلمين، قدموا إليها منذ عقود واستوطنوها، وولد لهم أولاد وأحفاد لم تعد لهم صلة بلغة القرآن، وبعضهم لا يعرف من الدين إلا اسمه، وقد يرفض الانتساب إليه، كيف يتعلم هؤلاء اللغة العربية؟ كيف يتعلمون أحكام الإسلام؟
وحين تلقي نظرة على المدارس التي تعلم الدين الإسلامي واللغة العربية هناك فسترى في الأغلب نموذجاً بدائياً يفتقر إلى أدنى مستويات الارتقاء والتطوير.
لذا كان من مجالات الدعوة المهمة الاعتناء بإنتاج برامج تعلم الناس لغة القرآن، وتبسط الأحكام الشرعية وتقربها لهم، وتتيح التقنية الحديثة اليوم إمكانات هائلة يمكن أن توفر الكثير من الجهد والمال. إن هذه الميادين من العمل أجدر وأولى من كثير مما ينتج من برامج الحاسب الآلي أو الأفلام أو الكتابات المكررة الهزيلة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد