بسم الله الرحمن الرحيم
حُكِيَ أن أبا عبيدالله - واسمه معاوية بن عبدالله بن يسار -كان وزيرا لأمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي شديد التتبع للزنادقة، فظهر على ابنٍ, لأبي عبيد الله على الزندقة. فدعا به فامتحنه فوجده زنديقا، فقتله بمحضر أبيه صبراً بالسيف، وكان بين أبي عبيدالله وبين الربيع الحاجب مباعدة، وكان يعقوب بن داود كاتباً لأبي عبيد الله قريباً من قلب المهدي، ولم يكن مثل قدر أبي عبيدالله وتمكنه من الخليفة، فقال الربيع ليعقوب بن داود: ما لي عليك إن كفيتك أمر أبي عبيدالله؟ قال يعقوب بن داود: احكم.
فدخل أبو عبيدالله يوماً على المهدي ليعرض أموراً من أسرار الخلافة، فأومأ المهدي إلى جميع من بحضرته بالتنحي، فتنحوا إلا الربيع فإنه لم يزل، فقال المهدي: تنح، فخطا خطوة ثم وقف، فقال المهدي: ألم تؤمر بالتنحي؟ قال الربيع: كيف أتنحى عنك وأدعك متفضلاً لا سلاح عليك، مع رجل عليه سيفه قد قتلت ابنه أمس بالسيف صبراً وهو ينظر إليه؟
فقال المهدي لأبي عبيد الله: اعرض ما جئت له فليس الربيع بمتهم. فلما خرج أبو عبيد الله من عند المهدي، قال المهدي للربيع: احجب عني أبا عبيد الله، فإني أستحي منه لقتلي ابنه. فسقطت حال أبي عبيد الله وارتفع يعقوب بن داود، واخذ الربيع منه جعلاً.
هذه القصة من كتاب لطف التدبير في سياسات الملوك للأديب الإسكافي عن النسخة التي حققها وعلق عليها الأستاذ أحمد عبد الباقي، ولقد قرأت الكتاب مرة بعد مرة، وأدركت كما يدرك من قرأه أن مؤلفه جمع فيه نوادر الأخبار وطرائف المواقف والحكايات العجيبة مثله مثل كتاب البخلاء للجاحظ، وكتاب الحمقى والمغفلين، كتب للإمتاع، وليس الغرض منها أن تصبح مناهجاً دراسية أو كتبا تربويةº فضلا أن تصبح مسالك دعوية، ولذا لم أصدق أن نفرا من الدعاة يتدارسون هذا الكتاب ويعدونه منهجا في التربيةº فإن صدق محدثي، فينبغي ألا نكون من الحمقى والمغفلين وأن نحذر في التعامل مع هؤلاء المحسوبين على الدعاة إذ أن من تربى على هذا الكتاب يعتبر الكذب والاحتيال والرشوة والمكائد، نوع من لطف التدبير، ولعل من أول درجات الحذر أن تقرأ هذا الكتاب حتى لا تنطلي عليك حيلهم متمثلا قول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
والأمر الآخر:
ألا تكون سلبيا كأبي عبيد الله غفر الله له، فلو انه لوح بسيفه غضباً في وجه الربيع لطار منه الربيع فرقاً، أو ذب عن عرضه بلسانه لألقم الربيع حجراً.
وأخيراً: ماذا حصل ليعقوب بن داود الذي طلب هذه الحيلة ليرتفع عند المهدي، لقد قلده المهدي أمور الدولة كلها فاستبد بها دون الخليفة، حتى قال فيه بشار بن برد:
بني أمية هبوا طال نومكم *** إن الخليفة يعقوب بن داود
ثم ماذا بعد؟ نفر منه المهدي في آخر أمره فعزله وحبسه، وبقي في السجن حتى ذهب بصره، ثم أطلقه بعد ذلك الرشيد، فسكن مكة حتى مات فيها.
جاء في كتاب الجامع لمعمر بن راشد الأزدي قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال كتبت عائشة إلى معاوية - رضي الله عنهما -:\"أما بعد فإنه من يطلب أن يحمده الناس بسخط الله يكن من يحمده من الناس ذاما\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد