حقنة دعوية: اصدق الله يصدقك!


 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الداعية: يا من رحلت في رحلةٍ, رَحلَها أشرفُ الخلق من أنبياء الله ورسله - عليهم أفضل الصلاةِ وأزكى السلام - اصدق الله يصدقك!

أخي الداعية: يا من رغبت أن تبني الحياة بكل ما فيها باسم الله، ووددت أن يسود شرعُ الله السماوي العلوي الرشيد ليصون الإنسان والمجتمع، وبذلت ولا تزال تبذل كل غالي ونفيسٍ, في سبيل دعوتك المباركةº اصدق الله يصدقك!

أخي الداعية: يا من رسمت مسار حياتك إلى موعد مماتك بفرشاةٍ, لونها: التضحية، وسمكها: عمرك الغالي، وحبرها: طموحك العالي وهمتك الراقية لتبليغ دين الله - عز وجل -º اصدق الله يصدقك!

هل راجعت نفسك التي بين جنبيك، وكاشفتها عن حقيقة إن كانت لها حظوظٌ ومكاسب دونية غير سماوية في دعوتك أم لا؟ جرب أن تسألها بصراحة:

هل كلماتكِ يا نفسُ  من النصائح والمواعظ. لله؟

أم حتى يقال واعظٌ ناصح، متمكن من قلوب الناس !

هل كتاباتكِ ومقالاتكِ عن الدعوة لله؟

أم حتى يقال داعيةٌ بعيدُ النظر، يستشعر مسؤوليته في إرشاد الدعاة وبنائهم!

هل سعيكِ لإقامة منشط دعوي، أو إحياء نشاط تربوي لله؟

أم حتى يقال تربويٌ نشيط في بناء الأجيال!

لا تسعد بكثير دعوةٍ, وعمل خالطتهما ذرةُ رياءٍ, أو سمعةٍ, أو مطمع أو حُب ثناءٍ, أو رجاءُ مدح فإنَّ نصيحةً خرجت من سويداء قلبك ترجو بها رضا الله - عز وجل - خيرٌ لك من مئات الخُطب والمواعظ المُدنَّسةِ بحظوظٍ, دنئيةٍ, من دنياك الفانية.

قال ابن المبارك - رحمه الله -: \"رُبَّ عملٍ, صغيرٍ, تُعظمَّه النية، ورُبَّ عملٍ, كبيرٍ, تُصغرَّهُ النية\"، فليس العبرةُ بكثرةِ وعظمِ الأعمال والأقوال، ولكن العبرة ما زكى منها لله وحده لا لسواه.

إن الواجب على كل مسلمٍ, وخاصةً أنت - يا من حملت لواء الدعوة في سبيل الله - أن يقف قبل كل عمل - صغيرٍ, أو كبير، كان كلمةً أو موعظة، مقالاً أم تعقيباً، تضحيةً بوقت أو بمال- أن يقف وقفةَ من ترتعدُ فرائصه من قول خالقه ومالك أمره: ((وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ, فجعلناه هباءً منثوراً )).

أن يقف وقفةَ من يخافُ من قوله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل -: ((من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء هو للذي أشرك)).

أن يقف وقفةَ من يحذر أن يكون ممن وصفهم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: (والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت والتخشع في نفسه ولباسه، والقلوبُ تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك، ورأيتُ من يلبسُ فاخر الثياب، وليس له كثير نفل، ولا تخشع، والقلوبُ تتهافتُ على محبته، فتدبرتُ السبب فوجدته السريرة! فمن أصلح سريرته فاح عبيرُ فضله، وعبقت القلوب بنشرِ طيبه، فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفعُ مع فسادها صلاحٌ ظاهر).

فالسر ليس بالمظاهر الكاذبة، ولا بالمشاهد الخادعة، وإنما بصلاح بواطن الأنفس الأمارة بالسوء من التناقض، ومخالفة القول العمل، وسلامة القلوب من جحيم قسوتها وسُقمها وموتها.

لقي رجلٌ يحيى بن أكثم وهو يومئذٍ, على القضاء، فقال: أصلح الله القاضي، كم آكل؟

قال: فوق الجوع ودون الشبع.

فقال: فكم أضحك؟ قال: حتى يُسفر وجهك، ولا يعلو صوتك.

فقال: فكم أبكي؟ قال : لاتملّ من البكاء من خشية الله - تعالى-.

فقال: كم أخفي من عملي؟ قال: ما استطعت.

فقال: فكم أظهر منه؟ قال: مقدارُ ما يقتدي بك البرّ والخيّر، ويُؤمن عليك قول الناس.

فقال الرجل: سبحان الله، قولٌ قاطن، وعملٌ ظاعن.

وإن أعظم ثمرات إخلاصك أخي الحبيب - كما قال أحد الدعاة - ما تجدهُ (في تحصيلُ مرضاة  الله ((فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ))، أي الذي يرجو لقاء الله على خيرٍ, ونعمة فعليه بالإخلاص، وحين يرضى عنك الله تجني ثمرات ذلك: الإمداد الرباني، والنجاةُ من المحنِ والشدائد، والثبات والطمأنية وسكينةُ النفس، وجمع القلوب على المُخلص).

واعلم أخي أنه إذا حليّتَ عملك بالإخلاص، وزينته بالمراقبة، وألبسته بالخوف من عدم القبول، هان والله عليك كل ما تجده من متاعب ومشاقَّ وعقباتٍ, في مسار دعوتك.

وليكن قدوتك في دعوتك سيد الدعاة ومعلمهم - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: (طوبى للمخلصين الذين إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا، أولئك مصابيحُ الهدى، تنجلي عنهم كلٌّ فتنةٍ, ظلماء)، اللهم إنا نسألك الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا وحركاتنا وسكناتنا إنك نعم المولى ونعم النصير.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply