الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن دعوة الشيخ بإنصاف أو دافعت عنها ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

10-اسم الكتاب: محمّد بن عبد الوهاب

المؤلف: أحمد عبد الغفور عطار

المولد:

 

وهذا الشيخ الأديب المعتني بأمر التأريخ كان له كتاب آخر في تاريخ حياة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكانت أمنية يتمناها منذ قديم، حيث سطر هذا في طبعة الكتاب السابق الثالثة 1387هـ هذه الأمنية: \" وددت أن يكون لديّ من الوقت ما يعينني على كتابة تاريخ الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب أعطيه حقه من الدرس، وأقدم له صورة أدق وأشمل من الصورة التي يجليها هذا الكتاب، وأرجو أن يكون قريباً بفضل الله\"

 

وقد تحققت أمنيته وسطر هذا التأريخ للوهابية وللشيخ المصلح المجدد، يقول وإن كان اسم هذا الكتاب كاسم الكتاب السابق إلا أن هناك مغايرة يقول في المقدمة: \"وهذا الكتاب غير السابق في منهجه وبحوثه … هذا الكتاب الذي يُعدٌّ جديداً تغاير بحوثه ما في كتابي السابق، وتختلف هندسته عن هندسته، ومنهجه عن منهجه.

ومحمد بن عبد الوهاب زعيم ومصلح ديني ومجدد وصاحب دعوة، ولم يظهر مثله في القرون الأخيرة، وكل الدعاة والمصلحين الذين سبقوه أو جاءوا بعده لم يكن لهم أثر في مجتمعاتهم، ولم تتجاوز آثارهم محيط الفكر المحدود ….

وقامت في العالم الإسلامي حركات كبرى تعد انبثاقة للحركة الوهابية، فحركة الشيخ عثمان دنفويو في نيجريا في نهاية القرن الثاني (القرن الثامن عشر الميلادي)، حركة وهابية، قام بها بعد أن زار مكة حرسها الله، ورأى الدعوة بها فاستهوته مبادئها، وأعجبه إخلاص القائمين بها، فعاد إلى بلاده يطبق منهج الدعوة الوهابية، ووفق الشيخ عثمان كل التوفيق، فأسس في أفريقيا دولة وهابية كانت نموذجاً رائعاً للحكم الإسلامي العادل ونظمه الإنسانية الرفيعة.

ومن خير ما في الدعوة الوهابية وقوفها في وجه البدع والخرافات والوثنيات التي دخلت في الإسلام فأخفت لبابه وجوهره وعقيدته، وصارت هي العقيدة والعبادة، أو أصبح جانب كبير من أمورهما قائماً على البدع والخرافات والوثنية. \"

 

وقد أرخ لعصره والواقع المعاش، ثم أصله وعائلته العلمية، ثم مولده ونشأته وطلبه للعلم، ثم أخبار رحلته للحج، ثم انطلقه بعدها للرحلة في الطلب في مكة ثم المدينة ثم البصرة والزبير ثم الأحساء ثم عودته لنجد.. ثم أرخ لعودته لحريملاء والعيينة ثم انتقاله للدرعية وتكوين الدولة، وعن الحكم الوهابي، ثم وفاة الإمام..

ثم تحدث عن جوانب من شخصية الشيخ..

الشيخ والزهد.. المصلح الناجح.. علمه وثقافته.. المشابه بين عهدين (يعني عهود المجددين بين الواقع الغالب به الصدود عن الحق والوقوع بالغلو والشرك).. الدعوة المنهج التطبيق..

 

ثم يبين حقيقة الدعوة الوهابية … وبعدها يذكر نماذج ممن عادى الدعوة قبل أن يعرف حقيقتها من خلال الإشاعات الكاذبة كقولهم لا يحب النبي - عليه الصلاة والسلام - ثم يكتشفون بأنه من أهل الحديث؟!! وقد صنف كتباً عديدة في الأحاديث النبوية وأختصر كتابين في السيرة النبوية..

ثم عن أثر الدعوة الوهابية في العالم الإسلامي.

 

وقال فيه: \" ولا شك أن عصر ابن عبد الوهاب كان بالنسبة للمسلمين عصر التأخر والجمود والخمول وشيوع البدع والخرافات والوثنيات التي سيطرت على العقول، عصر سيادة الغرب، عصر ضعف المسلمين، وتفرق كلمتهم.

 

وكل أقطار الإسلام كانت تغط في الجهل والبدع، ولم يسلم الحجاز وأرض الحرمين من الخمول والبدع، وأنا أدركت آثار الخرافات والبدع الشائعة في مكة حرسها الله، وقضى عليها صحو العقل الذي يعود الفضل فيه للدعوة الوهابية.

 

ورأى ابن عبد الوهاب ما حل بالمسلمين، ورأى ما بنجدٍ, من الشرك والوثنية، ولم تكن نجد خالية من العلماءº بل كان فيها منهم عدد غير قليل في مدنها وقراها، ولكنهم كانوا ضعفاء، ومنهم من لم يفضلوا العامة في معتقداتهم الخرافية، ومنهم من كانوا على بصيرة من أمرهم، ولكنهم لم يكونوا شجعاناً ودعاةًº بل كانوا وعاظاً محدودي الأثر.

 

ولكن ابن عبد الوهاب لم يكن مثلهم، فقد كان عالماً حقاً، وكان سلفياً صادقاً في عقيدته ومنهجه، وكان شجاعاً وداعية، وليس العلماء ورثة الأنبياء في العلم وحده، ولكن ميراث النبيين يتجلى في القيام بأعباء الدعوة والتبشير برسالاتهم، واستقبال الأذى بعناد وإصرار في سبيل هداية البشر.

 

وهكذا لقي محمد بن عبد الوهاب الأذى والنفي والتشريد، وصابر وصبر حتى مكّن الله له بقيام دولة إسلامية في نجد، تطبق شريعة الإسلام حق التطبيق، وتعيد إلى الإسلام عزته، وإلى المسلمين كرامتهم التي ضيعها الجهل.

 

وكان محمد داعية حقاً، فأرسل الكتب إلى الحكام والعلماء يعرض عليهم دعوته، ويطلب إليهم الإصلاح العام، والقيام بتغيير المنكر، ومحو البدع، والاعتصام بالكتاب والسنة.

ولم يقتصر أثر الوهابية في الجزيرة العربيةº بل امتد هذا الأثر إلى العالم الإسلامي كله، فالحرمان كانا في حماية الحكام الوهابين لفترات، وكان حجاجهما الذين يفدون من مختلف ديار الإسلام يرون في أرض الحرمين نمطاً للحياة الاجتماعية الإسلامية جديداً لم يعهدوه في بلدانهم، ولا في علمائهم، ولا في حكامهم.

 

فالحياة الاجتماعية تسودها العدالة والأخلاق الكريمة والصفاء، والعلماء سلفيون متمسكون بدينهم، يأمرون غير الله، والحكام صالحون، وهم والعلماء يد واحدة في الخير، ولسان واحد في الدعوة إلى الله، وقلب واحد في الخشية منه.

 

وكان بين الحجاج علماء وحكام ورجال فكر وثقافة وعلوم عصرية، وأعجبهم الرجوع إلى الإسلام الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى الصلاة الجماعة، وإغلاق المتاجر قبيل أوقات الصلاة، والتنزه عن الغش والتدليس في العقود والبيوع، وصون اللسان عن السباب والفحش.

 

رأوا دولة الإسلام وأخلاق القرآن وآداب السنة فأعجبوا بها كل الإعجاب، ونقلوا ما رأوا إلى شعوبهم وبلدانهم، وتزود العلماء منهم بالدعوة، ولما عادوا إلى بلدانهم نهضوا بأعبائهم، ولكنهم صدموا، وقاومهم علماء أمثالهم، وقاومهم الحكام، لأن الحركة الإسلامية الجديدة تنذر الظلم، ظلم العلماء والحكام، وظلم العلماء والحكام، وظلم التجار والموظفين، الظلم بكل ضروبه.

 

وإذا كان الدعاة قد اصطدموا مع الجور والفساد في السلطة والمعتقد فقد وجدوا اتباعاً أيضاً، وأيقظ الاصطدام النائمين فصحوا، وصحت عقلياتهم.

 

وكل الدعاة وحركات الإصلاح الذين أعقبوا ابن عبد الوهاب تأثروا به، ونهوضهم يدين لهذا المصلح الأكبر الذي جدد شباب الإسلام في وقت بلغت شيخوخته حد الحرف والهذيان.

 

فأقطار الجزيرة العربية، نجد والإحساء ونجران وعسير واليمن والحجاز والعراق والشام تأثرت بحركة الإمام المصلح تأثراً بالغاً، وانطبعت العقليات في هذه الأقطار بطابع هذه الحركة من ناحية الدعوة الخالصة ومنهجها وتطبيقها في الحدود التي تتسع لهم قدراتهم.

 

يقول صديقنــا العقـاد - رحمه الله -:

\" النهضة في مصر بدأت عند أوائل القرن التاسع عشر ولكنها بدأت في الجزيرة العربية قبل ذلك بنحو ستين سنة بالدعوة الوهابية التي تنسب للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبدأت نحو هذا الوقت في اليمن بدعوة الوهابية التي تنسب الإمام الشوكاني صاحب كتاب (نيل الأوطار) وكلاهما ينادي بالإصلاح على نهج واحد، وهو العود إلى السنن القديم ورفض البدع والمستحدثات في غير هوادة.

 

وإنما تسامع الناس بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وظلت الدعوة الشوكانية مقصورة على قراءة كتب الفقه والحديث، لأن الوهابيين اصطدموا بجنود الدولة العثمانية في إبان حربها مع الدولة الأوربية التي اتفقت على تقسمها، ومثل هذا الاصطدام قد أودى بدولة علي بك الكبير في مصر، فانتقض على أعوانه، وتمكن منه حساده بعد محالفته لروسيا في حرب الخلافة العثمانية.

 

ولم تذهب صيحة ابن عبد الوهاب عبثاً في الجزيرة العربية ولا في أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، فقد تبعه كثير من الحجاج وزوار الحجاز، وسرت تعاليمه إلى الهند والعراق والسودان وغيرها من الأقطار النائية، وأعجب المسلمين أن سمعوا أن علة الهزائم التي تعاقبت عليهم وإنما هي في ترك الدين لا في الدين نفسه، وأنهم خلقاء أن يستنجدوا ما فاتهم من القوة والمنعة باجتناب البدع، والعودة إلى دين السلف الصالح في جوهره ولبابه\".

 

ويقول العقاد:

\"سرعان ما ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب بجزيرة العرب حتى تردد صداها في البنغال سنة 1804 واتبعتها طائفة الفرائضية بنصوصها الحرفية، فاعتبرت الهند دار حرب إلى أن تدين بحكم الشريعة، ثم تردد صدى الدعوة الوهابية بعد ذلك بزعامة السيد أحمد الباريلي في البنجاب، وأوجب على أتباعه حمل السلاح لمحاربة السيخيين، وتقدمهم في القتال حتى قتل سنة 1881.

 

ونهض من بعده تلميذه كرامة علي فاتصل بطريقة الفرائضية، وأفتى بأن البلاد الإسلامية تجب فيها صلاة الجمعة، ولا تحسب من ديار الحرب وإن كان الحكم فيها الحكم فيها لغير المسلمين\"

 

والسيد أحمد الباريلي من أعظم المسلمين في الهند، وقد ولد في قرية \"راي باريلي\" من قرى لكنو في أول يوم من المحرم سنة 1201هـ. (1786م) وقاد حركة الجهاد ضد السيخ مع الإنجليز، وكان السيخ مع الإنجليز المستعمرين الغاصبين.

 

وقاوم الإنجليز حركة الإصلاح التي نهض بها السيد أحمد، ولم يجدوا سبباً في إثارة العامة وبعض علماء السوء إلا أن السيد أحمد وهابي، فحدثت الفرقة بين صفوف المسلمين، وأفاد أعداؤهم الإنجليز والسيخ، وقضوا على السيد أحمد وحركته الشابة الفتية، مما ثبّت أقدام الإنجليز، ومكَّن لقاداتهم وجنودهم أن يقتِّلوا شعب القارة الهندية تقتيلاً، لا فرق بين مسلم وهندوكي، وإن كانت النقمة والحقد أشد على المسلمين.

 

ولولا مقاومة الإنجليز والسيخ للحركة الوهابية لنالت الهند خيراً كثيراً.

 

وفي البنغال نشطت الدعوة الوهابية في القرن التاسع عشر وبسببها دخل في الإسلام كثير من الناس في البنغال التي انتشر فيها دعاة الوهابية، وقادوا حركة الإصلاح التي أسعدت الناس بالعدالة والصدق والأخوة الإسلامية.

 

ويقول السيرت. و. ارنولد في كتابه \"الدعوة إلى الإسلام\" صفحة 239 من الطبعة العربية:

\"وفي القرن التاسع نشطت حركة الدعوة الإسلام في البنغال نشاطاً ملحوظاً، وأرسلت طوائف كثيرة ينتمي أصلها إلى تأثير الحركة الوهابية الإصلاحية، دعاتهم ينتقلون في هذه المقاطعة، يطهرون البلاد من بقايا العقائد الهندوكية القديمة، ويوقظون الحماسة الدينية، وينشرون العقيدة الإسلامية بين الكفار\"

 

وما تزال للحركة الوهابية في البنغال دعاة يفتقرون إلى المال، ومع فقرهم فإنهم نشطون في الدعوة، وعندما كنت في باكستان الشرقية في شهر جمادي الآخرة سنة 1389هـ (أغسطس 1969م) لقيت بعضهم، وذكروا أنهم تتلمذوا على علماء من البنغال تلقوا علوم الدين على العلامتين الكبيرين عبد الله والشيخ عمر ابني حسن، حفيدي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.

والشيخ عبد الله بن حسن كان رئيس القضاة في الحجاز وتوفي سنة 1378هـ (1958م) وهو من العلماء الصالحين الكرام، وتلامذته من أبناء الأقطار الإسلامية كثير، وكان باراً بهم، كثير العطف عليهم، وأولاده كرام صالحون تولى اثنان منهم وزارة المعارف السعودية، هما: عبد العزيز وحسن، والأخير ما يزال وزيراً للمعارف حتى الآن.

 

وأما الشيخ عمر بن حسن فهو الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف في نجد والمنطقة الشرقية وخط التابلاين، وله تلامذة كثيرون من أبناء الأقطار الإسلامية، ورأيت بعضهم في الصين وباكستان، وهو مثل أخيه الكبير- كريم جواد بار بأولئك الطلاب، وبيته وصدره مفتوحان، وهو علامة مجاهد شديد الغيرة على الدين، وأولاده وأعوانه.

 

وإذا كانت الحركة الوهابية في القرن التاسع عشر من أعظم أسباب انتشار الإسلام في البنغال ورسوخه في أراضيها الشاسعة فإن الحركة الوهابية الحاضرة نشطة في تبصير المسلمين، بحقيقة الإسلام، ولكن أصحابها فقراء، ولو وجدوا العون المالي لأدوا للإسلام خدمات جد عظيمة.

 

وذكر لي داعية بنغالي وهابي تخريجاً لطيفاً لكلمة الوهابية، فهو يقول: حقيقة أن الوهابية نسبة إلى ابن عبد الوهاب، وإذا كان الذين اتخذوها أرادوا النبز والتشويه، إلا أن الله جعلها حركة إسلامية مباركة، وصارت أخيراً علماً على الوهابيين أنفسهم لله ولرسوله، فالوهابية هم أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب الذين وهبوا أنفسهم للدعوة والجهاد.

 

ولم تقف آثار الدعوة الوهابية على القارة الهندية وحسب، بل تجاوزتها إلى جاوا وأقصى الجزر الهندية الشرقية التي عرفت الآن بإندونيسيا، ولكنها حوربت من الاستعمار الهولندي، ومع ذلك انتشر الإسلام انتشاراً عظيماً. \"

 

إلى أن قال:

\" وموجز القول:

أن حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أثرت في البلدان الإسلامية في آسيا وأفريقيا تأثيراً حسناً، وأيقظت العقلية العربية والإسلامية، وحركت في شعوب الإسلام الأسباب والدوافع للعمل الجاد، وأبانت حقيقة الإسلام كما أنزله الله على رسوله الأمين محمد - صلى الله عليه وسلم -، وطبقته بقدر ما وسعه الجهد واتسعت له القدرة، وما تزال الحركة قائمة حتى اليوم، ولكنها بطيئة.

ولو تيسرت للحركة القوة والنشاط لآتت أكلها في جميع أقطار الإسلام. \"

 

هذه النقاط كانت من فصل \"أثر الدعوة الوهابية في العالم الإسلامي\"

 

11-اسم الكتاب: دعوة التوحيـد والسنـة

المؤلف: محمد بهجة الأثري

المولد: بغداد-العراق

 

من لا يعرف العَلاَّمَة محمّد بهجة الأثري العراقي؟!!

الشيخ هو العلم المعروف.. - رحمه الله - كان عضو المجمع العلمي العراقي والمصري والسوري والمغربي..

 

ألف الشيخ هذا الكتاب لتبيان حقيقة دعوة التوحيد والسنة أو دعوة الكتاب والسنة.. وأبرز الشيخ كيف تعرف على هذه الدعوة وعلى أبرز دعاتها وهو الشيخ المجدد.. فذكر أنه لم يعرفهم من أعدائهم بل تعرف عليهم من كتبهم، وتعرف على الإمام من خلال كتبه ورسائله، وعن حياته من أبنائه وطلابه، وهذا هو الإنصـاف الذي تربى عليه من شيخه الألوسي - رحمه الله -، فيقول:

\"إن الحقيقة الأزليّة الخالدة في نواميس الحياة، قد تصيبها السياسات والعصبيّات بشيء من الضٌّرِّ، ولكنِّها في جميع الأحوال تعجز عن طمسها وإزالة معالمها.. ثم هي، وأعني السياسات والعصبيات، لا تملك الفصل في شأنها، وليس ما تصوّره تزييناً أو تقبيحاً هو واقع الحقائق، وإنما يفصل فيها العلم وحدَهُ بتجرده المطلق ونزاهته وموضوعيته الخالصة من الشوائب والأهواء.

إنّه يَعنِيه من الأشيـاء في كل شأن يعرِض له، تعرٌّف الحقائق في عُربها وسفورها كيفما كانت الحال، وفي أي صورة تكون عليها، وإذا كانت السياسات والعصبيات تبني أحكامها على الأهواء والأغراض الخاصّة، لا نحيد عنها، فإنّ العلم يبني تصوراته وأحكامه على البيِّنات غيرَ متحيّز ولا متحرِّف، وهو يستمد هذه البيانات من الوثائق الأصلية الصحيحة مما يدونه الإنسان بنفسه خاصّة، لأنها فصل الخطاب والحُجَّة البالغة.

ومن هذه الوثائق الأصلية ونحوها يستنبط العلم التصوّرات، ويهتدي إلى مقاطع الحق فيوقن، ثم يرسل أحكامه التي لا تستؤنف ولا تميّز كما يقول القضاة.

 

على هَدي مِن هذه الوثائق، التمستُ مقاطع الحق، في هذا الأمر الجديد وصاحبِه، من معادنها، غيرَ متأثّر بسياسة من السياسات، أو عصبيّة من العصبيّات.

 

وبين كلِّ أمرٍ, وصاحبه، تقوم علاقة وآصرة، وتَعَرٌّفُ صاحب الأمر يتقدَّم تعَرٌّفَ أمرهº لأنه هو مصدره، وإليه يؤول.

 

وقد تعرّفت سيرةَ (محمّد بن عبد الوهاب) في كتب المقربين إليه، والقريبين منه زماناً ومكاناً، فهم أعرف به، ولم ألتمس شيئاً من أمره في كتب مؤرخيه الثانويين ونحوهم.

 

وتعرّفتُ دعوته، والعِلم الذي طبعت به، من مؤلفاته، وهي أنواع.. سيرة نبوية، وتفسير، وحديث، وأحكام، وتوحيد، ومما هو أدلّ منها على طبيعة فكره واستقلال رأيه، أعني فتاواه ورسائله ومجادلاتِه ومراسلاته مع العلماء والرؤساء في جزيرة العرب وما وراء جزيرة العرب في شأن دعوته: مَناشِئِها، ومبادئها، وغاياتها، وأصولها، وأدلتها.

والمرء وما يقوله ويقره ويفصح عنه من نيّته وعلمه، لا ما يقوله خصومه فيه.

 

وأشهد مخلصاً أن بين سيرة (محمّد بن عبد الوهاب) ودعوته، ولأسمها: الدعوة التجديدية، رحماً واشجة، وآصرة وثيقة محكمة يبدوان من غير تكلف للرؤية في هذا التطابق التام بين الفكر والتطبيق، وبين ضلاعة الدعوة وضلاعة صاحب الدعوة وشخصيته المتميزة بأنواع من الصفات الأصلية، ومنها ضلاعة تكوينه البدني، وضلاعة إيمانه، وصلابته، وتمسّكه بالسٌّنَّة. \"

 

إن هذه القراءة الفاحصة والمتأنية جعلت آواصر الحب تجتمع بين أهل السنة على تباعد الأزمان والأقطار، ولا أدل من كلماته في مقدمة الرسالة حين قال:

\" فإن عنوان الأسماء العالية في التاريخ العربي والإسلامي الحديث، كالشمس يُذكَرُ غير ملقب، لأنّه يسمو على التلقيب بالألقاب، والتحلية بالنّعوت.

 

إنّه لا يعرف بها، ولكن هي تعرف به.

وإنّ حلية مثله لفي عَطَلِه.

والجواهرُ تُذكرُ أسماءً مجرّدة، ولا توصفº لأنّ معانيها هي أوصافها.

 

ويقال \"الشمس\" و\"القمر\" ولا يُحَلَّيان، لأن حليتهما في كمالهما وتمامهما.

ما كلام الأنامِ في الشمس، إلا … أنها الشمس، ليس فيها كلام!

وقديماً أنكرت طباع العرب أن يعرف المشهور في الإملاء فقال قائلهم:

\"قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟ \"

….

فلا عليَّ أن أسمي (محمد بن عبد الوهاب) ولا ألقبه.

 

إنه معنى كريم.. استقر في الضمائر، وليس جسداً تطوف حوله الأجساد.

في حروف اسمه القلائل الصِّغار، خصال عبقرية كِبار.. ائتلفت فأنشأت مزاجاً فرداً، عجيباً في أخذه وعطائه.

 

ذهنيةٌ عبقرية، في تكوينٍ, سَوِيّ، من طراز خارق للمألوف قياساً إلى العادة والزمان والمكان، وفي حاقِّ الجِبِلَّة والتّكوين.

…\"

 

وأطال - رحمه الله - ببيانه الأدبي عن ما يكنه قلبه لهذا الشيخ …

 

حتى انطلق بسؤال ليجيب عليه:

\"وهنا يجيء السؤال الكبير:

ما الصنع العظيم الذي صنعه (محمّد بن عبد الوهاب)؟

 

الجواب عن هذا السؤال الكبير، يصوغه واقع التاريخ وحقائقه، ولست أنا من يصوغه.

 

واقع التاريخ، يقرر في صراحة ووضوح بيان أنه الرجل الذي أيقظ العملاق العربي المسلم من سُبات في جزيرة العرب دام دهراً داهراً، وأشعره وجوده الحي الفاعل، وأعاد إليه دينه الصحيح، ودولته العزيزة المؤمنة، ودفعه إلى الحياة الفاعلة ليعيد سيرة الصدر الأول عزائمَ وعظائمَ وفتوحاً..

 

ويقرر غيرَ مُنازَع أنّه رجل التوحيد والوحدة، والثائر الأكبر الذي رفض التفرق في الدين رفضاً حاسماً، فلم يكن من جنس من يأتون بالدعوات ليضيفوا إلى أرقام المذاهب والطرائق المِزَقَ رقماً جديداً، يزيد العدد ويكثّره، ولكنه أوجب إلغاءَ هذه الأرقام، ودعا لتحقيق \"الرقم الفرد\" وحدَهُ: الرقم الذي لا يقبل التجزئة كالجوهر الفرد، ألا وهو (الإسـلام).

 

والإســلام طريقة واحدة، لا تتفرّع، ولا تتعدّد.

….

فلما أُفسد التوحيد، وزالت الوحدة، ذهب التفرق في العقيدة بهذا المجد العظيم.. فجاء (محمّد بن عبد الوهاب) داعياً للعودة إلى الأصل الذي قام عليه ذلك المجد وعلا سمكه وعزّ وطال، وقد حقق ما أراده في جزيرة العرب، وأشاع اليقظة في العالم المسلم، وكان لدعوته في كلِّ صُقعٍ, أثرٌ مشهود..

 

فهــذا هو الصنع العظيم، الذي صنعه الرجل العظيم. \"

 

وقد تحدث عن حياته وطلبه للعلم ونشر دعوته، وما قام به هو وأئمة الدعوة..

فجزاه الله خيراً من مُحقٍ, منصف.. فرحمه الله - وأعلى درجته في عليّن اللهم آمين.

وهذه شهادات العلماء الذي تجردوا عن نوازع الهوى والعصبيات والطرق البدعية والموروثات الغير سنية، والعوائد الجاهلية، والسلوم القبلية الغير شرعية، والعبادات الشركية، والمزارات الوثنية.. وكما قال الشيخ أن الشمس واضحة لا تخفى حقائقها ولا يريد إخفائها إلا من تلبس بخطيئة يُريد أن يتجاهلها الناس بعدم معرفة الصواب!

 

12-اسم الكتاب: الحركة الوهابيــة

المؤلف: الدكتور محمد خليل هراس

المولد: مصر

 

من لا يعرف علامة مصر؟!!

والأعلام لا تعر

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply