بسم الله الرحمن الرحيم
\"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار\"(1)
لم يواجه الإسلام عقيدة وشريعة منذ عهد أبينا آدم - عليه السلام - وإلى اليوم خطراً أشد ولا أكبر مما يواجهه اليوم، حيث لم يُستهدف الإسلام كما استهدف اليوم، فالحرب الصليبية اليهودية التي تقودها أمريكا في هذا العصر ليست حرباً عسكرية ولا اقتصادية فحسب، بل هي حرب عقدية، وثقافية، وحضارية، وسلوكية، واجتماعية، ويخطئ من يتوهم أن هدف الكفار من تلك الحرب الصليبية الشرسة هو القضاء على الإرهاب ممثلاً في تنظيم القاعدة وحكومة الطالبان لإيوائها لقادة القاعدة، أو لتخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل، ومن أجل ذلك غزوا أفغانستان والعراق واستعمروهما، وليس كذلك هو تأمين إسرائيل والهيمنة على مصادر النفط العربي فحسب، بل هدفها القضاء على الإسلام، إسلام الوجه واليد واللسان، هدفها كل مسلم معتد بدينه، معتصم بربه.
هدفها محاربة العقيدة الصحيحة، والدفاع عن الشرك، وحماية الوثنيات القديمة، والمحافظة عليها وبثها من جديد، ومحاولة إرجاع الناس إليها، فإخراج الناس سيما المسلمين من النور إلى الظلمات مطلب أساسي من إشعال هذه الحرب وتوسيع دائرتها.
هدفها كذلك تغيير الهوية الإسلامية، ولذلك عمدوا إلى تغيير المناهج وقفل الجامعات والمدارس والمعاهد الدينية، والتضييق على المنظمات والجمعيات الطوعية والخيرية، والعمل على منع العلماء والدعاة المؤثرين من التدريس والخطابة، وقد صدرت تعليماتهم الصارمة إلى الحكام بذلك، وشرع كثير من الحكام في تنفيذ هذا المخطط وإعانة الكفار على تحقيق مآربهم، وإنجاح حملتهم الصليبية.
هدفهم كذلك أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا كما شاعت في ديارهم، وذلك بإخراج ما تبقى من النساء المسلمات من بيوتهن، ونزع الحجاب والعفاف عنهن، وتوسيع دائرة الاختلاط، وتنويع محاوره وأشكاله.
هدفهم أيضاً أن تسيطر حضارتهم المادية اللادينية على جميع الحضارات، سيما الإسلام، إذ ليس هناك حضارة أو فكر يخشون منه سوى الإسلام.
هدفهم القضاء على المظاهر الإسلامية، نحو إعفاء اللحى وغيرها.
هدفهم كذلك القضاء على عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، التي هي سر بقاء هذا الدين، وسبب مقاومته للكفر والكافرين.
هدفهم كذلك زيادة عملائهم والتمكين لهم، والسعي على تسليم السلطة إليهم بعد أن يئسوا من عملائهم التقليديين، فلكل مرحلة صنف من العملاء وفريق من الخونة والبلهاء.
لقد سعى الكفار لتحقيق هذه الأهداف وغيرها منذ أمد بعيد، وسلكوا من أجلها كل سبيل، وجربوا كل طريق، وبذلوا ولا يزالون يبذلون كل غال وثمين.
لذلك فقد حققوا قدراً كبيراً مما يريدون، ونالوا نصيباً وافراً مما يصبون إليه.
ما كان لهؤلاء الكفار أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه أو أن ينالوا ما رموا إليه لولا شيئين، هما:
الأول: العمالة والموالاة لهم من بعض المنتسبين إلى الإسلام، فقد زاد عدد عملائهم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فقد انحاز كل عملاء الشيوعية إلى الإمبريالية العالمية بقدرة قادر، فاتسعت دائرة حزب الشيطان لتشمل الشيوعيين والعلمانيين وكافة أعداء الدين، فالكفر ملة واحدة، والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
الثاني: الركون إلى الكفار والتنازل لهم، وسرعة الاستجابة إلى مطالبهم بصورة لم يكن الكفار يحلمون بها من قبل، فاقت تصوراتهم وزادت من طموحاتهم، من العامة قبل الخاصة، ومن بعض الدعاة والمنتسبين إلى العلم والمحسوبين على الإسلام قبل غيرهم، ولخطورة الركون جعلت عقوبته النار: \"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار\"، ولا أدل على ذلك من مطالبة \"الكنقرس\" حكام المسلمين بعدم تصدير كلامهم وخطبهم وأحاديثهم الرسمية بـ\"بسم الله الرحمن الرحيم\"، وألا يفتتحوا المجالس والبرلمانات بقول - عز وجل -: \"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم\" الآية.
والسبب الثاني أخطر من الأول، لأنه سبب وغاية لما يهواه الكفار.
حفظ الدين له شقان: نظري وعملي.
فالحفظ النظري قد تكفل به ربنا - سبحانه -، فقال: \"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون\"2، ولم يدعه لغيره، والذكر يشمل القرآن والسنة.
أما الحفظ العملي فهو مسؤولية المسلمين عامة، بجميع طوائفهم وشرائحهم، حكاماً ومحكومين، علماء وعامة، وإن كان دور الحكام والعلماء أكبر من غيرهم، والمراد بذلك الثبات على المبادئ، والمحافظة على المسلمات، وعدم التنازل والركون مهما كانت النتائج.
فالركون هو طاعة الكفار والمنافقين والمبتدعة والفاسقين، ومداهنتهم، ومصانعتهم، والميل والتودد إليهم، والرضا عنهم.
أخطر صور الركون:
لا شك أن مسؤولية الحفاظ على هذا الدين من الناحية العملية هي مسؤولية تضامنية، لكل مسلم منها حظ ونصيب، ذكراً كان أم أنثى، عالماً كان أم جاهلاً، حاكماً كان أم محكوماً، عاصياً كان أم طائعاً، شاباً كان أم شيخاً.
فما من مسلم إلا وهو على ثغرة من ثغور الإسلام، ومسؤول عن جانب من جوانبه: \"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته\" الحديث، حيث لم يستثن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن المسؤولية أحداً، فقد عمم فيه وخص ثم عمم.
ينبغي على كل مسلم أن يستشعر هذه المسؤولية، وينبغي لولاة الأمر من العلماء أن يذكِّروا إخوانهم المسؤولين بذلك، وأن ينبهوهم إلى الأخطار التي تحيط بهم من كل جانب، فالذكرى تنفع المؤمنين، وتنبه الغافلين، وفيها معذرة لرب العالمين.
صور الركون وأمثلته في هذا العصر، وفي هذه الأيام خاصة التي انفرد فيها الأمركان بقيادة العالم لا تحصى كثرة، ولكن سنشير إلى طرف منها تنبيهاً إلى غيرها، من تلك الأمثلة الواضحة الفاضحة على الركون والاستكانة والخضوع للكفار ومن والاهم في هذا العصر ما يأتي:
1. الدعوة إلى تقارب الأديان وتوحيدها، والمناداة بالتعايش السلمي بين أتباعها، وعقد المؤتمرات والندوات، والكتابة في الصحف والمجلات، ممن ينتسبون إلى ديننا ويتكلمون بلغتنا ويرفعون شعاراتنا، وينتمون إلى جماعتنا.
وهذا من أخبث أنواع الركون والاستكانة، وهو ناقض من نواقض الإسلام، علم دعاة ذلك بهذا أم لم يعلموا.
2. الدعوة إلى إباحة الردة عن الدين الحق، الإسلام، وإنكار حدها، وهذا مما لا ينتطح فيه عنزان، ولا يختلف فيه عاميان، من أنه ناقل عن حظيرة الإسلام، ونشر ذلك في وسائل الإعلام المختلفة من غير نكير من المسؤولين.
3. الدعوة إلى السفور والتبرج والعمل على تحرير المرأة من القيود الشرعية، والمناداة بمساواتها بالرجل.
4. التشكيك في المسلمات والثوابت، والدعوة إلى إعادة النظر فيها، نحو سن قانون يحرم تعدد الزوجات، أويساوي بين الذكر والأنثى في الميراث، ولا شك أنه ناقض من نواقض الإسلام كذلك.
5. سن القوانين الوضعية والرضا بها والتحاكم إليها، ونبذ شرع رب العالمين، مع صريح قوله - عز وجل -: \"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون\".
6. بعض الفتاوى الفاجرة، نحو تجويز شيخ الأزهر للحكومة الفرنسية أن تسن قانوناً يحرم الحجاب على المسلمات هناك، وقد فرضه الله عليهن، ونحو إباحة البعض للفوائد الربوية من المصارف وغيرها.
7. منافقة كثير من المنتسبين إلى الإسلام في وسائل الإعلام لمن يمجد الزنادقة والملاحدة والمرتدين، الذين قتلوا بسيف الشرع، ووصفهم بأنهم مفكرون، وأنهم قتلوا ظلماً وعدواناً، وقد علم من دين الله ضرورة أن من لم يكفر الكافرين أوشك في كفرهم فقد كفر.
8. نبذ الجهاد ودعوى أن الإسلام لم ينتصر بحد السيف، ورد القاعدة: \"الجهاد ماضٍ, إلى يوم القيامة\"، والاستخفاف بها.
9. التوسع في إباحة الأغاني والملاهي التي حرمها الله ورسوله.
10. البحث والتنقيب عن زلات وهفوات بعض أهل العلم ونشرها والاستدلال بها لما تهواه أنفسهم، منافقة للكفار والمنافقين.
11. الذبٌّ والجدل عن البدع والمحدثات الشرعية وإشاعتها بين العامة.
12. محاولة البعض إجازة بعض الممارسات الشركية التي هي سبب لكل بلية.
13. التوسع في التشبه بالكفار في المخبر والمظهر، وقال رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: \"من تشبَّه بقوم فهو منهم\".
14. الاستجابة لطلبات الكفار في تعديل المناهج، وحذف الآيات والأحاديث التي تتكلم عن الجهاد والولاء والبراء، ولعن اليهود والنصارى، وفي قفل بعض المدارس والمعاهد، وفي منع بعض الأئمة والخطباء والدارسين، وفي قفل كثير من المنظمات الطوعية، وفي التحكم في مصارف الزكاة.
وكما قلت فإن الأمثلة على الركون كثيرة، وفيما ذكرنا غنى عما أغفلنا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فاحذر أخي المسلم الركون والاستكانة إلى الكفار والمنافقين، الموجب لغضب الجبار، قليلاً كان هذا الركون أم كثيراً، فقد قال الله - عز وجل - محذراً لنا في شخص نبيه - صلى الله عليه وسلم -: \"ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً\"5، وتذكر أنك لن تقوى على النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الداعي إلى صراطه المستقيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد