بسم الله الرحمن الرحيم
أي بنيّ: أكتب لك هذه الكلمات بقلم أب يحب ابنه ويقدره ويحترمه ويشاطره همومه وطموحاته، وهذه الكلمات توجه إليك من قلب أب يحب لك كل خير ويقدرك ويحلك. فهل تسمح لي يامن تقرأ هذه الكلمات أن أتطفل عليك وأخاطبك ب\"بني\" وأنا أعتبرك ابناً لي مثل أبنائي الذين هم من صلبي. لعل محور كلماتي يدور حول حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وفي كلً خير...)) الحديث. بني: إذاً موضوع كلمتي إليك عن موضوع قوة المؤمن. فهل تعلم بأي شيء تكون قوة المؤمن؟
أو بمعنى آخر: من هو المؤمن القوي؟ وكيف يكون المؤمن قوياً؟. بني: يكون المؤمن قوياً - من وجهة نظري - إذا اجتمعت فيه ثلاثة أشياء وهي:
1 - قوة الإيمان.
2 - قوة العلم.
3 - قوة الجسد.
وسأكتفي يا بني بما يهمك أنت في هذه المرحلة من عمرك فقط مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه:
أولا: قوة الإيمان في الصلاة:
وأول موضوع سأتناوله هنا موضوع الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والتي عظّم شأنها الله - سبحانه وتعالى - ومدح أهلها في أكثر من ثمانين موضع في القرآن الكريم، وهي أيضاً يا بني أول ما ينظر فيه من أعمال العبد، فإن قبلها الله - تعالى - نظر في سائر أعماله، وإن ردّها رد سائر أعماله، إذا حقاً يا بني إن الصلاة هي عمود الدين، من حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. بني: في دراسة على مجموعة من مدارس المرحلة الثانوية في ثلاث ثانويات أوضحت الدراسة أن أكثر من (4.%) من الطلاب يصلون الظهر من غير وضوء - والعياذ بالله - وهذا استخفاف واستهزاء بهذا الركن العظيم من أركان الإسلام. بني: الصلاة، الصلاة، فهي عمود الدين، أصيب شاب يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً بطلق ناري عن طريق الخطأ، أخذه أبوه إلى المستشفى، وهما بالطريق نظر إلى أمه التي تبكي عليه فقال لها: أمي لا تحزني، والله إني متوفى، ووالله إني لأشم رائحة الجنة وإني على خير. فلما وصلوا إلى المستشفى العسكري بالرياض باشره أحد الأطباء هناك، فقال هذا الشاب للطبيب: يا دكتور، إني متوفى، وإني لأشم رائحة الجنة، فدعني، ولكن أريد أمي وأبي . طلب الطبيب من أمه وأبيه أن يذهبا إليه، فلما أتياه قبّلهما وودعهما ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، ثم مات. رحمنا الله وإياه، وجمعنا به في الفردوس الأعلى ووالدينا وأبنائنا وزوجاتنا، آمين. قابلت الأخ (ضياء) مغسل الأموات بالمستشفى بعد صلاة المغرب من اليوم نفسه الذي توفي فيه هذا الشاب، فذكر لي القصة نفسها وزاد: أنا من مسحت العرق من على جبينه، وقد فككت أصابع يده التي تشهد بها حين موته، إن فيه طراوة لم أعهدها من قبل. سئل أباه: على أي شيء كان ابنك هذا؟ فأجاب قائلاً: ابني - رحمه الله - منذ صغره كان يتعهدنا لصلاة الفجر، وكان محافظاً على الصلوات في المسجد، ويحفظ القرآن في حلقة التحفيظ بالمسجد، وكان من الأوائل في الصف الثاني ثانوي علمي. بني: هل تحب أن تكون لك خاتمة سعيدة - إن شاء الله - مثل خاتمة هذا الشاب؟ وجوابك مما لاشك فيه أنك وغيرك من الشباب تتمنون ذلك فاحرص إذن على أن تكون مواظباً على الصلاة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ولكن هل تعلم متى ستموت لتصلي قبلها وتحافظ على الصلاة؟ جوابك بالتأكيد: لا أعرف. إذاً ما دمت لا تعرف متى ستموت فلا تكن مثل ذلك الشاب الذي قررت له إجراء عملية في الصمام الأورطي في قلبه، فهرب من المستشفى، وبعد أسبوعين فإذا بشاب لا يتجاوز عمره عشرين عاماً يبحث عني خارج غرفة العمليات، فلما خرجت إليه عرفته، فسألته: أنت الذي هربت من العملية؟ قال: نعم،فسألته: لماذا هربت؟ فأجابني: لأني خفت من الموت، قلت له: ولماذا تخاف من الموت؟ فرد قائلاً: لأني لست مستعداً . سألته: ولم لم تستعد؟.فرد علي قائلاً: النفس والهوى والشيطان. بني: عفواً..هنا لدي تعليق يسير على كلام هذا الشاب، وعذراً لأني أقطع عليك محاورتي مع هذا الشاب، فأسألك أنت. ما رأيك بشاب يعرف أعداءه ويستسلم لهم؟ جوابك بالطبع سيكون: إن هذا الشاب مخطئ ومفرط؟
ونعود إلى قصة هذا الشاب... فقلت له: إذاً أنت خائف من الموتº لأنك لست مستعداً، وذلك باستسلامك لأعدائك: النفس والهوى والشيطان؟ ولكن متى ستستعد؟ ومتى ستسيطر على أعدائك الذين اعترفت أنت بأنهم هم السبب في عدم استعدادك للموت؟. قال: الله يهديني. فرددت عليه بقولي: ولكن أتوافقني بأن الموت قد يأتيك في أي لحظة، ربما الآن أو بعد أن تخرج من هذا الباب، وأنت تسير في الشارع، أو أثناء نومك، وربما تلقى ربك وأنت لست مستعداً ومستسلماً لأعدائك(النفس والهوى والشيطان)؟ قال: نعم.
قلت:إذاً اسمع مني هذه القصة التي حدثت لي، ذهبت إلى أحد المعارف الذين يتهاونون في أداء الصلاة لأنصحه، وبعد مناقشة طويلة ذكر لي بأنه لن يصلي، وطلب مني تغيير الموضوع، فقلت له: يا أبا فلان، الموت حق، وأنت على هذه المعصية الكبيرة؟ فردً عليً بسخرية: أنا الآن في الأربعين وأبي عاش إلى التسعين، وجدي وصل عمره إلى المائة، وأنا إذا بلغ عمري الستين أصلي. قلت له: وهل تضمن عشرين عاماً لتتوب فيها؟ . قال: أنا سليم وليس بي أية أمراض. فحاولت أن أقنعة أن الموت لا يكون بالمرض فقط، أو للمسنين، وإنما يأتي بغتة في أي لحظة، من غير إنذار، فرد قائلاً: يا أبا محمد، أرجو أن تغيّر هذا الموضوع. فخرجت من عنده وأنا حزين لحاله، وبعدها بيوم واحد فقط وعند العاشرة ليلاً من يوم الأربعاء اتصل بي أحد الأخوة وقال لي: إننا سوف نصلي على أبا فلان - الذي كنت أنا عنده بالأمس يوم الثلاثاء أناصحه - غداً الخميس ظهراً. قلت: ماذا حدث له؟. قال: ذهب يوم الأربعاء عصراً إلى الدمام وانقلبت به السيارة فمات!!. بني: هذا الرجل أراد عشرين عاماً أخرى في حياته ليتوب فيها فلم يمهله ذي الطول شديد العقاب إلا عشرين ساعة ومات فيها. أسأل اللّه الكريم أن يكون قد تاب من معصيته هذه قبل أن يموت. نعود لأخينا الشاب الهارب... فما أن سمع هذه القصة حتى رأيت عيناه قد اغرورقت في أحسن حال بعد أن شفى الله قلبه عضوياً ومعنوياً. بني: لعلك تذكر على الأقل صديقاً أو زميلاً لك في مثل عمرك قد مات فجأة، وغالباً ما يكون في حادث سيارة، وقد يكون متهاوناً في أداء الصلاة، وأنا أذكر أربعة من زملاء أبنائي ماتوا، منهم ثلاثة لا يصلون، فهل تحب أن تموت وأنت على هذه المعصية الكبيرة؟ جوابك بالطبع سيكون: لا، أحبّ أن أموت وأنا أودي الصلوات، مسلماً عابداً لله - تعالى - . بني: لا أحد يستطيع أن يتحمل عذاب نار جهنم، بل لا أحد يستطيع أن يتحمل لهب نار الدنيا والتي هي عبارة عن جزء من سبعين جزء من نار جهنم، فإذا قيل أتخاف من نار الدنيا؟ فستكون إجابتك بالتأكيد: بلى. إذن فلم لا تخاف من نار جهنم؟. ألم يحن الوقت أن تستعد للموت الذي لا تعلم متى سيكون؟ ألم تسمع قوله - سبحانه - وتعالى -:(أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ...) الآية الحديد:16{ألست مؤمناً؟ وأنت كذلك - أن شاء الله - إذاً لماذا لا يخشع قلبك إلى ذكر الله. بني: لا تجعل أمك أو أباك يبكون عليك بحسرة وندم! ليس لمفارقتك عنهم بالموت، ولكن لما يؤول إليه حالك بعد الموت وأنت تارك للصلاة؟. بني: اسمع هذه القصة... ذهبت إلى زيارة أحد الأخوة طلبة العلم، وبينما نحن وقوف عند باب المسجد بعد صلاة العصر إذا بامرأة تسأله عن ابن لها مات وعمره سبعة عشر عاماً، وهو لا يصوم ولا يصلي ماذا تفعل له؟ فإذا بهذا الأخ - طالب العلم - يخرج ورقة من جيبه ويعطيها إياها قائلاً: إجابة سؤالك في هذه الورقة. استغربت وسألته: ما هذه الورقة؟ فأخرج من جيبه نسخة أخرى من الورقة وأعطاني إياها، فإذا هي فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء عن الموضوع نفسه((امرأة مات ابنها الشاب وهو لا يصلي ولا يصوم، وتسأل هل من شيء تعمله له؟)). فكان الجواب: ابنك إذا كانت هذه حاله فهو مات كافراً ولا عمل ينفعه. بني: أتقبل أن تموت كافراً ومصيرك إلى النار؟ أتقبل أن تعذب والديك حتى بعد مماتك وتجعلهم في حزن مستمر عليك؟ ألا تخشى أن تكون من حطب جهنم وتشرب من الهيم والصديد وعذاب القبر، يالها من سوء خاتمة . فاتق الله يا بني في نفسك. ذهبت إلى أحد الأخوة أعزيه في ابنه الشاب فوجدته - والحمد لله - محتسباً صابراً كأن لم يمت له أحد، وبعد بضعة أشهر مات أخوه فذهبت إليه معزياً فوجدته مهموماً باكياً حزيناً كأنه ساخطاً، استغربت من أمره وسألته: مات ابنك وكنت محتسباً صابراً، واليوم أراك مهموماً حزيناً ساخطاً على موت أخيك؟ قال: يا أبا محمد، ليس الأمر كذلك، ولكن ابني مات وكان شاباً صالحاً مطيعاً لربه - تعالى - فأحسبه والله حسيبه أن خاتمته على خير فكلما أتذكره أظن انه في قبره في روضه من رياض الجنة، أما أخي فقد مات عن معصية، بل معاصي، وأكبرها عدم محافظته على الصلاة، وهذه تكفي لغضب الله - تعالى - ، فكلما أتذكره أتذكر قبره الذي أخشى أن يكون حفرة من حفر جهنم أتخيل تلك الحية السوداء وهي تعصره كلما أتذكره أتذكر الملائكة الغلاظ الشداد وهم فوق رأسه بمطارق الحديد وهم يطرقون رأسه. بني: أنصحك بأن تصلي الآن، ولا تجعل المعاصي التي ترتكبها تمنعك من الصلاة، صلّ الآن، وسوف يمحو الله سيئاتك ومعاصيك - إن شاء الله - بحسنات كثيرة قال - تعالى - ((وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)) [ هود 114 ] . والصلاة يا بني تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي: قال - تعالى - (أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي...)} العنكبوت:45 {بني: قد تكفل الله للمسلمين إذا صلوا كما أمرهم بأن تنهاهم صلاتهم عن ارتكاب الفحشاء والمنكر والبغي، وهذا وعد من الحي القيوم الرحمن الرحيم فصلي بني يحفظك الله من كل سؤ ومنكر. جاءني مريض مصاب بخفقان القلب وبعد الكشف عليه لم أجد عنده مرضاً عضوياً، ففكرت أنه ربما يكون عنده مشكله نفسية، وبعد سؤاله لم أجد عنده ما يستدعي ذلك الخفقان والقلق، وسبب هذا الخفقان أن له ابناً في المرحلة الثانوية لا يصلي أخاف عليه أن يموت وهو على ذلك لا يصلي فيكون مصيره النار - والعياذ بالله - يا دكتور ثلاثة من أصدقاء ابني ماتوا وهم لا يصلون بحوادث سيارات وواحداً منهم احترق في سيارته أخشى أن يكون مصير أبني هذا المصير السيئ الذي تراه. بني: أترضى أن تكون مصدر قلق لوالديك في حياتك وبعد مماتك، إذا مت على معصية ترك الصلاة أبني: لا أريدك أن تندم إذا مت وأنت لا تصلي قال - تعالى - ((حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت .. [ المؤمنون 1.. ] ثم يأتيك الرد قال - تعالى -:(....كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [ المؤمنون 1.. ] وتكون النتيجة أنك تجر إلى جهنم مع العصاة زمراً فعليك باتباع ما قال - تعالى -:(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُون (}آل عمران: 1.2{ وقال - تعالى -: (..وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) {النور:31} بني: بادر بالصلاة الآن ولا تقل غداً حتى لا تندم كما يندم العصاة، قال - تعالى -: (يَومَ تَجِدُ كُلٌّ نَفسٍ, مَّا عَمِلَت مِن خَيرٍ, مٌّحضَرًا وَمَا عَمِلَت مِن سُوَءٍ, تَوَدٌّ لَو أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالعِبَادِ)} آل عمران آية 3.{ واسمع ما قاله الله - تعالى - عن الشيطان حيث حذر منه وأمرنا أن لا نتبعه بل أمرنا أن نتخذه عدوا قال - تعالى -: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) ?{فاطر:6} وقال - تعالى - عن النفس: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم) {يوسف:53}. فطوع نفسك وسيطر عليها بالصلاة فيمنعك الله من شر نفسك ويحميك منه. بني: لا تتبع هواك، فاتباع الهوى يؤدي بصاحبه إلى التهلكة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من اتباع الهوى:\" إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى وطول الأمل،فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فإنه ..... للدنيا\". بني عليك أن تحذر من أعدائك الثلاثة: النفس، الهوى، الشيطان، فلا تجعلهم يوردونك المهالك وتكون عاقبتك النار، فعليك بمحاربتهم ومقاومتهم وستنتصر عليهم بإذن الله. وأول حرب عليهم يكون بالمحافظة على الصلاة في جماعة، قال الله - تعالى - (... ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2)ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) {الطلاق:2 - 3}.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد