بسم الله الرحمن الرحيم
إن أراد الداعية أن يغبط نفسه، فإنه يغبطها على قانون تجارته الفذ، حقاً، إنه قانون مربح خال من الغموض فتجارة الدعاة مع الله ليست كتجارة غيرهم، ليس فيها قلق تخفيض سعر الدولار، ولا مخاطر مضاربات البورصة، و لا تعقيدات التحويل الخارجي سعر أسهم الداعية ثابت، بل يزيد، و لا ينقص، والوضوح في معادلات تجارته هو أعظم ضماناً من التأمين:
تعب أكبر = رضوان من الله أكبر، بفائدة ربانية، أدناها 900% تسعمائة بالمائة،تسعمائة بالمائة كما في الآية الكريمة: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}، وليست مجرد 7 % كما عند تجار الدنيا، إلى 69900%، تسع , و ستين، و ألفاً، وتسعمئة بالمئة، كما في الحديث:\"يضاعفها الله إلى سبع مئة ضعف\"و رضوان الله = أفراح الآخرة.
هذه هي معادلاته ن وقوانينه التجارية، و يا لها من إغراءات ما بعدها إغراء!! ومن هنا لا تجد أحداً يفهم قوانين التجارة الإيمانية، إلا،وتراه مشمراً مع المشمرين، مسرعاً نحو أفراح الآخرة و يا لها من أفراح تتنوع لك كما تشتهي، تشتهيها نظراً إلى ربك الجميل - عز وجل -، أو ملاقاة لأنبياء ربك، ورسله، أو رفقة للصديقين، والشهداء، ومن سلف من الأمة من العلماء، كل ذلك لك أو تشتهيها كئوس خمر، على سرير موضون، يطوف بهن عليك ولدان مخلدون، هذا وعشرة أمثاله لك أو تشتهيها قاصرة طرف، عذراء ناهدة، تحت أشجار نخل، ورمان، خالياً عند شاطئ نهير على أنغام تغريد طير، هي و أخواتها لك فاختر ما تحب من سرعة سير، فإن يحيى بن معاذ قد نظر إلى القافلة، فوجد فيها الماشي و المهرول و الراكض ثم نظر إلى درجات الجنة، فوجد أنهم:\"إنما ينشطون إليه على قدر منازلهم لديه\"، فلكل درجة نشاط في السير إلى الله، درجة من الجنة لدى الله.
درجات طبقات:
فادفع ثمن الواطئ، أو العالي، إن لك الخيار، إنما نذكرك أنه ملك، وما هو ـ والله ـ باستئجار و لكنا نعلم اختيارك، وما أنت بالذي يرضى الواطئ من الجنة أني لصاحب الاستعلاء في الدنيا، أن لا يطمع بعليين في الآخرة؟! لكنها جسيمة مطامعك هذه مثلما هي جسيمة أهدافك في الدنيا
فاعلم بأنك لن تنال جسيمة حتى تجشم نفسك الأهوالا.
شرط و ثمن:
فما هو بقدم هول واحد إذن،إنما ذاك في تربية فترة الابتداء، وإنما هي أقدام الأهوال هول من بعد هول، ولا نعدك في طريق أن تطأ الورود، لكنها طبقة من بعد طبقة، باب فربض ففردوس، فعليون يعدك الله إياها، قد يكون هذا الهول تكذيبا من الناس لك، أو معاداة من الأهل أو نفياً من ظالم، أو سجناً من طاغية وقد يكون هذا الهول تعباً يومياً، أو فقراً، أو نسياناً لفرصة ثراء تمر بك، وأنت لاه بعمل الدعوة، أو عزوفاً عن جميلة حسناء، غرها زي الجاهلية، وددت أنها لو تعف، فتكون لك زوجاً، لهذه الأهوال كان طريق الحق ثقيلاً، لا يلجئه إلا لمن اشتاق للجنة، و كان ثقيلاً في القديم أيضاً، كما هو اليوم لذلك تجد وصفه، عند من ربى الدعاة قديماً، كما تجد وصفه عند خلفهم الآن، فكان الحسن البصري يردد،\"إن هذا الحق ثقيل وقد جهد الناس، و حال بينهم وبين كثير من شهواتهم، و إنه والله لا يسير على هذا الحق إلا من عرف فضله، و رجا عاقبته\"فمن عرف جمال العاقبة، و لذتها سار، ومن سار سافر ومن سافر، جاب ومن جاب تغبر فمن ثم لا يصدق اصطلاح الداعية، إلا على من كان أشعث، وتلك هي ملامح صورته، التي رسمها الشاعر، فمن نظر إلى داعية مسلم، وجده:
أخا سفر جواب أرض تقاذفت به فلوات فهو أشعث أغبر
فهو غير قاعد، فضلاً عن أن يكون راقداً، وإنما يصرف ساعات نهاره، وليله في التجول داعياً، آمراً مربياً ناهياً حاشداً، فإذا رجع إلى بيته، عند منتصف الليل، ورأى الغبار يعلوه، ابتسم فمه و ضحك قلبه، و قال لنفسه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\"من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار\"، فينام مسروراً بما جمع من هذا الغبار، وينام غيره مسروراً بما رصد في البنوك، من دولار ودينار ولو شاء أن يجمع غباره يوماً بعد يوم، ليرش في كفنه إذا مات، لكان ذلك سائغاً، لو عصم نفسه من الغرور، والله أعلم، وله سلف فعل ما فعل، و به يقتدي، هو ملك الأندلس العادل البطل: المنصور أبو عامر، محمد بن أبي عامر قالوا:\"كان طول أيام مملكته مواصلاً لغزو الروم، مفرطاً في ذلك، لا يشغله عنه شيء، و بلغ من إفراط حبه للغزو، أنه ربما خرج للمصلى يوم العيد، فحدثت له نية في ذلك، فلا يرجع إلى قصره، بل يخرج بعد انصرافه من المصلى ـ كما هو من فوره ـ إلى الجهاد، فتتبعه عساكره و تلحق به أولاً بأول، فلا يصل إلى أوائل بلاد الروم، إلا، و قد لحقه كل من أراده من العساكر غزا في أيام مملكته نيفاً، وخمسين غزوة، ذكرها أبو مروان بن حيان كلها في كتابه الذي سماه المآثر العامرية، واستقصاها كلها بأوقاتها، وذكر آثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، و وصل إلى معاقل، كانت قد امتنعت على من كان قبله، وملاً الأندلس غنائم كان في أكثر زمانه لا يبخل بأن يغزو غزوتين في السنة، و كان كلما انصرف من قتال، يأمر بأن ينفض غبار ثيابه، التي حضر فيها معمعة القتال، و أن يجمع، و يحتفظ به، فلما حضرته المنية، أمر بما اجتمع من ذلك، أن يكون على كفنه، إذا وضع في قبره و أتت وفاته بأقصى ثغور المسلمين، بموضع يعرف بـ\"مدينة سالم\"، مبطوناً، فصحت له الشهادة، وتاريخ وفاته سنه 393هـو إنما هو غبار واحد، غبار معارك أبي عامر، و غبار سفر، و تجواب، و تجول الداعية الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد