بسم الله الرحمن الرحيم
\"وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ\"
الوقت من ذهب، وهذا صحيح من ناحية القيم المادية للذين لا يقيسون الوجود إلا بها، ولكن الوقت هو الحياة للذين ينظرون إلى أبعد من ذلك.
وهل حياتك أيها الإنسان ي هذا الوقود شيء غير الوقت الذي يمضي بين الوفاة والميلاد؟ وقد يذهب الذهب وينفد ولكنك تستطيع أن يكون منه أضعاف ما فقدت، ولكن الوقت الذاهب والزمن الفائت لا تستطيع له إعادة أو إرجاعا، فالوقت إذاً أغلى من الذهب وأغلى من الماس، وأغلى من كل جوهر وعرض لأنه هو الحياة.
وليس النجاح متوقفا على الخطة الدقيقة، والظروف المواتية فحسب، ولكنه متوقف على اللحظة المناسبة كذلك، وقد كانوا يحذرون من الرأي الفطير، ومن الرأي المتأخر أيضا، والتوفيق أن يقع العمل في لحظته المناسبة:
(وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ) (المزمل:20)
ولهذا كان أعظم الناس تعرضا للخسارة والإخفاق أولئك الغافلون.
(وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) (لأعراف:179).
ولقد كان من دعاء الصديق - رضي الله عنه -: (اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غرة و ولا تجعلنا من الغافلين)، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يدعو بان يرزقه الله البركة في الأوقات وإصلاح الساعات، ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن عمره فيما أفناه؟ وعن ماله مم اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟
ومن أروع الصور التي عرض فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيمة الوقت الكريم: (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فغني لا أعود إلى يوم القيامة أبدا).
ليس أغلى في الوجود إذاً من الوقت، وغنم الأوقات لتتفاوت في يمنها وبركتها وحسن حظها وسعادة جدها، فساعة أعظم بركة من ساعة، ويوم أفضل عند الله من يوم، وشهر أكرم من شهر.
هو الجد حتى تفضل العين أختها وحتى يكون اليوم لليوم سيداتي وسادتي
وتلك فرصة أتاحها الله لنا نحن المؤمنين ولنطرد فيها شبح الغفلة، ولنعود فيها إلى التذكرة واليقظة، ولنغنم منها نفحات الفضل حين تهب نسمات القبول، فإن الحسنة تتضاعف في هذه الأوقات المباركة، فيرفع الله فيها من درجات عباده الصالحين، كما يفتح باب المتاب على مصراعيه ليدخل من أراد الله به الخير من التائبين المنيبين.
ولقد جاءت الآيات الكريمة تشير إلى هذه الأوقات اليومية والأسبوعية والسنوية، كما أكدت ذلك التوجيهات النبوية.
فالله تبارك و تعالى - يقول: (فَسُبحَانَ اللهِ حِينَ تُمسُونَ وَحِينَ تُصبِحُونَ) (الروم:17).
ويقول: (وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرٌّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُن مِنَ الغَافِلِينَ) (لأعراف:205).
ويقول: (وَالفَجرِ، وَلَيَالٍ, عَشرٍ,) (الفجر:1-2).
ويقول: (لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ, مَعلُومَاتٍ,) (الحج:28).
ولقد وجهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قيمة الوقت وطريق الانتفاع به،فيما ورد عنه في كثير من الأحاديث، مشيرا إلى أن المؤمن بين مخافتين، بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت.
فيا أيها الأخ العزيز:
أمامك كل يوم لحظة بالغداة ولحظة بالعشي، ولحظة في السحَر، تستطيع أن تسمو فيها كلها بروحك الطهور إلى الملأ، فنظفر بخير الدنيا والآخرة، وأمامك يوم الجمعة وليلتها، تستطيع أن تملأ فيها يديك وقلبك وروحك بالفيض الهاطل من رحمة الله على عباده، وأمامك مواسم الطاعات وأيام العبادات وليالي القربات، التي وجهك إليها كتابك الكرم ورسولك العظيم، فاحرص على أن تكون فيها من الذاكرين لا من الغافلين، ومن العاملين لا من الخاملين، واغتنم الوقت فالوقت كالسيف، ودع فلا أضر منه:
وكن صارما كالوقت فالمقت في عسى وخـل لعـل فهي أكبر علـة
وسل الله لنا ولك التوفيق للعمل المقبول والوقت الفاضل
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد