بين الشباب والشيوخ (الحلقة الثانية)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لست أردد أبداً مـا قالـه من قبل الأسـتاذ عبد الوهاب المسـيري: \"أقول لجيلي:  لقد آن لكم أن تسلموا الشعلة لمن بعدكم، لكن جيلي مصرُّ على أن يبقى ممسكاً بالشعلة حتى تنطفئ!!\" فالأستاذ المسيري إنما قال ما قالـه – باعتقادي – فـي معـرض دعوته إلى إعطاء الشباب من الدور والمكانة ما يستحق في مركز القرار وقيادة العمل، وحُقَّ لـه أن يبالغ في دعوته هذه وهو من جيل حمل همَّ الدعوة مبكراًº ونشأ معها شـاباًº وتحمَّل في سبيلها عند كل منعطف ألم الجراح.

 

لكني أدعو إلى أن نثق أكثر بشبابنا، وأن نشاركهم حمـل الهـمِّ، فمن حقهم بل من واجبنا وواجبهم أن يعيشوا مشكلات أمتهم ويحملوا همومها ليكونوا في طليعة من يتصدى للتحديات التي تواجهها، تماماً كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو المؤيد بالوحي وقد قال: \"آمن بي الشباب وكفر بي الشيوخ\" فقامت دعوته على الشباب، لا على سواعدهم فحسب وإنما على آرائهم وأفكارهم، ومشورتهم وآمالهم وتطلعاتهم.  وكم كان يقول لهم - صلى الله عليه وسلم- عند كل منعطف: \"أشيروا علي أيها الناس، أشيروا علي أيها الناس\". وما منعه أبداً الوحي أو حالت الرسالة دون أن ينـزل عند حكمهم في بعض ما كان له فيه رأياً آخر. بل لقد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمير أقدس بلاد الله مكة شـاب عمره سـتة عشـر عاماً هو عتاب بن أسيد، وقائد أعظم جيوش الإسلام وأخطرها شـاب عمره ثمانية عشـر عاماً هو أسـامة بن زيد، حتى لَيُخَيَّل للناظر إلى تعامله - عليه الصلاة والسلام- مع عظائم الأمور وتكليفه بمن يتصدي لها أنه لم يكن في أتباعه إلا الشباب!!

 

لقد أعطانا القرآن الكريم صورة مشرقة عن عناية منهج الوحي بالشباب ودوره في ريادة العمل الإسلامي وترشيد مساره وحمل أعبائه، فهذا يوسف - عليه السلام- نموذج الطهارة بعفته والكفاءة في ولايته، وهذا موسى - عليه الصلاة والسلام- في قوته وأمانته، وإبراهيم في بحثه عن الحقيقة وثباته على المبـدأ، وفتية الكهف في صدق الإخاء واستقلالية الشخصية..  ثم هذا نبينا محمد - صلى لله عليه وسلم- بشبابه وفتوته وقد قال لنا الله – سبحانه- فيه - عليه الصلاة والسلام-: \"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً\".

 

فرفقاً بالشباب يا دعاة الإسلام، وثقـة بهم يا قـادة الدعـوة، فبهم قامت الدول وتحققت الغايات، وبتضييع طاقاتهم والتشكيك بقدراتهم تهزم الدعوات، وبالتكامل بين أجيال الدعوة المتعاقبة نحقق فينا صفة الصفوة الذين - رضي الله عنهم- فقال فيهم: \"يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمانº ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنواº ربنا إنك رؤوف رحيم\".  اللهم اجعلنا منهم، آميـــن.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply