هكذا علمنا السلف (39 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السهم السادس: التطلع للرياسة:

من خصائصها فرارها ممن طلبها وبقاء وزرها:

قال سفيان الثوري: «من طلب الرياسة قبل مجيئها: فرت منه»(1).

 

من إفرازاتها تنقص الناس وعيبهم:

 قال الفضيل بن عياض: «ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحداً عنده بخير، ومن عشق الرياسة فقد تُودِّع من صلاحه»(2).

 

الانحراف وليد الرياسة:

 قال شداد بن أوس - رضي الله عنه -: «يا بقايا العرب: إن أخوف ما أخاف عليكم: الرياء، والشهوة الخفية».

قيل لأبي داود السجستاني: «ما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرياسة».

فقال ابن تيمية معقباً: «فهي خفية، تخفي عن الناس، وكثيراً ما تخفي على صاحبها»(3).

قال أبو العتاهية:

    أُخيً من عشق الرئاسة خفت أن *** يطغى ويحدث بدعة وضلالاً

 

الرئاسة تورث خفة العقل والتذبذب:

قال ابن تيمية: «يجتذبه الشرف والرياسة، فترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه ولو بالباطل، ويعادي من يذمه ولو بالحق»(4).

 

البعد عن حلقات التعليم والاستفادة من الآخرين من أبرز معالمها:

قال عمر - رضي الله عنه -: «تفقهوا قبل أن تسوّدوا»(5).

وقال الإمام الشافعي: «إذا تصدر الحدث: فاته علم كثير»(6).

 

لا يدرك ضررها إلا الربانيون:

قال سفيان الثوري: «إياك وحب الرياسة، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة، فتفقد نفسك، واعمل بنية»(7).

 

أصعب أبواب الزهد يكمن في الرياسة:

قال سفيان الثوري: «ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرياسة»(8).

 

التحذير من التطلع إليها أو طلبها:

روى البخاري عن عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه و سلم -: «يَا عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ سَمُرَةَ لا تَسأَلِ الإمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِن أُوتِيتَهَا عَن مَسأَلَةٍ, وُكِلتَ إِلَيهَا، وَإِن أُوتِيتَهَا مِن غَيرِ مَسأَلَةٍ, أُعِنتَ عَلَيهَا».

 

كره السلف لها:

قال عبيد الله بن الحسن العنبري: «لأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل»(9)، قال ذلك حين رجع عن أقوال له خالفت السنة. بعد أن كان مصدراً في جماعته، أصبح تلميذاً. فقيل له في ذلك كنت رأساً وعلماً ووو. فقال تلك الكلمة.

 

كيف بمريدها للإصلاح:

قال أبو بكر الطرطوشي الأندلسي: «إن من حصل بين يدي ملك لا يعرف قدره، أو أمة لا يعرفون، فخاف على نفسه، أو أراد إبراز فضله: جاز له أن ينبههم عن مكانه وما يحسنه، دفعاً للشر عن نفسه، أو إظهاراً لفضله فيجعل في مكانه».

 

قال: «وفيه فائدة أخرى: وهو أنه إن رأى الأمور في يد الخونة واللصوص ومن لا يؤدي الأمانة، ويعلم من نفسه أداء الأمانة مع الكفاية: جاز له أن ينبه السلطان على أمانته وكفايته.

ولهذا قال بعض العلماء من أصحاب الشافعي: من كمل فيه الاجتهاد وشروط القضاء: جاز أن ينبه السلطان على مكانه، وخطبه خطبة القضاء.

 وقال بعضهم: بل يجب ذلك عليه إذا كان الأمر في يدي من لا يقوم به(10).

 

قال ابن القيم: «والفرق بين حب الرياسة وحب الإمارة للدعوة إلى الله هو الفرق بين تعظيم أمر الله والنصح له، وتعظيم النفس والسعي في حظها، فإن الناصح لله المعظم له المحب له يحب أن يطاع ربه فلا يعصى، وأن تكون كلمته هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه، فقد ناصح الله في عبوديته، وناصح خلقه في الدعوة إلى الله، فهو يحب الإمامة في الدين، بل يسأل ربه أن يجعله للمتقين إماماً، يقتدي به المتقون، كما اقتدى هو بالمتقين.

 

فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى الله أن يكون في أعينهم جليلاً، وفي قلوبهم مهيباً، وإليهم حبيباً، وأن يكون فيهم مطاعاً لكي يأتموا به ويقتفوا أثر الرسول على يده: لم يضره ذلك، بل يحمد عليه لأنه داع إلى الله يحب أن يطاع ويعبد ويوحد، فهو يحب ما يكون عوناً على ذلك موصلاً إليه، ولهذا ذكر - سبحانه - عباده الذين اختصهم لنفسه وأثنى عليهم في تنزيله وأحسن جزاءهم يوم لقائه، فذكرهم بأحسن أعمالهم وأوصافهم ثم قال: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ, وَاجعَلنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَاماً}، فسألوه أن يقر أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له – سبحانه -، وأن يسر قلوبهم بإتباع المتقين لهم على طاعته وعبوديته، فإن الإمام والمؤتم متعاونان على الطاعة فإنما سألوه ما يعينون به المتقين على مرضاته وطاعته، وهو دعوتهم إلى الله بالإمامة في الدين...».

 

ثم قال: «وهذا بخلاف طلب الرياسة، فإن طلابها يسعون في تحصيلها لينالوا بها أغراضهم من العلو في الأرض، وتعب القلوب لهم، وميلها إليهم، ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم، مع كونهم عالين عليهم قاهرين لهم، فترتب على هذا المطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله من البغي والحسد والطغيان والحقد والظلم والفتنة، والحمية للنفس دون حق الله وتعظيم من حقَره الله، واحتقار من أكرمه الله، ولا تتم الرياسة الدنيوية إلا بذلك ولا تنال إلا به وبأضعافه من المفاسد، والرؤساء في عمى عن هذا، فإذا كشف الغطاء تبين لهم فساد ما كانوا عليه، ولا سيما إذا حشروا في صور الذر يطؤهم أهل الموقف بأرجلهم، إهانة لهم وتحقيراً وتصغيراً، كما صغروا أمر الله وحقروا عباده»(11).

 

----------------------------------------------------------

(1) العوائق لمحمد الراشد/88.

(2) العوائق لمحمد الراشد/88.

(3) مجموع فتاوى ابن تيمية 16/346.

(4) المصدر السابق.

(5) صحيح البخاري 1/28.

(6) فتح الباري 1/175.

(7)العوائق لمحمد الراشد 87.

(8)العوائق لمحمد الراشد 87.

(9) تهذيب التهذيب 7/7.

(10) سراج الملوك 79.

(11) الروح، لابن القيم 340-241.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply