كيف يكون الداعية شخصية محبوبة ?


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما هي المحبة وأنواعها ؟

المحبة ميل النفوس إلى ما تراه أو تظنه خيرًا، وذلك ضربان:

طبيعي: وذلك في الإنسان والحيوان، وقيل: قد يكون بين الجمادات، كالألفة بين الحديد وحجر المغناطيس.

اختياري: وذلك يختص به الإنسان،

وهو أضرب:

ومنها: ما يكون للفضيلة كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى:{ الأَخِلَّاءُ يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلَّا المُتَّقِينَ(67)} [سورة الزخرف].

 

فضيلة المحبة:

أحد أسباب نظام أمور الناس المحبة، ثم العدالة، فلو تحاب الناس، وتعاملوا بالمحبةº لاستغنوا عن العدالة، فقد قيل: العدالة خليفة المحبة تستعمل حيث لا توجد المحبة، ولذلك عظَّم الله المنة بإيقاع المحبة بين أهل الملة، فقال:{ لَو أَنفَقتَ مَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم(63)} [سورة الأنفال] { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحمَنُ وُدًّا(96)} [سورة مريم]، أي محبة في القلوب، وتنبيهًا على أن ذلك أجلب للعقائد وهو أفضل من المهابةº فإن المهابة تنفر، والمحبة تؤلف. وكل قوم إذا تحابوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمروا.

 

حاجة الداعية إلى أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة:

من الجوانب التي تعين الأخ على أن يجعل من نفسه شخصية محبوبة:

الألفة: ذلك أن الإنسان مقصود بالأذية، محسود بالنعمة، فإذا لم يكن آلفًا مألوفًاº تخطفته أيدي حاسديه، وتحكمت فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تصف له مدة، فإذا كان آلفًا مألوفًاº انتصر بالألفة على أعاديه، وامتنع من حاسديه، فسلمت نعمته منهم، وصفت مدته عنهم. وقد روى جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله علي وسلم -، أنه قال:[المُؤمِنُ آَلِفٌ مَألُوفٌ وَلَا خَيرَ فِيمَن لَا يَألَفُ وَلَا يُؤلَفُ وَخَير النَاسِ أَنفَعُهُم لِلنَاسِ] رواه الدار قطني في الأفراد، والضياء في المختارة، وحسنه الألباني في الصحيحة 427 .

 

والمؤاخاة في الناس قد تكون على وجهين:

أخوة مكتسبة بالاتفاق الجاري مجرى الاضطرار.

أخوة مكتسبة بالقصد والاختيار.

 

فأما الأخوة المكتسبة بالاتفاق: فأول أسبابها التجانس، فإن قويº قوي الائتلاف. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:[الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ] رواه البخاري معلقاً مجزوماً به من حديث عائشة، ورواه مسلم وأبو داود وأحمد من حديث أبي هريرة.

 

وأما الأخوة الثانية وهي المكتسبة بالقصد: فلابد لها من داع يدعو إليها، وباعث يبعث عليها، وهذا ما يعنينا بهذا البحث،

 

وقد يكون الداعي إليها من وجهين: رغبة وفاقة.

 

فأما الرغبة: فهي أن يظهر من الإنسان فضائل تبعث على إخائه، ويتوسم بجميل يدعو إلى اصطفائه. وهذه الحالة أقوى من التي بعدها لظهور الصفات المطلوبة، من غير تكلف لطلبها، وإنما يخاف عليها من الاغترار بالتصنع لها، فليس كل من أظهر الخير كان من أهله، ولا كل من تخلق بالحسنى كانت من طبعه، والتكلف للشيء مناف له، إلا أن يدوم عليه، مستحسنًا له في العقل، أو متدينًا به في الشرع، فيصير متطبعًا به، مطبوعًا عليه.

 

وأما الفاقة: فهي أن يفتقر الإنسان لوحشة انفراده، ومهانة وحدته، إلى اصطفاء من يأنس بمؤاخاته، ويثق بنُصرته وموالاته. وقد قالت الحكماء: من لم يرغب في ثلاث بُلي بست: من لم يرغب بالإخوان بُلي بالعداوة والخذلان. ومن لم يرغب في السلامة، بُلي بالشدائد والامتهان، ومن لم يرغب في المعروف بُلي بالندامة والخسران. وقيل لمعاوية: أيما أحب إليك؟ قال:صديق يُحَبِّبني إلى الناس.

 

الإغضاء عن هفوات من تريد مصاحبته:

يقول الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين:( ثم لا ينبغي أن يُزهد فيه، لخُلق أو خلقين ينكرهما منه، إذا رضي سائر أخلاقه، حمد أكثر شيمهº لأن اليسير مغفور، والكمال مُعوز، وقد قال: أبو الدرداء - رضي الله عنه -: ومعاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله. وقال - رضي الله عنه -:إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply