صِفَتا القائد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن القائد هو رأسٌ في قومٍ, ، و هو علمٌ في أرضٍ, ، إليه تشرأبٌّ الأعناق ناظرةً ، و عليه اعتماد النفوس الواثقة .

كيف لا º و هو ما نالَ سِمَةَ القيادة إلا بعد أن كان فيهم خيرَ ما يكون ، و لمحَ شأنه بينهم بأحسنِ لمحةٍ, و أزكاها .

و من طبيعةِ النفوس ألا ترضى لنفسها بالدُونِ ، و لا تُبدي الضَّعةَ في حياتها º إذ هيَ ظانَّةٌ أنها غنيةٌ عن رقابةِ مراقبٍ, ، و عن ملاحظةِ ملاحظ .

لكن _ و لله الأمرُ من قبلُ و من بعد _ جرَت حكمة الله _ تعالى _ أن يكون الناسُ بفطرتهم يميلون إلى من يأخذ بهم نحو شواطيء النجاء ، و يسير بهم في دربٍ, يضمنون فيه سلام حياتهم ، و لا غروَ إذ النفوس قد جُبِلَت على التقليد ، و صُبِغَت على المُحاكاة .

و حيثُ أن الإمام ابن خلدونٍ, _ رحمه الله _ قد قرَّرَ في [ المقدمة ] قاعدةَ : تقليدُ المغلوب للغالب في سائرِ أموره ، إلا أننا نقولُ بأن القيادةَ في العمل البشري هي سرٌّ يرعيه أقوامٌ تصنعهم رعية .

ليس اتِّخاذُ الناسِ شخصاً قائداً لهم عن ذلةٍ, و لا عن مسكنَةٍ, و لا عن مَعجَزَةٍ, ، و إنما اتخاذُه عن معونةٍ, منه لهم على إحكامِ الأمور ، و إحسان مسيرةِ الأحوال .

و على هذا فمتى لَحَظُوا من القائدِ مَيلَةً عن صائبِ الطريقِ عَمَدوا إلى تثبيتِ غيرِه مكانه ، إذ تمَّ صرفُ النظرِ عنه لعدم أهليته .

و من أجل هذا جاءت الشريعةُ بتقريرٍ, لمثل هذا ، منه النهي عن إمامةِ شخصٍ, لقومٍ, يكرهونه .

و المُرادُ بعدم حبهم للقائد ، و كرههم له إنما هو فيما يتعلَّقُ بالدين لا فيما يتعلَّقُ بدنياه ، و على هذا يُفقَهُ الحديث في النهي عن إمامة قوم له كارهون _ كما ذكر ذلك الإمام الخطابي _ .

و سدَّاً لزعزعة كيان المجتمع _ أي مجتمعٍ, _ فلابدَّ للقائدِ من صفتين تجتمعان فيه ، هما أُسُّ له في أدام ما أُوكِلَ إليه على وجهٍ, تامٍ, .

الأولى : القوة ، و هي أصلُ إتقانِ العمل ، و هما قوتان :

أولاهما : قوةٌ علمية ، و هذه تكون بالحفظ للمعلوم ، و تكون بفهمه .

ثانيتهما : قوةُ عملية ، و هي الكائنة في : حُسنِ الأداء ، و حسن الطرح ، و حسن التفهم للأمور .

فالقائد إذا كان على جانبٍ, من العلم في حقيقة القيادة التي هو قائمٌ عليها و بها فإنه بلا ريبٍ, سيكون أداؤه غايةٌ في التوفيق ، و منتهى النجاح .

و مغالطةُ النفسِ حينئذٍ, و مخادعة الناس سيكون نتاجها علقمٌ يعيشهُ الكلٌّ .

و هذه تنكشفُ في بيان الصفةِ الثانية ، و هي :

الثانية : الأمانة ، و هي صلٌ ثانٍ, في المسلك القيادي ، و هي أمانتان :

أولاهما : أمانةُ علمٍ, ، بمعنى : أن يكون القائد عارفٌ من نفسهِ أهليته للقيادة ، عارفٌ أنه كُفؤٌ للسياسة الناس الذين تحت رؤيته .

أما إن كان غير ذلك ، و تبنَّى القيادة فلا أكادُ أن أقول : إلا أن هذه خيانة ، و سينالُ عاقبةَ أمره خُسراً ، و أقول : يداك أوكتا و فوك نفخ .

تنبيهٌ : قد يتعلَّلُ البعضُ بأنه ليس أهلاً لأن يكون قيادياً ، و هو في الحقيقة أهلٌ لها و لغيرها ، فهذا لا يُنظَر أصلاً لدعواه ، و يُهملُ تواضعه و وَرَعُه .

الأمانة الثانية : أمانةٌ عملة ، و أعني بها : رعايةُ الأمر المُوكَل إلى الشخص بأمانةٍ, و إتمامٍ, على أكملِ وجهٍ, و أتمِّه .

و أمانةُ العمل تُراعى من جهتين :

الأولى : جهة السلامةِ من في الظاهر .

الثانية : جهةُ السلامة في المعنى .

هاتان صفتان مهمتان للقائد المؤتمن ، و القائد الحافظ للأمور على وجهها ، و أما من خالفت نفسه حقائق هاتين الصفتين فإبعاده خير ، و الجنوح به نحو الإقصاء البعيد أسلمُ له و لغيره .

و يجبُ على من تولَّى شيئاً و هو ليس أهلاً أن يقوم بأحد أمرين :

أما الأول : فالتعديلُ و التقويم لنفسه .

و أما الثاني : فالمطالبَة بإعفائه عن القيادة .

و كلاهما أمرُ خيرٍ, و برٍّ, له ، و منقبةٌ تُحفَظُ له .

سدَّ الله الخُطى ، و بارك في الجهود ، و أدام على الجميع توفيقه و منفعته و فضله .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply