طريقة التلقين وطرائق التفكير : معوقات التحول


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا يبادر المعلم للانتقال من الطرق التلقينية إلى طرائق الإبداع والتعليم بالتفكير في المدرسة؟ يكثر في هذه الفترة الحديث بين الأوساط التربوية، وتكثر كذلك المقالات التي تنشر في المجلات التربوية عن استمرار المعلم في استخدام الطرق التقليدية في التدريس، وأنه مازال يستخدم استراتيجية التحفيظ التي نشأ معظم أبناء القرن العشرين عليها، على الرغم من أن العالم من حولنا قد تطور وقطع شوطاً طويلاً في تعليم الطلاب في المدارس بأساليب واستراتيجيات تدريسية متطورة تستخدم التقنية الحديثة، وتعد طالباً وإنساناً ذا شخصية مستقلة مفكرة قادرة على أن تتفاعل مع معطيات الحياة، وتمتلك القدرة في استثمار ما هو متاح لها من مخترعات ومكتشفات. وهنا يأتي السؤال المهم لماذا لا يبادر ولا يجرؤ معلمنا في المنطقة العربية على الانتقال من طرائق التلقين في تدريسه إلى طرائق وأساليب إبداعية تعلم أبناءنا التفكير والنقد البناء في كل المواضيع؟ وكمتعلم في ركب التربية الحديثة فإنني أرى أن هناك أسباباً عديدة تكمن وراء ذلك وتقف عائقاً رئيساً في عدم تمكن المعلم من أخذ فرصته في التغيير، والتطوير، والانتقال مما أصبح غير مقبول عالمياً إلى ما هو مطلوب وملح في هذه المرحلة، ومن أهمها ما يأتي:

 أولاً: الألفة والدفء اللذان يكونان بين المعلم والأساليب التقليدية طيلة السنوات الماضية، وما اكتسبه من قناعات تجذرت في عقليته، مما أدى ليس فقط إلى ممارستها بل الحرص عليها والدفاع عنها، وإقناع الآخرين بأنها الأفضل بلا شك، ولدى المعلم الكثير من المؤشرات التي يدلل بها على ذلك، مثل قبول طلابه هذه الأساليب، وإصغائهم بعناية لما يقوله معلمهم.

 ثانياً: ظهور العقبات والصعوبات نتيجة التغيير والانتقال من الطرائق التقليدية إلى الأساليب الإبداعية، مما يؤدي إلى تراجع المعلم إلى الأساليب التي يتقنها، وقد سيطر بخبرته على كل صعوباتها ومشكلاتها، وتعود على تلك المشكلات وألفها وما عادت تشكل أي خطر يهدد وجوده وشخصيته أمام طلابه. وبالتالي فإن مؤشر ظهور الصعوبات والعقبات من استخدام الأساليب الحديثة يوهم بأنها قليلة الفائدة للطلاب وتحتاج إلى جهود عظيمة لتجاوزها والسيطرة عليها.

ثالثاً: قوة شخصية المعلم الذي بذل جهداً كبيراً لبنائها وقد عرفها هو في نفسه، وعرفها مديروه الذين توالوا على إدارة مدرسته، وكذلك عرفها زملاؤه المعلمون وتميز بها في المجتمع المحلي المحيط بمدرسته، فليس من السهل التنازل عن هذا الدور الذي أصبح جزءاً مهماً من شخصيته لانتهاج دور آخر - في ظنه- أنه قد يذوِّب هذه الشخصية أو يؤثر عليها أو يضعفها أحياناً، وبالتالي يثير ذلك الفهم الخاطئ ردود الفعل الرافضة للانتقال إلى استخدام أساليب جديدة أو حديثة.

 رابعاً: قناعة المعلم بأن الطالب بحاجة إلى كل معلومة يملكها المعلم، وأنه المصدر الرئيس والوحيد في تعليم الطالب، وتلقينه وعدم اعترافه بأن الطالب قد أصبح شريكاً في بناء المواقف التعليمية، ولا يمكن بناء أي موقف تعليمي ناجح تتحقق فيه أهداف تعليمية إلا إذا شارك الطالب فيه، وأسهم بفكره، ورأيه، وأسئلته، واستفساراته، وخبرته ليصبح التعلم الجديد جزءاً من المنظومة العلمية والفكرية لكل طالب شارك وأسهم في ذلك التعليم، وللأسف فإن هذا الدور الجديد للطالب لا يعترف به في المدرسة وفي داخل الحجرة الصفيةº لكنه قد يعترف به خارجها إذ يتعامل المعلم بصفته أباً مع أبنائه بطريقة ديمقراطية يسألهم عن آرائهم ويسمح لهم بمخالفته ويتقبل هذه المخالفة، لا بل أحياناً يستجيب لهم على الرغم من أنها تخالف رأيه أو وجهة نظره. ولا يتعامل بهذه الطريقة مع طلابه في الغرفة الصفية. خامساً: الخوف من التغيير بسبب عدم وضوح الرؤيا فيه، والإنسان عموماً بطبيعته يهاب التغيير ولا يجرؤ على اتخاذ القرار فيه ولاسيما إذا كان هذا الدور الجديد غير واضح المعالم، وربما يكتنفه بعض المخاطر التي قد تكلف المعلم جهوداً كبيرة وخسارات غير متوقعة وليست في الحسبان، والتغيير لا يمكن أن يأتي إلا بقناعة داخلية ومبادرة ذاتية.

 سادساً: تحرر الطالب من قيود السلطة والإدارة التقليدية إذ إن الأساليب الحديثة في التدريس تدعو إلى احترام الطالب، وتقديره والاعتراف بخبراته، وتمكينه من التفكير وممارسة النقد البناء لمعلمه ولإدارته ومجتمعه، وتحث الطالب كذلك على الجرأة المؤدبة في طرح الرأي والدفاع عنه في مناقشته وبيانه، وتجعل المعلم واحداً من المصادر التي يتعلم منها الطالب وليس المصدر الوحيد للتعليم. بينما الأساليب التقليدية تعتبر الطالب المتميز هو الذي يجلس مؤدباً معظم الوقت ومصغياً لمعلمه ويتلقى منه كل ما يقوله، ويحفظ جميع المعلومات التي يحتويها الكتاب، وكذلك الطالب الذي يعتبر كل ما يقوله المعلم أو الذي يحتويه الكتاب هو الصحيح، ولا يجوز مخالفته بأي حال من الأحوال وإلا سينعكس ذلك على مستواه العلمي ودرجة تحصيله، وهذا التحرر للطالب من القيود التقليدية الذي سيحصل نتيجة لاستخدام الأساليب الحديثة في التدريس أمر مرفوض وغير مقبول من قبل معظم المعلمين ومديري المدارس، ويعتبرونه خروجاً عن المألوف الذي تعودوا عليه خلال سنوات الخبرة التي اكتسبوها.

سابعاً: ضعف استجابة الطالب للقيام بمتطلبات الدور الجديد من المشاركة في المواقف التعليمية والمساهمة في بنائها مع المعلم وزملائه الطلبة، وتقبل آرائهم والتعاون مع الآخرين، والإسهام معهم في بناء الفكرة، وكذلك البحث عن المعلومة من مصادرها المختلفة، وعدم الاكتفاء بمعلومة الكتاب المدرسي أو المعلم، وتكبد المعاناة من أجل الحصول على المعلومة، من قراءة الكتاب ومطالعة المجلات والأبحاث المتخصصة، ومتابعة الأحداث التي تجري حوله مما يؤدي إلى ضعف حماس المعلم وسأمه من الاستمرار في تنفيذ ما تعلم من أفكار تجديدية تطويرية، وبالتالي العودة إلى ما تعود عليه هو وطلابه.

 ثامناً: قلة وجود التربويين الخبراء المدربين القادرين على ما يلي:

1- كيفية نقل الفكر التربوي الحديث والأساليب والاستراتيجيات إلى ممارسة عملية يمكن تطبيقها وتكييف، ما يكتبه الخبراء التربويون في العالم إلى سلوكات تعلمية تناسب البيئة العربية، وتنسجم مع ثوابت الأمة وأصالتها. والممارسة العملية من أهم الطرائق والأساليب التي تؤدي إلى إكساب المعلمين المتدربين المهارات المطلوبة بكفاءة، والحديث عن هذه الأساليب والاستراتيجيات الحديثة في التدريس هو بحد ذاته غير كاف، ولا يمكن أن تتحقق فرضيته، وهي أن ينقل المعلم ما تدرب عليه في ورشة التدريب إلى الغرفة الصفية بكفاءة عالية، بل لابد من أن يقف هؤلاء المتخصصون المدربون إلى جانب المعلم في الميدان للأخذ بيده وتوجيهه نحو التغيير، والانتقال من الأساليب التقليدية إلى الأساليب الحديثة عن طريق الممارسة العملية، والتقويم المستمر لها، وتطويرها لتثمر مع مرور الزمن، وتأخذ دورها في الانتشار لتصبح نهجاً ممارساً في المدارس وأسلوباً مقبولاً لا بل مطلوباً لتتولد القناعة بالتالي لدى جميع المدرسين أو المعلمين، بأن هذه الأساليب الحديثة هي الأكثر أمناً والأسهل في تحقيق الأهداف التعليمية، والأفضل في تحقيق نوعية متميزة من الطلاب.

 2- إيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ أفكار التطوير والتغيير لدى الأعداد الكبيرة من المعلمين في مختلف بلدان المنطقة العربية لتزرع بذور التغيير وتُرعى، ويحافظ عليها لتكون نامية متطورة، وتشكل بؤراً أساسية في انتشار التطوير المنشود، ولأننا نتعامل مع أهم عامل في عملية التطوير وهو الإنسان الذي اكتسب فكراً وتربية وخبرة وقناعة، يصبح الأمر أصعب لسببين هما:

أ- لأن التغيير لا يمكن تحقيقه إلا إذا تولدت لدى المتدرب أو المعلم قناعة حقيقية صادقة بضرورة هذا التغيير والحاجة إليه، بل وأهميته لبناء جيل المستقبل وقد يحتاج الأمر إلى وقت طويل لتحقيق مثل هذه القناعة والاتجاه.

ب- تأخر ظهور مؤشرات النجاح في التغيير والتطويرº لأننا نتعامل مع العنصر البشري من العملية التربوية، فقد يسهل استبدال وتغيير كل مسهلات العملية التربوية من أجهزة وأدوات ومواد بناء، لكنه يصعب ويتأخر ظهور نتائج التغيير في الإنسان الأمر الذي يتطلب صبراً ومثابرة من المدرب والمتدرب على حد سواء، وهذا يحتم على أصحاب القرار في عملية التطوير أن يضعوا الخطط الإجرائية المنضبطة على مدى السنوات القادمة لإنجاز الأهداف المتوقعة منها في تدريب المعلم وإحداث النقلة النوعية في أساليبه، وأدائه، ورعايته، ودعمه في حل المشكلات، والصعوبات التي ستواجهه، لإيجاد البيئة التعليمية المناسبة لتعلم أفضل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply