يا قبلة الشهداء

5.8k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

صـوفيّةٌ أشـلاؤهـا بغـداد *** فدمٌ يسـيل وأنفـسٌ أوراد

واعدتُ قلبي جانباً من مائهـا *** عندي أنا لا يخلف الميعـاد

وأتيت بالشّعر المقفّى من دمي *** والحبٌّ خلف قصائدي ينقاد

يا أجمل الكلمات حين أقولهـا *** يرتاح من ألم الرحيل فؤاد

ويشدّني سعفُ النّخيل فترتوي *** عيناي منه ويستقيـم وداد

شـرفٌ لـها أن تستعيرَ حروفَها *** مـنـك الـقصائدُ أو يكون مداد

مـاذا بـقِي للشعر دونك أنت في *** صـفحات أهل الضاد أنت الضاد

أسـنـدت إنشائي إليكِ فطاب في *** شـرع الـهوى الإنشاء والإسناد

وأتـيت بي أستافُ موحلةَ النّوى *** فـصـلـي عليلَ القلب يا بغداد

بـغـداد أنـت الـمنتهى والمبتدا *** والـمـلـتـقى والبعث والميلاد

وخـميلة المنصور شيدت فانجلت *** عـنـهـا النّقاب فبورك الإيشاد

يـا أيـكـة الـخلفاء مدّوا عزّهم *** فـوق الـوجود فسوّدوك وسادوا

مـرّ الـمـغول بخيلهم ورجالهم *** فـبـقـيتِ وحدك للزّمان وبادوا

والـيـوم يـا بـغداد عاد أميرهم *** ووراءه الـلّـقـطـاء ممّن هادوا

سـاقـوا إليك حديدهم وحصارهم *** وتـفـيّـأت بـنـخيلك الأوغاد

يـا ويـحهم جاؤوا يصبون الأذى *** صـبـاً وتـهـمي منهم الأحقاد

أو مـا دروا أنّـا نـهـزّ سيوفنا *** فـالـنّـاس تـحت سيوفنا أجناد

لـو يـرجع التّاريخ يقرؤنا على *** أبـواب مـكـة والـهـوى وقّاد

يـوم انـطـلـقنا للحياة فريحها *** عـبـقٌ وغـصـن جمالها ميّاد

ومشت خيول الفتح في طرق العلا *** لـتـقـرّ بـالـفـتح المبين بلاد

مـاردّنـا كـسـرى ولا إيـوانه *** وتـمـزّقـت بـحرابنا الأصفاد

أرخـى لـحـاضره العنان أسامةٌ *** ومـضـى يـهـزّ حسامَه المقداد

وهناك في الحمراء صلّى صبحَه *** مـوسـى فـصـلّت أبحرٌ ومهاد

وزروع مـكـة طاب فينا طلعها *** وعـلى حدود الصّين طاب حصاد

غـطّـيت وجهي أخجلتني أمتي *** فـحـنـت عـليه ونوّرته سعاد

يصطادني منك الهوى سحراً ومِن *** بـحـر الـهوى ليلاً أنا أصطاد

أوردتُ كـوثرَك الفراتَ جوارحي *** ويـطـيـب فيك الوِردُ والإيراد

يـا خجلتي حين الرشيد يعود مِن *** سـفـرٍ, ويـسـأل أيـنها بغداد؟

مـرّت غيومٌ في السماء وأمطرت *** لـكـن جُـباةُ خَراجها ما عادوا

لاتـسـألي عنّا فماضينا انقضى *** وبـيـاضـه حـلـكٌ بنا وسواد

مـلـيـار صـفرٍ, نحن يابغدادنا *** يـاويـلـتـي كم تكذب الأعداد

زبـدٌ عـلـى زبدٍ, على زبدٍ, على *** زبـدٍ, وأنـت الـمـدّ والأمـداد

فـي أم قـصرٍ, ألف ألف قصيدةٍ, *** فـجـراحـهـا الـشّعراء والنّقّاد

أبـلى هناك الرمل ما وسع العلا *** فـحـديـدهـم تحت النعال رماد

مـا ضـنّ بالأرواح أهلوها فمن *** لـهـب الـكـرامـة عدّةٌ وعتاد

تـلـك الـكرامة وهي أغلى منيةٍ, *** بـذلـت لـها الأرواح والأجساد

وسـعـى إلـيها الذّاهبون فخلّدوا *** وشـدا بـمـغـناها العبيد فسادوا

مـا كـان عـنـترةٌ ليحمل سيفه *** لـولـم يـعـده بـعـتـقه شداد

يـا ربّ هـل لي أن أراها لحظةً *** فـالـشّـوق بين جوانحي يزداد

وأعـوذ باسمك أن تعيذ قصائدي *** مـنـهـا فـفـيها يجمل الإنشاد

يـا قـبـلة الشّهداء طيبي خاطراً *** فـإلـى تـرابـك حجّت الأمجاد

يـا مـنتهى كل الجهات فكم وكم *** ضُـربـت إلـى أفـيائك الأكباد

ولكم سقى الأقطابَ ماؤُك فارتوَوا *** وتـوضّـأت فـي دجـلة الأوتاد

ولـكـم مشى فيك الجنيدُ مسبّحاً *** فـتـمـايـلت من شدوه الأعواد

مـنـك انـبرى للمشرقين قتيبةٌ *** تـعـدو جـيـادٌ خـلـفه وجياد

وهـنـا أبو الحسنين مدّ خيولـه *** فـتـبـاركـت حـقبٌ به ووهاد

صـلّـى على حبّات رملك خالدٌ *** ومـضـى يكبّر في الجموع زياد

قـرّي أو ابكي ليس يحزنني فمن *** دمـعـات عـيـنك تبدأ الأعياد

بغداد أنت الصيحة العصماء والـ *** ريـح الـجموح وهم ثمود وعاد

ولـئن قضى الأجداد فيك ففي غدٍ, *** سـتـقـوم فـي أكـفانها الأحفاد

بـالأمـس كـان ولا يزال شعارنا *** نـصـرٌ يـفـرّحنا أو استشهاد

بـغـداد إنـي في الصّبابة واحد *** ولأجـل عـيـنـك كـلّنا آحاد


أضف تعليق