بسم الله الرحمن الرحيم
إن هؤلاء المفكرين والقادة، حين يحبسون أنفسهم في هذه الإقامة الجبرية في أبراجهم العاجية لا ينهضون بمجتمعاتهم، ولا يقدمون زكاة علمهم وفهمهم، فهم كأوعية ملئت بالماء، تتدحرج يميناً وشمالاً، وليس للعطاش منها إلا صوت الماء.
لماذا يصنع بعض مفكرينا وأصحاب العلم والرأي فينا أبراجاً عاجية لأنفسهم، مفصلة حسب مقاساتهم، ومجهزة بأفضل الإمكانيات من خط هاتفي لمتابعة آخر ما يستجد في المنتديات، وطبق فضائي لمشاهدة آخر البرامج والمطالعات، ومكتبة يسامر نازليها ويسامرونه؟!
أما مجالس الرجال، التي هي مدارس قائمة، يستفيد فيها الصغار من الكبار والمبتدئين من المتقدمين، فهو في غياب مستمر حتى عن أولي الأرحام، رغم أنه كان يستطيع أن يقدم للمجتمع من خلال المجلس ما لم يستطع أن يقدمه من خلال محاضراته ودروسه وبرامجه التلفزيونية، فيحل مشكلة أو يزيل سوء فهم، أو يعرض فهماً لواقع تتسارع أحداثه وتتبدل مصالحه.
أما علاقته بزملائه في العمل، فهي فاترة وأشد برودة من وجوه السادة المدافعين عن عدالة أمريكا وديمقراطيتها، مع أنه كان يستطيع الرقي بمستوى زملائه من خلال أحاديثه العارضة عن كتاب قرأه أو موقف واجهه.
لن تنهض أمة يتوارى قادتها، ولن يتقدم مجتمع يتصدره رويبضاته!!
إن هؤلاء المفكرين والقادة، حين يحبسون أنفسهم في هذه الإقامة الجبرية في أبراجهم العاجية لا ينهضون بمجتمعاتهم، ولا يقدمون زكاة علمهم وفهمهم، فهم كأوعية ملئت بالماء، تتدحرج يميناً وشمالاً، وليس للعطاش منها إلا صوت الماء.
لا أدري من أين جاء هؤلاء السادة بهذا الفهم الغريب، ألم يكن قدوة الجميع صلوات ربي وسلامه عليه، تأخذ بيده الأمة وتسير به في شوارع المدينة، ويحاور الصبيان ويسلم عليهم، ويجالس أصحابه ويمازحهم؟
لازلت أتذكر والذكرى مؤرقة، عندما كنت طالباً في الجامعة أعيش هموم السكن وأفرح بالأحبة والمعارف، وما إن قابلت أحد الأحبة في المسجد، حتى دعوته لغرفتي لفنجان من القهوة ومسامرة كنت أحوج الناس إليها، فرد سريعاً: أعندك أحد؟ قلت: لا!! قال: إذن أجمع لي مجموعة من الشباب لألقي عليهم موضوعاً، وسوف آتيك، لأنك كما تعرف وقتي من ذهب!!
شاغلته وانسحبت بخفة، لا إلى غرفتي لأجمع المريدين، بل إلى مطعم السكن!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد