بسم الله الرحمن الرحيم
لما انتشر العلم في الكتب والأشرطة والإذاعات والصحف والقنوات كثرت الأقوال الفقهية وبدأ الناس يسمعون أقوالاً علمية لم يسمعوها من قبل.
ونحن بإزاء هذا الطرح في ذكر الخلاف لابد أن نقف عدة وقفات:
1. أن الخلاف و الاختلاف من طبيعة البشر فكلٌ له رأي و عقل وتفكير ولم تحجر الشريعة على كل خلاف.
بل من الخلاف ما هو رحمة أما حديث \"اختلاف أمتي رحمة\" فهو ضعيف.
2. الخلاف على نوعين:
· سائغ و مقبول مثل / اختلاف العلماء في مسائل الفقه.
·غير مقبول بمعنى أن المخالف لا يتابع وأنه مذموم و انه يرد عليه و هذا هو الخلاف في العقيدة مثل / من قال أن الملائكة أشياء معنوية لا حسية.
3. أنه من الخطأ أن يبدأ المتعلم أو الملقي بالخلاف بل عليه أن يقول الحكم كذا الدليل قول الله وقول الرسول وقول الصحابة ثم هذا مذهب أحمد أو مالك...
4.أن في الشريعة أحكاماً كثيرة متفقاً عليها و مجمعاً عليها فالأولى بالمتكلم أن يعرف الإجماع ويذكره ثم يذكر الخلاف.
5. أن الخلاف لا يذكر إلا المسائل القوية كقراءة الفاتحة خلف الإمام، وزكاة الحلي أو يذكر في الدروس العلمية المتخصصة لأنها محل التفصيل والنقاش.
6. أن المخالف إذا كان مجتهداً وهو أهل للفتيا والإجتهاد ثم أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد وهذا في حق المفتي والقاضي فقط وليس في كل من تُسول له نفسه أن يتكلم في مسائل الدين فبعض الصحفيين لا يعرف أصول العلم ويبدأ يخبط في كل واد.
7. أن الشريعة فيها مسائل وفيها خلاف والدليل يحتمل هذا القول وهذا القول وكلٌ له وجهة نظر أما ذكر أسباب الاختلاف بين العلماء من الأئمة الأربعة مع أن الله واحد والرسول واحد والدين واحد.
8. أن وجود الخلاف في المسألة لا يسوغ للإنسان أن يأخذ بأي قول كيفما اتفق أو يبدأ ينتفي كل الرخص والتساهيل والزلات فيعمل بها.
الأسباب المؤدية إلى الاختلاف
1. اختلافهم في صحة الحديث وضعفه مثل حديث (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه).
2. تفاوت العلماء بالإطلاع على الأقوال فكلما اطلع العالم وسافر وتلقى كان أبصر بأقوال المذاهب الأخرى، وأيضاً تفاوت العلماء بالحفظ فربما تكون مبناها على آية أو حديث قد نسيها العالم فيخالف لأنه نسي وليس من شرط العالم و المفتي أن يحيط بجميع الأقوال والأدلة والخلافات بل فيه قدر مشترك عند العلماء.
من الأمثلــــة
ما جاء في الصحيحين أن أبا موسى أستأذن على عمر وهو خليفة فلم يؤذن له فذهب فاستدعاه عمر وكان مشغولاً عنه وقال: ما حملك على أن ذهبت قال: حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [الإستذان... ] فقال ائتني بشاهد أو العصا في ظهرك....
3. أن يفهم كل عالم من الكلمة أو الجملة شيئاً خلاف العالم الآخر.
مثل [أو لامستم النساء] الآية
اختلف العلماء هل المراد بالمس اللمس باليد حيث يوجب الوضوء أو المراد الجماع الذي يوجب الغسل الثاني هو قول أكثر العلماء وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما - فبناءاً عليه من مسَ زوجته بيده أو قبلها ولم يخرج منه مذي فإن وضوءه صحيح لم ينقض.
ومثل كلمة القرء [والمطلقات يتربصن بأنفسهن.. الآية]
هل المراد الحيض أو الأطهار التي بعد الحيضة الثالثة على قولين بناءاً على الخلاف في هذه الكلمة.
4. أن يبلغ الدليل للعالم لكن لا يطمئن إليه أو لا يثق بناقله فعمر لم يقبل قول فاطمة بنت قيس أنها لما طلقت آخر طلقة لم يجعل لها نفقة ولا سكنى إلا أن تكون حاملاً لقوله - تعالى -[وإن كن أولات حمل.. الآية].
5. عدم بلوغ الدلــيل للعالم مثل عدم علم عمر بحديث الطاعون و الاستئذان أو لم يبلغه النســخ مثل عدم عمل بعض الصحابة بأحاديث ناسخة لعدم علمهم بها كابن مسعود - رضي الله عنه - يعمل بالتطبيق وعدم علم أبي هريرة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم وهو جنب ثم يغتسل بعد الأذان وعمر كان لا يرى التوقيت في المسح على الخفين.
6. التعارض بين النصوص ظاهراً من أســـباب الخلاف فمن كان ضعيفاً في تتبع صحة الدليــــل أو طرق الجمع أو قوانين الترجيح فإنه لا يفك التعارض وهذا الباب واسع أصولي حديثي فقهي وله أمثلة (الشرب واقفاً، نكاح المحرم، صلاة الضحى... وغيرها)
7. اختلاف العلماء في الفعل الصادر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - هل هو للإباحة أو التشريع مثل النزول بالأبطح ومثل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرم هل هو مستحب أو حصل اتفاقا، فذهب ابن عمر - رضي الله عنه - و أبو هريرة - رضي الله عنه - إلى أن النزول بالأبطح سنة و ذهبت عائشة - رضي الله عنها - و ابن عباس - رضي الله عنهما - إلى أنه حصل اتفاقا وابن عباس - رضي الله عنهما - يرى أن الرمل حصل لعارض زال بزواله والجمهور على خلافه.
8. اختلافهم في النسخ هل هو حاصل في بعض الأدلة أم لا واختلافهم في التخصيص والتقييد.
9. أن ينسى العالم الدليل والنسيان وارد وهو من النعم أحياناً وعند علماء الاصطلاح من حدّث ونسي وقد نسي عمر - رضي الله عنه - قصة التيمم.
ي. أن يفهم كل عالم الكلمة أو الفعل خلاف الآخر مثل / [أو لامستم النساء]
الصواب بأنه الجماع وهو قول ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ومثل / القرء وحديث لا يصلين أحدكم العصر... فالصواب مع من صلى في وقتها لأدلة المواقيت الأخرى.
10. الخلاف في مسائل أصولية حديثية ينبني عليها حكم أو أحكام مثل الخلاف في المرسل، القياس، الاستصحاب شرع من قبلنا، العرف، المصالح، الاستحسان، قول الصحابي، القراءة الشاذة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد