بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يكون هناك من يقيد حركة المرء بقيود الاستعباد، وعندما يضيق الحصار على الحرية يصبح للحياة آنذاك وجه آخر يعجز عن وصفه من أدرك وقائعها وعاش لحظاتها..إنها العبودية الشنعاء(1) أي العبودية لغير الله - تعالى - التي تكبل بقيودها الإنسان لتجعله عبداً ذليلاً، فتحرمه الانطلاق الحر على وجه هذه البسيطه ليتفاعل مع مكنوناتها وينتج ما يخدم أمته ودينه.
وذل الاستعباد لم يعرف طعمه إلا من ذاق مرارته، ولم يشعر بشناعته إلا من رآه بأم عينيهº فهو داء يشل حركة المرء الروحية، ويقعد العامل عن العمل ـ إن استمر في ذلك ـ فلن يُزال الاستعباد حتى يتخلص منه المرء.
وعندما أتى ذاك القبطي إلى عمر الفاروق يشتكي الظلم أدرك عمر - رضي الله عنه - أن الاستعباد لن يصلح الدولة الإسلامية ولن يرفع شأنها وأمجادها، بل إن في حصول ذلك مضرة عظيمة على جميع أفراد الدولة الإسلامية ومصالحهمº فما كان منه إلا أن قام باستئصال ذلك فعلياً ليرسخ مبدأ أن ليس لأحد حق الاستعباد وإن ملك ما ملك، وأطلق كلمته العظيمة مخاطباً عمرو بن العاص: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ».
علمت أن وراء الضعف مقدرة *** وأن للحق لا للقوة الغلبا
ولأهمية الموضوع فقد وضعته في نقاط سائلاً المولى أن ينفع بها.
* أولاً: لمن الحق في العبودية؟
قال - تعالى -: {وَمَا خَلَقتُ الـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعبُدُونِ} [الذاريات: 56]، والعبودية من أعظم ما يُصرَف للهº إذ إنها لا تكون إلا لله وحده، فإنه - سبحانه - لم يخلق البشر والخلق أجمعين إلا لعبادته والإذعان بالعبودية له. قال ابن تيمية - رحمه الله -: «والعبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقاراً إليه وخضوعاً له كان أقرب إليه وأعز له وأعظم لقدرهº فأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله»(2)º لأن في ذلك سعادتهم في الآخرة قبل الدنيا، فيتوجه المرء بحسه وإحساسه نحو خالقه ورازقه، فيدعوه ويتوسل إليه ويلجأ ويلتجئ إليهº لأنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، لأن العبد يحتاج إلى معبوده في كل حين. يقول ابن القيم - رحمه الله -: «فاعلم أن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في محبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به»(3).
والعبودية هي روح العبد الحقيقية، فلا تُصرف إلا للهº لأن في صرفها لغير الله حصول مضرة وفساد «.. ومن عبد غيره وأحبه ـ وإن حصل له نوع من اللذه والمودة، والسكون إليه، والفرح، والسرور بوجوده ـ ففساده به ومضرته وعطبه أعظم من فساد أكل الطعام المسموم اللذيذ، الشهي، الذي هو عذب في مبدئه عذاب في نهايته»(1)، ولن نبلغ الكمال المنشود حتى تكمل العبودية لدينا و «أكمل الخلق أكملهم عبودية».
* ثانياً: من صور الاستعباد:
للاستبعاد صور عديدة من أهمها:
أولاً: الاستعباد الباطني: من الناحية القلبية:
القلب أعظم ما يمتلك المرءº إذ إنه ملك الجوارح وسيدها المطاع وهو موجه الأوامرº ولذا فإن من أخطر أنواع الاستعباد أن يُستعبد قلب المـرء. قال شــيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «إن أسر القلب أعظم من أسر البدن واستعباد القلب أعظم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد