بسم الله الرحمن الرحيم
نسبية الحق:
\"نسبية الحق\"مصطلح كثر استعماله أخيراً على ألسنة العلمانيين وأصحاب الاتجاهات المتميعة المنتسبة إلى الإسلامية، ويُقصد به أن الحق قضية نسبية، ولا يستطيع أحد الزعم بأن الحق المطلق لديه، وأن ما لدى الآخرين خطأ، بل ويرى واضعو هذا المصطلح أن الكل بلا استثناء يملك جزءاً من الحقيقة، وتبعاً لذلك لا ينبغي لنا أن نثرِّب على أحد، ولا نخطِّئ أحداً º فلا ننتقد الخارجي، ولا المعتزلي، ولا الرافضي، ولا المرجئ، ولا العلماني، ولا اليهودي، ولا النصراني، ولا البوذيº لأنهم يمتلكون جزءاً من الحقيقة، كما يمثِّل المسلم السني جزءاً منها. والنتيجة المنطقية لذلك ضياع معالم الحق، وإحقاق الباطل، وإبطال الحق، وإدخال الناس في دائرة الشك وعدم الثقة بأية حقيقة، وانتزاع الصوابية المطلقة من الإسلام، ومن منهج أهل السنة والجماعة، والدخول تبعاً لذلك في دائرة عدمية تصل إلى أفكار أكبر الحقائق وأوضحها. ولعلنا هنا ننبه إلى أن بعض المناهج الفلسفية وصلت إلى التشكيك في رؤية العين التي لا شك فيها.
وقد يستدل بعض المحتجين بهذا المصطلح بكلام الإمام الشافعي - رحمه الله -: \"كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب\". والحق أنه لا حجة لهم في هذا الكلام وما شاكلهº لأن هذا الكلام صدر من إمام من أئمة الإسلام يقصد به إماماً آخر لا يقل عنه علماً وفقهاً وديناً. وهذا أمر مقبول من الخلاف بين علماء الإسلام فيما يرِد فيه الخلاف. أما فتح الباب لتصويب الآخرين وإقرارهم على باطلهم باسم نسبية الحق، فهي جريمة منكرة بحق هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأرسل به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وجاء فيه النص القرآني: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام} (آل عمران: 19). {وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلام دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}(آل عمران: 85). وبيَّن فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن \"الحق هو ما أنا عليه وأصحابي وأن الأمة تفترق على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة\".
وقد يقول قائل: إن ما ذكرت لا وجود له في عالم الواقع، وأنه مجرد افتراضات وأوهام، وسوء تفسير لكلام الآخرين. ونقول لهذا القائل إننا نتمنى أن ما يقولونه غير صحيح، ولكن الواقع يقول غير ذلكº فأما العلمانيون فهم يرددون ذلك ليل نهار، ولكن المصيبة الكبرى أن بعض الإسلاميين، وبعض المنتسبين للعلم يقولون ذلك تلميحاً أو تصريحاً. فعلى سبيل المثال نجد أن مفتي إحدى بلاد الشام لا يرى كفر اليهود والنصارى، ونجد أن داعية مشهوراً كبيراً في سنه، صاحب سابقة في الدعوة إلى الإسلام والتضحية في سبيله يقول بذلك ويكرره في مناسبات عديدة، بل إن ابن أحد علماء الأمة الكبار في المملكة رحل عن عالمنا قبل سنوات قليلة يكتب في جريدة سعودية سيارة منتشرة مقالاً يؤكد فيه على عدم كفر اليهود والنصارى، فلما رُدَّ عليه كلامه أعاد كتابة مقال يؤكد فيه رأيه ويتعصب له.
أما الدفاع عن المبتدعة داخل الدائرة الإسلامية فهذا لا حصر له في كتابات بعض الإسلاميين، فهم يعتذرون لأهل الابتداع، ويرون أن أهل السنة ظلموهم، وأنهم أصحاب حق وفكر يستحق الاحترام والتقدير، ويتهمون علماء الأمة والسلف الصالح بأنهم متحيزون لأفكارهم، معتدون على غيرهم، وليس لديهم أمانة في النقل والعلم، ويكررون مصطلح \"نسبية الحق\"، ووجوب احترام الآخرين، والاعتراف لهم بالحق الذي لديهم.
نعم، إذا تجادل أصحاب المبادئ الأرضية البعيدة عن وحي الله فلهم الحق بهذا الادعاء \"نسبية الحق\" أما دين الإسلام فليس خاضعاً لتقييم الفكر البشري، بل هو يقيم الفكر البشري ويحكم عليه بالخطأ والصواب. ويكفي هنا أن نذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: \"تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك\" وأنه يقول: \"لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي\".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد