نداء الذاهبينا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث الروح للأرواح يسري              وتدركه القلوب بلا عناء

 

عندما يعتصرك الألم..

وتذهلك النوائب..

 

وتستوحش من كل ما حولك.. وتدفعك غريزتك للهروب.. ولكن إلى أين؟؟ وإلى متى؟؟

في لحظة ضعف.. في لحظة أسى.. قررت أن أهرب إلى منطقة طالما عشقتها.. و لمدة لا تتجاوز سويعات عدّة.. لعل الخلوة تعيد لي توازني الذي فقدت.. لعلي ابتعد ولو قليلا عن كل ما يذكرني بآلامي...

 

كل ما حولي كان ممتعا.. هواء نقي ملأت به رئتاي.. حتى شعرت بأن ألمي بدت تبدده تلك الزفرات..

 

سكون مطبق ساعدني على أن أشعر بكل حواسي التي طالما حجبني عن الإحساس بها ضجيج المدينة.. أصبح لملامسة الهواء لجسدي طعم آخر لم أعهده من قبل..أصبحت أستمتع بالنظر لكل ما حولي.. شعرت بأنني أود معانقة حجر هذه المنطقة وشجرها.. بل كل بقعة فيها.. شوق عظيم ساقني إلى هذه المنطقة بالذات.. فهي تحمل أجمل الذكريات.. ذكريات الطفولة والشباب.. وفي خضم هذه النشوة والسعادة التي غمرتني بها معانقة الذكريات..

 

بدأ شريط الذكريات يعيد لذاكرتي مراحل من حياتي عشتها هنا.. لم يتغير شيء في هذه المنطقة سوى خلوها من ساكنيها.. وخراب مبانيها..

 

طفت بأنحائها متأملا أطلال الماضي السعيد.. سبحان الله.. كيف طوى التاريخ تلك الصفحات الجميلة؟؟ بل أين عمارها وبانوها؟؟ أين الحياة التي كانت تعج بها هذه المنطقة؟؟

 

وفجأة سرت في جسدي قشعريرة غريبة أثارتها فكرة أغرب..

فقد تردد في داخلي نداء أبا العلاء بأن أخفف الوطء فما هذا الأديم سوى أجساد الذاهبينا..

 

وقفت أستمع لهذا النداء الداخلي.. وإذا به يزلزل أركاني بندائه..

يا غافلا وله في الدهر موعظة                      إن كنت في سنة فالدهر يقظان

 

تزاحمت في عقلي تساؤلات وأفكار.. ترى كم من البشر طوت ذكراهم هذه الأرض.. أمسكت بيدي حفنة من تراب تلك الأرض.. وطفقت أتأملها...

 

أحقا هذه الحفنة ما هي إلا أجساد من كان قبلنا؟؟ عادت إلى أصلها الذي خلقت منه!! يا تُرى لو قدر لهم أن ينطقوا.. ماذا عساهم أن يقولوا؟؟ أتراهم حقا يودون أن أتعظ بما آل إليه حالهم؟؟

 

أتراهم حقا يصيحون بي:

ألا تعتبر يا هداك الله بما آل إليه حالنا.. نخر الدود أجسادنا.. وفتت الدهر عظامنا.. وقسمت أموالنا التي أفنينا بجمعها أعمارنا.. وخربت قصورنا وديارنا.. فمحى الدهر رسومها ووسومها.. لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا.. وندمنا يوم لا ينفع الندم.. وأصبحت دنياكم أمنية لنا.. نعم.. نتمنى الرجوع إليها.. ولكن ليس حبا في جمع أموالها.. أو الاستزادة من شهواتها وملذاتها.. فقد زالت عن أعيننا الغشاوة.. نتمنى العودة ليزيد المحسن منا إحسانه.. وليتدارك المسيء منا ما كان من زلـلـه وعصيانه..

 

فبادر بالعودة الآن.. قبل فوات الأوان..

بادر فالأمر بين جنة ونار..

 

بادر فما زال باب العودة لك مفتوحا.. مازال ربنا يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل..

 

لا تعميك الغفلة كما أعمتنا.. ولا تلهيك الفانية كما ألهتنا..

 

واعلم انك صائر إلى ما صرنا إليه.. فماذا أعددت لذلك؟؟؟؟

 

كان هذا نداء الذاهبينا.. فهل من معتبر؟؟

 

اللهم ردنا إليك ردا جميلا..

وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply