التفاضل والتكامل

بسم الله الرحمن الرحيم

المتأمل في آي الكتاب الكريم وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرى فيهما العجب من حسن التنظيم والتدبير لهذه الإنسانية جمعاء، وإن رهنت السعادة والفوز لمن آمن بالله ورسوله.

وأنا هنا أقف مع أمر -شد ذهني إليه حاجةُ الأمةِ الماسةِ اليوم إليه- ألا وهو قضية الإيمان بالتفاضل والحاجة للتكامل.

جمعت جملة من النصوص في هذا الباب فوجدت في القرآن خمسة عشر موضعًا يتناول قضية التفاضل بين الناس وأنها سنة شرعية قدرية ابتداء من التفاضل بين الأنبياء والرسل حتى سائر المخلوقات وهذه جملة منها:

1- (يَا بَنِي إِسرائيلَ اذكُرُوا نِعمَتِيَ الَّتِي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَنِّي فَضَّلتُكُم عَلَى العَالَمِينَ) [البقرة: 47].

2- (وَإِن طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبلِ أَن تَمَسٌّوهُنَّ وَقَد فَرَضتُم لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصفُ مَا فَرَضتُم إِلَّا أَن يَعفُونَ أَو يَعفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 237].

3- (تِلكَ الرٌّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, مِنهُم مَن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرَجَاتٍ, وَآتَينَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَلَو شَاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَمِنهُم مَن كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: 253].

4- (وَلا تُؤمِنُوا إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُم قُل إِنَّ الهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤتَى أَحَدٌ مِثلَ مَا أُوتِيتُم أَو يُحَاجٌّوكُم عِندَ رَبِّكُم قُل إِنَّ الفَضلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [آل عمران: 73].

5- (وَلا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ, لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ وَاسأَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيماً) [النساء: 32].

6- (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضرِبُوهُنَّ فَإِن أَطَعنَكُم فَلا تَبغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء: 34].

7- (لا يَستَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤمِنِينَ غَيرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجراً عَظِيماً) [النساء: 95].

8- (وَإِسمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلنَا عَلَى العَالَمِينَ) [الأنعام: 86].

وفي السنة جاءت قضية التفاضل حتى بين الأعمالº ففي البخاري باب \"أي الإسلام أفضل\" من حديث أبي موسى رضي الله عنه- قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: \"من سلم المسلمون من لسانه ويده\".

فالتفاضل بين الأشخاص والأعمال ظاهر جليº فلابد أن تؤمن بهذا القدر حتى تعرف مقدار فضل الله عليك ونعمه، وكذلك فضله على الآخرين كما قال يوسف - عليه السلام - (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) فتعترف بالنعمة والسنة الربانية عليكº لتشكر نعمه وتحذر من سلوك طريق الشيطان الذي رأى تفضيل الله لآدم عليه فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) فهلك.

يقودني ذلك إلى قضية التكامل فيما بين الناس حتى يعبدوا ربهم على بصيرة ويعيشوا حياتهم بطمأنينة جاء هذا الأمر بالنص النبوي الشريف \"إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك أصابعه\" [رواه البخاري].

فلا يمكن أن يتماسك البنيان إلا بتكامله بعضه على بعض كما في شعب الإيمان عن سلمان رضي الله عنه- قال: \"المؤمن للمؤمن كاليدين تقي إحداهما الأخرى\".

فالتكامل هو حقيقة الاستجابة للأمر الرباني (وتعاونوا على البر والتقوى) بل إن الناظر في سورة يوسف يرى حقيقة التفاضل والتكامل (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقبلها كان يقول: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك).

أيها القارئ الكريم:

انظر إلى حال الأمة المرحومة وما هي فيه من البلاء، إن الرحمة قد تنـزل بها إذا سعت إلى التعامل مع التفاضل فيما بينها على قاعدة قول الله جل في علاه (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) وليس قاعدة (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) ثم يتم التكامل حيث إن الكمال في النفس الواحدة عزيز وقد قرر أنه لا معصوم إلا الأنبياء فما من فاضل إلا وفيه نقص يكمله الفضل الذي فيك، فلو سعينا في تكميل فضائلنا لتمت الرحمة لنا، وهو ما تحقق للصدر الأول كما في سورة الحشر (لِلفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأَموَالِهِم يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبٌّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) [الحشر: 8-9].

بل سيستمر التكامل حتى قيام الساعة مع الإقرار بالفضل (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].

إنها حقيقة يجب أن نربي أنفسنا عليها وهو أن في كل إنسان فضلاً يكمله فضل أخيه (أَهُم يَقسِمُونَ رَحمَتَ رَبِّكَ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَعِيشَتَهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ, دَرَجَاتٍ, لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضاً سُخرِيّاً وَرَحمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ) [الزخرف: 32].

فهل ترى أننا نعمل بهذه القاعدة أم أن يما يجري اليوم فيه خير كثير يؤثر عليه غبش من لم يعترف بفضل الله ورحمته على الناس؟

يجب أن نعترف أنه لا يمكن أن ينسب نصر الإسلام لأحد كائنًا من كان \"لما صافّ قتيبة ابن مسلم للترك وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه يبصبص به بأصبعه نحو السماء قال: تلك الأصبع أحب إليّ من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير\" [السير 6/121].

فلا يحوزه أحد دون أحد، بل هو أمر مشترك لجميع من يحمل هم هذا الدينº فلا يجوز عندئذ أن نخذل من يمدد بسبب إلى نصرة دينه ورفعته بناءً على قناعة شخصية (الخاذل) لا يخدمها النص.

فنبارك كل جهد يستخدم لنصرة هذا الدينº فهو نوع من الفضل حازه ذلك المهتم ليكمل به الفضل الذي عندك، فإياك ومحاربة النجاح الذي يقوم به الآخرون في كتابة أو مشاركة أو بذل جهد مالي أو بدني أو نصرة في ساحة الجهاد على ثرى فلسطين أو العراق أو الشيشان أو كشمير أو وقوف في وجه الفتنة، وصدها ودحر أهلها الذين يمزقون الصف المسلم، وكشف عورتهم، وفضح مخططهمº فكل ذلك فضل يكمله الفضل الآخر.

وإيانا والحسد لما عند الآخر من الفضل الذي لم نحزه، سواء في القبول في الأرض أو محبة الخلق فنحسده ونحارب نجاحه لفضل من الله آتاه إياه، فعندئذ تكون اجتنبنا الصراط السوي وخالفنا المنهج الشرعي، فعندها لنحذر قول الله (فَليَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيم) [النور: من الآية63].