من ضوابط الاتباع


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما بعد:

فقد وضع العلماء شروطًا لصحة العبادة ولقبولها عند الله - سبحانه وتعالى-، والمسلم لابد أن يحرص على تحقيقها والعمل بها، فقد كان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول: \"لأن أعلم أن الله تقبل مني صلاة واحدة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها\"، ثم تلا قوله - تعالى -: إنما يتقبل الله من المتقين {المائدة: 27}، وهذه الشروط هي:

1- الإيمان، قال - تعالى -: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين {المائدة: 85}.

2- الإخلاص: قال - تعالى -: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة {البينة: 5}.

3- الاتباع لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد\" {مسلم}

 

تعريف السنة والبدعة:

أولاً: تعريف السنة: لغة: الطريقة سواء أكانت محمودة أم غير محمودة.

شرعًا: كل ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقدير أو صفة خلقية أو خَلقية.

ثانيًا: تعريف البدعة لغة: اسم من بدع الشيء يبدعه بدعًا إذا أحدثه فأتى به على غير مثال سابق.

شرعًا: ما اخترع في الدين على غير مثال سابق، أو هي ما أحدث في الدين من طريقة تضاهي الشرعية بقصد التقرب إلى الله - تعالى -.

 

الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع:

تواترت الأدلة على وجوب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما فعل وفيما ترك.

فمن القرآن: قوله - تعالى -: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر: 7}، وقوله: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم {آل عمران: 31}.

ومن السنة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"وسترون من بعدي اختلافًا شديدًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضٌّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة\". {صحيح سنن ابن ماجه للألباني برقم (42)}

2- قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد\". متفق عليه، وفي رواية لمسلم: \"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد\".

3- وفي الحديث المتفق عليه: \"أن ثلاثة رهط جاؤوا إلى بيوت أزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروهم كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني\".

 

ضوابط الاتباع

 

يشترط لصحة الاتباع شرطان هما:

1- أن تكون العبادة مشروعة: أي يأتي الدليل بجوازهاº إذ أن الأصل في العبادات التوقف \"أي يجب على المسلم أن يتوقف عن فعل العبادة حتى يأتي الدليل على جوازها، وذلك لقوله - تعالى -: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله {الشورى: 21}، فلابد من إذن الله بالتشريع للناس، فما لم يأذن به فلا يتعبد به.

2- أن تكون كيفية أدائها مشروعة: أي فَعَلها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد خلفائه الراشدين، فلا يكفى أن تكون العبادة مشروعة في أصلها ولكن أيضًا يجب أن تكون مشروعة في كيفيتهاº إذ ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعة في مواضعها.

 

أقسام الفعل من حيث القبول والرد

 

ينقسم الفعل من حيث القبول والرد إلى الآتي:

أولاً: من حيث القبول إلى: فعل مشروع جائز: أي وردت الأدلة بمشروعيته وجواز فعله، ومثاله إحياء ليلة القدر بالقيام والقراءة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه\". رواه البخاري.

ثانيًا: من حيث الرد إلى: 1- فعل غير مشروع: أي أن أصل الفعل غير مشروع فلا يجوز أن نتعبد به الله - سبحانه وتعالى- ويسمى هذا الفعل بدعة حقيقية ومثاله البناء على القبور وزخرفة المساجد.

2- فعل مشروع غير جائز: أي أن أصل الفعل مشروع إلا أن كيفية التعبد به غير جائزة، ومثاله حديث الثلاثة السابق الذكر، وكذلك فتح المذياع أو الكاسيت أو استقدام مقرئ لقراءة القرآن قبل أذان الفجر أو العصر أو الجمعة، وكذلك قراءة القرآن على المقابر، وكذلك الذكر والدعاء جماعة جهرًا بعد الصلاة وتسمى بدعة إضافية.

فكل هذه الأفعال وغيرها أصلها مشروع بالصلاة والصيام وقراءة القرآن والاستماع إليه والدعاء عبادات مشروعة بأصلها غير مشروعة بكيفيتها التي ذكرناها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"فمن رغب عن سنتي فليس مني\".

 

شبهات والرد عليها

الشبهة الأولى: قول البعض بأن هناك بدعة حسنة واستدلالهم بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك: \"نعمت البدعة هذه\". وفي رواية: \"إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة\".

الرد عليها: يرد عليها من وجهين:

الأول: أن المقصود من كلام عمر هو البدعة بمعناها اللغوي لا الشرعيº إذ أن للفعل أصلاً في الشريعة يرجع إليها فمنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحث على قيام رمضان ويرغب فيه، وقد صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة ثم امتنع من ذلك معللاً بأنه خشي أن يكتب عليهم فيعجزوا عن القيام به.

الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر باتباع سنة خلفائه الراشدين، وقيام الليلة بهذه الكيفية قد صار من سنتهم، فإن الناس قد اجتمعوا عليه في زمن عمر وعثمان وعلي، - رضي الله عنهم - أجمعين.

 

الشبهة الثانية: قولهم: إننا نتقرب بفعلنا هذا لله - سبحانه وتعالى-.

الرد عليها: أن هذه البدع لا تقرب إلى الله - سبحانه وتعالى-º إذ لو كانت تقرب إلى الله لأمرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو القائل: \"ما بقي من شيء يقرب من الجنة ويباعد عن النار إلا وقد بين لكم\". {أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وصححه الألباني في الصحيحة برقم 1803}.

فلما لم يبينها لنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دل ذلك على أنها ليست بقربة، إضافة إلى ذلك أن أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذين أرادوا الزيادة في الأعمال كانوا يتقربون بها إلى الله ومع هذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأنهم: \"من رغب عن سنتي فليس مني\".

 

الشبهة الثالثة: استدلال البعض بحديث: \"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء\". {أخرجه مسلم}، على جواز ما هو عليه من الابتداع.

الرد عليها: المراد بالسنة في الحديث: ابتداء العمل بسنة وليس إحداثها، لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه فهو رد وليس بحسن، لكن المراد بمن سنها، أي صار أول من عمل بها سواء بادر إليها أو أحياها بعد أن أميتت.

 

الشبهة الرابعة: قول البعض: \"لا يضر فعل ذلك طالما أن النية حسنة\".

الرد عليها: الغاية لا تبرر الوسيلة إذ القاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وليس أدل على ذلك من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد على الثلاثة ما أرادوا أن يحدثوه بالرغم من أن نيتهم كانت حسنة.

 

الشبهة الخامسة: قول البعض: \"أن الاتباع قاصر على الفعل وليس الترك\" أي أننا نتعبد لله بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بما تركه.

 

الرد عليها من وجهين:

الأول: أن قولكم الاتباع قاصر على الفعل يقتضي التمسك بما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أحدثتموه من البدع لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب عدم فعله.

الثاني: أن القاعدة تقول: \"ترك الفعل مع وجود المقتضي وانتفاء المانع يدل على أن الترك سنة\".

مفاد ذلك أن ما تركه النبي #- مع وجود مقتضى للفعل وانتفاء ما يمنع فعله- سنة يجب أن يقتدى به في تركها ولا يحل لمسلم فِعل ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمثلاً النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك تلاوة القرآن على الملأ بصوت مرتفع قبل الأذان مع وجود مقتضى لذلك- وهو تبكير الناس لصلاة الجمعة، وانتفاء المانع- فلم يكن هناك ما يمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفعل، فحفاظ القرآن متوافرون في عهده، وهم أفضل وأقوى من تلا القرآن، فيجب التأسي به في هذا الترك وعدم فعل ما يخالفه وإلا كان هذا الإنسان مبتدعًا.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply