بسم الله الرحمن الرحيم
هناك نماذج عدة للحوار يمكن الاسترشاد بها لمن يدعو للحوار:
إن أرادوها قرآنية فالقرآن يدعو إلى الحوار. وقدم لنا نماذج كثيرة على ذلك منها: ما دار بين الله - سبحانه وتعالى - وملائكته في موضوع خلق آدم - عليه السلام -:
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30) وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)) (البقرة).
وقصة صاحب الجنتين في سورة الكهف: (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (32) كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا (33) وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (34) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (35) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (36) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (38) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا (39) فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (40) أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا (41) وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (42) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا (43) هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا (44)) (الكهف)
وإن أرادوها نبوية فالنبي – صلى حاور أعداءه:
يروى أن عتبة بن ربيعة جلس إلى رسول الله \"فقال له: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة أي: المكانة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قل يا أبا الوليد أسمع، فقال له عتبة ما قال حتى إذا فرغ قال له: أوقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم: قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو عليه من سورة فصلت: (حم\" (1) تنزيل من الرحمن الرحيم (2) كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون (3) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (5) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى\" إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين (6) الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون (7) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون (8) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين (9)) حتى إذا انتهى إلى الآية موضوع السجدة منها وهي الآية 37، سجد ثم قال لعتبة: قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذلك، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به، وطلب عتبة إليهم أن يدعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشأنه، فأبوا وقالوا له: سحرك يا أبا الوليد بلسانه\"(1).
دروس من القصة:
1 - حسن استماع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعتبة.
2 - أعطاه - صلى الله عليه وسلم - الفرصة إن كان يود إضافة شيء ربما نسيه أو غفل عنه.
3 - سأله ليتأكد من فراغه مما لديه.
4 - قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد القراءة \"قد سمعت يا أبا الوليد\" أي وما تختار.
وهذا من قمة الأدب وقمة الذوق مما يجعل الطرف الآخر تتفتح نفسه للسماع.
وإن أرادوها فرعونية:
فقد أرجأ فرعون موسى - عليه السلام - إلى موعد ليعرض ما لديه:
يقول الله - سبحانه وتعالى -: (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين 104 حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل 105 قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين 106 فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين 107 ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين 108 قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم 109 يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون 110 قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين 111 يأتوك بكل ساحر عليم 112) (الأعراف).
يقول صاحب الظلال: \".. و قد استقر رأي الملأ من قوم فرعون، على أن يرجئ موسى إلى موعد. وأن يرسل في أنحاء البلاد من يجمع له كبار السحرة، ذلك ليواجهوا \"سحر موسى\" بزعمهم بسحر مثله. وعلى كل ما عرف من طغيان فرعون، فقد كان في تصرفه هذا أقل طغياناً من طواغيت كثيرة في القرن العشرين، في مواجهة دعوة الدعاة إلى ربوبية رب العالمين و تهديد السلطان الباطل بهذه الدعوة الخطيرة(2).
أفلا نسمع صوت العبد الصالح الراشد الذي نصح فرعون: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب 28) (غافر).
فإذا كان هؤلاء كاذبون فسوف يتحملون تبعة عملهم، ويلقون جزاءهم ويحتملون جريرتهم. وهذا ليس بمسوغ لإقصائهم وعدم الحوار معهم.
وإذا كانوا صادقين فسوف يصيبكم بعض الذي يعدكم هؤلاء. فمتى نكون منصفين عادلين؟
وفرعون قد اختار وقت الضحى \"وأن يحشر الناس ضُحى\"، حتى يظهر كل طرف حجته واضحة جلية.
فهل يستفيد قادة الحوار من تلك النماذج، أم يخشون من إيمان الحضور بمنهج التيار الإسلامي في الإصلاح السياسي والاقتصادي، ويخشون من اختيار الشعب ومفكريه وقادته للمنهج القرآني النبوي في حل مشكلات الدنيا بأسرها؟.
___________________________________
الهوامش
(1)سيرة ابن هشام (1 - 313).
(2) الظلال (3 - 1348).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد