ترجمة الخطبة لمن لا يتكلم بالعربية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أهل العلم - رحمهم الله - اختلفوا في خطبة الجمعة هل يشترط أن تكون بالعربية أو أنها تصح بكل لسان؟

للعلماء - رحمهم الله - في ذلك ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أنه يشترط أن تكون الخطبة بالعربية وهذا مذهب الإمام مالك والشافعي.

واستدلوا على ذلك بحديث مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [1]. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب بالعربية.

وقالوا أيضاً بأن الأذكار توقيفية كقراءة القرآن فهذه يتوقف فيها على النص وكما أن القرآن لا يقرأ ولا يترجم ترجمة حرفية فكذلك أيضاً الخطبة.

والرأي الثاني: أن الخطبة تصح بكل لغة، وهذا مذهب أبي حنفية - رحمه الله -، واستدل على ذلك:

قول الله - تعالى -: {وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ, إِلاَّ بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم} (إبراهيم: 4).

يعني بلغتهم ولا يحصل البلاغ والتعليم إلا إذا كان بلغة المخاطبين.

والرأي الثالث: التفصيل في هذه المسألة أنه يشترط أن تكون الخطبة بالعربية إلا مع العجز إذا كان الخطيب لا يتكلم العربية فإنه يخطب بلسان قومه. وهذا هو المشهور من مذهب أحمد - رحمه الله -.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال: ينظر إلى حال المستمعين:

* فإذا كان المستمعون لا يفهمون العربية فإن الخطبة تكون بلغتهم كما هو مذهب الحنفية لأن الله - تعالى -قال: {وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ, إِلاَّ بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم} (إبراهيم: 4).

يعني بلغتهم فإذا كان ذلك في أصل تبليغ الرسالة أنها تكون بلسان القوم المرسل إليهم ففي تفاريع الرسالة من باب أولى لأن الخطبة نوع من تبليغ الرسالة.

وأيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود لكي يتمكن النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكاتبتهم بلغتهم وإقامة الحجة عليهم.

* أن تكون لغة المستمعين هي العربية وفيهم أناس لا يتكلمون العربية فنقول الخطبة هنا تكون بالعربية وأما غير العرب فإن الخطبة تترجم لهم فهذا طريق.

فالطريق الأول: أن الخطبة تترجم لهم بعد الصلاة فهذا جائز ولا بأس به ولا يكون هذا من قبيل المحدث بل إن هذا من قبيل تبليغ الخطبة، وتبليغ الخطبة قد لا يكون إلا بهذا الطريق كما يسلك في بعض المساجد.

الطريق الثاني: قال به بعض أهل العلم أن هؤلاء الذين لا يتكلمون العربية تترجم لهم الخطبة في أوراق ثم توزع عليهم الخطبة ويقرؤونها.

الطريق الثالث: أن الخطبة تسجل وأثناء إلقاء الإمام الخطبة أنه يوضع لـهم تسجيل بلغتهم يستمعون إليه أثناء الخطبة عن طريق خلال سماعات.

وكونهم يقرؤون الخطبة في أوراق أو أنهم يقومون باستماعهم لها عن طريق التسجيل فهذا جائز ولا بأس به.

وقد نص الحنابلة والشافعية - رحمهم الله - على ذلك، قالوا: بأن الشخص الذي لا يستمع خطبة الإمام لكونه أصم أو لكونه بعيداً عن الإمام ولا يستمع الخطبة لـه أن يشتغل بالذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقراءة القرآن، وبقراءة كتب أهل العلم..إلخ.

ومثل ذلك أيضاً هذا الأعجمي الذي لا يفهم العربية لو اشتغل بقراءة الخطبة التي يخطبها الإمام أو اشتغل بسماع الخطبة عن طريق المسجل وكذلك القراءة، فإن هذا جائز ولا بأس به وهو بمنزلة الأصم والبعيد.

 

واستدلوا على ذلك بحديث أبي الدر داء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ) [2] أخرجه الإمام أحمد - رحمه الله -.

فقيد ذلك بسماع الكلام وهذا لا يسمع الكلام.

وكذلك أيضاً أن المقصود من سماع الخطبة هو الإفادة والفهم، ومثل هذا الأعجمي وهذا البعيد لا يستفيد ولا يفهم فلـه أن يشتغل بعبادة أخرى.

وسبق أن ذكرنا أنه يفرق بين العمل والحديث في الخطبة وأن العمل أخف من الحديث وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من مس الحصى فقد لغا).

نقول أن العمل أثناء الخطبة أنه ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: عمل للمصلحة كما تقدم وضربنا لذلك أمثلة وأن هذا جائز ولا بأس به.

والقسم الثاني: عمل لغير مصلحة ولغير حاجة فإن هذا هو الذي لا يجوز.

وأما مثل هذا العمل فإنه للحاجة فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply