هذه كلمات خرجت على لسان فتاة كانت تعيش بكنف والدها كأهنأ ما تكون عليه الفتاة مع أبيها..وشاء الله أن يقضي أبوها..فقضت
بموته أحلامُها.. وسعادتُها.. وإشراقُ مستقبلها.. والفت أخوتها على غير ما عرفتهم يومَ كان أبوهُم سيدَ البيت.. فكرت باللحاق بوالدها
استرجعت وحجرها إيمانُها.. فقضتِ الليالي ذوات ِالعدد تحنّ إلى لمسته الرقيقة وابتسامته العذبة وكتبت في ذلك نثراً.. فرأيتُ أن أنظمه شعراً.. وكانت هذه الأبياتُ المتواضعةُ...
دعوني يا بني الدّنيـا وحالـي *** أعيشُ بعالمِ السِّـحر الخيالـي
لكم كلٌّ الحيـاةِ بـما حوتهـا *** ولي في الكون محرابُ الجمالِ
وتسكنُ روحُكم جسـداً كثيفـاً *** وروحي قد أقامت في الأعالـي
دعوا لومي فلسـتم من نسيجي *** وليسـت حالُكـم أبداً كحالـي
وحوشٌ أنتـمُ لكـن سُـترتـم *** بأقنعـةِ التصـرٌّفِ والمقـال
فما عرفت قلوبكـم التَّصافـي *** ولا ألِفـت سـوى دنيا الضَّلالِ
وجفـت عينكم مـن أي دمـع ٍ, *** كـأنَّ عيونكم صخرُ الجبـالِ
أعيباً إن بكى الإنسانُ يومـاً؟ *** أجرماً إن بدا دمعُ الرّجـال ِ؟؟
وإن العين في الإنسـانِ تبكـي *** وعين الوحش طبعـاً لا تبالي1
أنـا لا أدّعـي أنـي مـلاكٌ *** ولا أنّ الدٌّنـى فقـدت مثالـي
وأُبغضُ يا صحابي أن يرانـي *** إلهُ الخلق ِ أمشي في اختيـالِ
ولـكنّـي فتـاةٌ كنـتُ أحيـا *** بجنّـةِ والـدي ذاتِ الظـلالِ
أنامُ بحِضنهِ أنسـى وجـودي *** وأصحو كالأميـرة فـي دلالِ
وكنت أراهُ ملءَ العيـنِ حبـاً *** وكانَ إذا دهـى خطبٌ مآلـي
بهيٌ.. شامخ ٌ.. ورعٌ.. تقيٌ *** رقيقٌ.. ماجد ٌ.. شهمُ الخصالِ
وكان وكان ماذا سوف أحكي؟ *** أيمكن جمعُ بحرٍ, في القِلالِ؟
ونـادى الموتُ محبوبي فلبّـى *** نداءَ الحقِّ من غيرِ اعتـلالِ2
وخلفنـي بصحـراءٍ, أُقاسـي *** شديدَ البردِ فوقَ لظى الرِّمالِ3
أبي.. هلاّ رجعتَ إليّ يومـاً؟ *** ولو حُلماً بأطـرافِ الليالـي
أبي دعني أكحِّل فيـك جفنـي *** بغيركَ لن يطيبَ لي اكتحالي
أنا صوتي يحنٌّ لقول: بابـا *** وسمعي اشتاقَ صوتك يا مثالي
أبي خذني إليكَ ولا تذرنـي *** بأيـدي الناس موثقـةَََََ َالحبـالِ
أبي قد بت بعدك في اغترابٍ, *** مريـرٍ, بيـن أصحابـي وآلي
وصارت هذه الدنيـا كغـابٍ, *** يسودُ نظامَها شـرعُ القتـالِ
لذلك قد هجرتُ العيـشَ فيهم *** فمـا للخلق في الدنيـا ومالي؟
لجأتُ إليـكَ يا ربّـاه منهـم *** أتيتـكَ بالدمـوعِ والابتهـالِ
أتيتُ وفي الضّمير كلامُ طـه *** (عليك بذي الكرامة والجلال)4
-----------------------
1- طبعا لا تبالي... أي أن عين الوحش بطبعها لا تبكي... جبّلة ً هكذا... فطبعا هنا تمييز
2- من غير اعتلال... أي قضى فجأة من غير سابق مرض أو اعتلال.... فسبحان الله
3- أن ترتعدَ أطرافك من قرصِِ ِ البرد وأنت على حميم الرمال.... شعور فريد
4- إشارة لقوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي - رحمه الله - عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام..... - ومعنى الظوا بكسر اللام وتشديد الظاء: الزموا وأكثروا منها... والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد