ولـدي يـزورُ حـديقةَ الحيوانِ *** ويـعودُ يحكي لي كوصفِ عِيانِ
ويـقـولُ يا أبتي رأيتُ مشاهداً *** تـدعُ الـحـليم هناك كالحيرانِ
إنـي رأيـت الذئبَ يُظهر بأسهُ *** فـي نـعـجـة مـنهدةِ الأركانِ
ورأيـتُ ديـكاً مُتخماً شبعاً..ولم *** يـرمِ الـفُـتاتَ لِجارهِ الجوعانِ
وَرَأيـتُ لـيـثـاً خائراً متخاذلاً *** وعـريـنُـه بـقـيادةِ الجُرذانِ
وَرَأيـتُ صـقـراً غـافـلاً.. *** وإنـاثـهُ مفتونة بالبومِ والغربان
وَرَأيـتُ عجلاً.. كم يظنُ خواره *** شـدواً كـشـدوِ بـلابلِ البستانِ
وَرَأيـتُ دبـاً كـالكثيب ضخامة *** ويـظـنُ قـامـته كغصنِ البانِ
وَرَأيـتُ ثـيـراناً تشتتَ شملُهم *** فـمـحا الهزبرُ عصابةَ الثيرانِ
وَرَأيـتُ لـلـحِرباءِ ألفَ عباءةٍ, *** لـتـبـدلِ الأحـوالِ والأزمانِ
والـثـعلبُ المكارُ يمشي خاشعاً *** مـتـظـاهـراً بالزهدِ والإيمانِ
فصرَختُ: فارحل يا بنيَّ ولاتزر *** فـي العمرِ غيرَ مجالسِ الإنسانِ
*** *** ***
ولـدي يـزورُ مـجالسَ الإنسانِ *** ويـعودُ يحكي لي كوصف عِيانِ
ويـقـول: يا أبتي رأيتُ مشاهداً *** تـدعُ الـحـليم هُناك كالحيران!
إنـي رأيـتُ الجارَ يسرقُ جارَهُ *** فـي غـفـلةٍ, من أعينِ الجيرانِ
وَرَأيـتُ خِـلاً لا يـكفُ لسانهُ *** عـن غـيـبةِ الأحبابِ والخلانِ
وَرَأيـتُ أسـتـاذاً يـبثَّ جهالة *** بِـمـسـامـعِ الطلابِ والوِلدانِ
ورأيـت أُمّـاً أهـمـلت أبناءَها *** وتَـشـاغـلت بمجالس النِسوانِ
وكـذا وَرَأيـتُ أبـاً رمى أبناءهُ *** بـمـجـاهل التقصيرِ والنسيان
وَرَأيـتُ جـنـداً غافلين بِلهوهِم *** وعـدوٌّهـم فـي هِـمـةٍ, وتَفانِ
وَرَأيـتُ ذا مـال يَـضِنَّ بمالهِ *** عـن حـاجةِ المسكين والجوعانِ
وَرَأيـتُ (بـيـاعاً) يغشُ زبُونهُ *** دومـاً ويـسـتـر ذاكَ بالأيمانِ
وَرَأيـتُ شـعروراً يروجُ شعرهُ *** فـي مـدحِ أهل الظلمِ والطغيانِ
وَرَأيـتُ بـين الناسِ كيداً فاشياً *** وتـحـاسـداً وتـنابذَ الأضغانِ
فصرختُ: فارحل يا بنيَّ ولا تزُر *** فـي الـعمرِ غيرَ مكاتب الأعيانِ
*** *** ***
ولـدي يـزور مـكاتبَ الأعيانِ *** ويـعودُ يحكي لي كوصفِ عيانِ
ويـقـولُ: يا أبتي رَأيتُ مشاهداً *** تـدعُ الـحـليمَ هُناك كالحيرانِ
إنـي رأيـتُ الـوغدَ ينشرُ بغيُهُ *** ويـقولُ: هذا البغيُ من إحساني
وَرَأيـتُ أفـاكـاً يـروجُ إفـكهُ *** ويـقـولُ: هذا الإفكُ في القرآنِ
وَرَأيـتُ سـلـطاناً بَنى سُلطانَهُ *** بـجـماجمِ الأحرارِ في الأوطانِ
وَرَأيـت مـحكمةً جرت أحكامُها *** بـالـجَـورِ والـتزوير والبهتان
وَرَأيـتُ من زعمَ الهداية مغرماً *** بـعـبـادة الإصـنـامِ والأوثانِ
وَرَأيـتُ (مسؤولاً) شرى أوطانهُ *** ورجـالَـهُ بـالأصـفـر الرنانِ
وَرَأيـت عـنـترةً يفرُ ويختفي *** خـوفـاً مـن الفِئران والجُرذانُِ
وَرَأيـتُ (فـرعونَ) استبدَّ برأيهِ *** ورمـى بـآراء النَّصوح الحاني
وَرَأيـتُ قـائد جيشهم في خلوةٍ, *** ويـقـابـلُ الأعـداء بالأحضانِ
وَرَأيـتُ مُـؤتمَناً يعبٌّ (خزينة) *** كـالحوت.. ! ثم يقولُ: ما أتقاني!
فصَرختُ: فارحل يا بنيَّ ولا تزر *** فـي الـعمرِ غير مساجدَ الإيمانِ
*** *** ***
ولـدي يَـزورُ مـساجدَ الإيمانِ *** ويـعودُ يحكي لي كوصف عيانِ
ويـقـولُ يا أبتي رأيتُ مشاهداً *** تـدعُ الـحـليمَ هُناكَ كالحيرانِ
إنـي رأيـتُ الطفلَ ينسى لهوهُ *** مـتـرنـمـاً بـتـلاوة القرآنِ
وكـذا رأيتُ الشيخَ ينسى عجزَهُ *** ويـهـبُ لـلـطاعاتِ كالفتيانِ
وَرَأيـتُ داعـيـةً سرت أفكارُه *** فـي الناس كالتِرياق في الأبدانِ
وَرَأيـتُ فـتياناً تُضيء وجوهُهم *** يـتـمـسـكونَ بِطاعةِ الرحمنِ
مـن دونـهـا الإنسانُ كالحيوان *** وإذا ارتـقـى فيصيرُ كالشيطانِ
هـذي قـلاعٌ لـلهدى مذ شيدت *** ركـعَ الـضـلالُ لها بكلِّ هَوانِ
مـن هـا هُنا شق الهدى أكمامهُ *** لِـتـعـمَّ رَحـمتُهُ بني الإنسانِ
مـن ها هُنا انطلقت بكل عَزيمة *** رايـاتُ فـتـح طـاهرٍ, رباني
مـن ها هُنا (سعدٌ) مَشى متحدياً *** كـسرى.. ! وأطفأ جذوةَ النيرانِ
من ها هُنا قد سارَ (خالدُ) صادماً *** بـالـحق كِبرَ القيصرِ الروماني
مـن هـا هُـنـا تبدو لنا آمالُنا *** غـراءَ نـاطـقـة بـكل لسانِ
بَل ها هُنا نُصِبت موازين التقى *** فـتـحـطـمت أُحبولةُ الشيطانِ
فـيـهـا رجالٌ لا يبالون الوغى *** إن جـاء صـهيوني وأمريكاني
سـلهم.. وسل (جينينَ) كم جنوا؟ *** وسل (فلوجَة) الأبطال والفرسانِ
دَع عـنكَ كلَّ الناسِ في أهوائهم *** والـزم رياضَ الخيرِ والإحسانِ
هـي أولٌ في كلِّ حال في المدى *** دوماً.. وكل الأرضِ صنف ثان!
فـيـهـا العلاجُ لجاهلِ أو جانٍ, *** وهـدايـة الـدهـماء والأعيانِ
فالذئبُ أرقى من بني الإنسانِ إن *** عـاشـوا بـغير المنهجِ الرباني