العلم الشرعي صمام الأمان


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إذا كان في الأمة الإسلامية اليوم تخلف وفتن وتشرذم، أو أن الدعوة الإسلامية تشكو من تعاكس وتضارب المواقف فإن العلم الشرعي يتكفل بتوضيح الراية ورأب الصدع ورتق الفتق..ويذكر العلامة أبو بكر الآجري في هذا الصدد كلاما نفيسا حين قال: \"إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه: اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة، وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل مكان وأوان، رفعهم بالعلم وزينهم بالحكم\" فالعلم هو أساس علاج الفتن والافتراق وذلك هو سر الخيرية الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح عند البخاري حين قال: \"من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين\" وليس في هذه الدنيا أفرح بها من داعية مسلم أحاطه الجد، ولازم الكتاب والسنة فدق على صدره وقال أنا للإصلاح، ثم يدق ثانية ويقول أنا لمواصلة الدرب، لكن قابلية هذا العلم على التأثير في حملته والتعدي إلى آخر متوقفة على شرطين:

الأول صفاء بلا ابتداع بأن يكون على السنية المحضة، والاتباع المنضبط والانتساب إلى ما كان عليه السلف فهماً وعملاً، فصاحب السنة: \"ظاهر مفاخر مشاور، والمحدث باطن شائن مائن، وذو الاتباع أبداً في العرصات علانية، والمبتدع يهرب أبدأ إلى الدهاليز والأقبية والظلام يتوارى\".

الشرط الثاني: إخبات بمحراب، كما قال بعض الصالحين: \"ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب\" (تفسير النسفي) ثم إنها دعوة إلى العلم مرتبطة بمنهجية منطبقة بقواعد أهل السنة والجماعة ومنهج السلف، هي وحدها القادرة على أن تتكفل بتحجيم المنهجية العقلية أو بالأحرى مدرسة الاعتزال الجديد التي رفعت رأسها مجدداً على طريقة التوسع في التأول والتي جلبت مزايدات غير محدودة في الترخص والتسهيل والتجانس مع الحياة العلمانية السائدة…

 ولسنا بهذا نقبل الجمود ونركن إلى التقليد وإلغاء العقل والوقوف عند أقوال الفقهاء الذين لا تسند النصوص ما ذهبوا إليه، ولكن ندعو إلى اجتهاد منضبط ومحروس بسنن، وهو يتجول بحرية داخل العرصات الواسعة التي منحتها القواعد الفقهية للمفتي والفقيه، مقترباً ما أمكن من منطق الشاطبي في موافقاته، مثلما يقتبس من جرأة ابن حزم في محلاه، متجنباً غرائبه القليلة، وأن يقترب من احتياطات ابن حجر في فتحه، ومن ترددات النووي بين التهيب وإحداث قول جديد في مجموعه مثلما يساير ويماشي توسيعات ابن تيمية في فتاواه.

 وأمثال ذلك مما أتى به علم فطاحل آخرين كأن القدر جمع علم بعضهم إلى بعض لتكتمل صورة فقهية ناضجة، وغاية اجتهادها أن يستجيب للمستجدات التي أفرزتها تعقيدات الحياة المعاصرة وتشابكها من خلال الارتباط الوفي باجتهادات السلف الأولين، وليست غايته نبش وقلب صورة الفقه التي تكونت في قرون الفضل الأولى عبر ظنون وتأولات فوضوية تترك الناس في حيرة من أمرهم أمام زخم العقلانيات، حتى إن رغبات الحكام باتت تشكل إحدى أهم هذه الخلفيات التي تحاول التمرد كلما حاصرتها عوازل الفقه وجوازم الإيمان وهذا كله بمظلة من العقيدة السنية النصية في وفاء لحدود عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله التي ميزها عن الاستطرادات البدعية التي أوغلت في التعطيل والتمثيل، إن المدرسة العقلية الفقهية التي يريدها الاعتزال الجديد ستقوده إلى نزعة عقلية في الاعتقاد ولابد، لأن المحركات واحدة نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply