الثروة في ظل الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

يتناول كتاب \"الثروة في ظل الإسلام\" للمفكر الإسلامي الكبير الأستاذ البهي الخولي بعض نصوص وأحكام الإسلام التي وردت في الثروة، والتي يوضح فيها الكاتب حقيقة العدالة الاقتصادية التي جاء بها الإسلام.

 

والهدف من تأليفه لهذا الكتاب هو التحولات الخطيرة التي يمر بها العالمº حيث يأتي التفكير في تغير الأوضاع الاقتصادية، والخاصة بتوزيع الثروة وأصول تداولها.. يأتي في مقدمة المطالبº سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو عقيدية، فهذه المطالب كلها ترتبط ارتباطًا وثيقًا وتتعلق تعلقًا جازمًا باقتصاد الأمة، ويقول الكاتب في هذا: \"العقيدة، وهي أمر مثالي نظري، لا تحس أثرها وحياة قيمها في الضمير، إلا فيما يتداوله الناس ويتعاطونه من شئون معاشهم، فالعقيدة الصالحة إذا كانت هي قاعدة الأمة الروحية الضرورية.. فإن الاقتصاد العام هو قاعدتها الحسية التي لا قيام للأمة بدونها\".

 

وفي ظل كثرة الفلسفات والمذاهب والآراء والتجارب التي تتسابق لأذهان الشباب وتتنافس على الاستحواذ على عقولهم، والتي تحسن عرض أنماط الفكر وأسس التخطيط ولبنات البناء.. فإنه من الحق والخير أن يأخذ الإسلام مكانه من قيادة هذا التطور الحاسم الذي يشمل الفكر والضمير والعلم والاقتصاد.. وكل مقومات الحياة.

 

إطار تداول الثروة:

ويتحدث فيه الكتاب عن الإطار أو الأطر التي يتم من خلالها تداول الثروة من خلالها، ويوضح الكاتب أن هناك حقيقتين لا خلاف عليهما:

الأولى: الإنسانية اليوم بلغت في علوم الاقتصاد ونظرياته وضروب معاملاته مدى مستفيضًا، تفوقت به على نفسها في أي عصر مضىº أي إنها لم تكن أعلم بالاقتصاد منها اليوم.

 

الثانية: أن الإنسانية لم تعانِ يومًا من الأيام مثل ما تعانيه من مشاكل بسبب الاقتصاد، والتي تظهر مردوداتها في بقية مناحي الحياة السياسية والنفسية والاجتماعية على المستوى العالمي بين الدول بعضها وبعض.

 

وهذا معناه أن الإنسانية على اتساعها في آفاق العلم وشتى فنونه لم تستطع التوصل إلى الوضع السليم الذي ينظم صلة الإنسان بالثروة أو صلته بالمواد الخام، فالفلسفات والمناهج، التي يتبعها الإنسان حاليًا والتي تنظم صلة الإنسان بالثروة، لا تجعل الإنسان مؤتمنًا على عمارة الأرضº بل على العكس من ذلك تؤهله لتدميرها وتخريبها.

 

فالإنسان حينما يأخذ بأسباب ومقدرات امتلاك وقيادة الثروة، فإنه في حاجة إلى ضمير حي.. هذا الضمير من شأنه إحداث توازن في عملية إدارة هذه الثروة، وهذا ما نلحظه الآنº حيث تحولت عملية إدارة الثروة في عالمنا إلى سبب من أسباب تفشي المظالم، ووسيلة من وسائل ممارسة القهر والاستعباد.

 

وتلك هي ثقافة الروح، أو لمحة منها.. من منطقها أن ثروات الكون- خيراته ومعادنه وطاقاته- قد جُعلت لمقاصد جليلة، أرادها الخالق الكريم، من هنا تتضح حقيقةٌ هامةٌº وهي أن السبيل من النجاة من هذا الاضطراب الناتج عن سوء استغلال وإدارة الثروات هو أن يكون للثروات مهمة يقرها العقل، وتطمئن إليها الفطرة، فإنه إذا كانت للثروة مهمة ورسالة، وُجِّهت وجهة سليمة تناسب صالح الإنسانية ونماءها، والله - تعالى - خلق الإنسان لحكمة: \"وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ\" (الذاريات: 56).

 

والعبادة هنا ذات معنى ممتد إلى ما وراء العبادة المعروفة مثل الصلاة والصوم، فلُبٌّ العبادة هو تحرر الإنسان من كل عبودية إلا عبوديته - تعالى -، فلا يكون في باطنه (ضميره) سلطان ما إلا لله، وتحرير القلب إنما يكون بتخلية القلب من عبادة العرض الأدنى وكل ما هو باطل، فإذا ما تم هذا التحرر، وذاق جمال الحق وعزته، رفض أن يقر أي هيمنة باطلة في ظاهرة الحياة على نفسه أو على غيرهº أي إن الإنسان جاء إلى هذه الأرض ليقيم فيها نمطًا من الحضارة والحياة، قوامها سلطان الله - تعالى -، سلطان الحق والخير والعدل الذي ارتضاه الله لعباده.

 

والله - تعالى - الذي خلق الثروات، له حكمة في خلقه إياها.. نختار الحديد مثلاً، يقول - تعالى -: \"لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ وَأَنزَلنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ إِنَّ اللهَ قَوِيُّ عَزِيزٌ\" (الحديد: 25).. الله - تعالى - يقر للحديد ميزتين، وهما أنه فيه منافع للناس، وأنه يساعد على تثبيت دعائم الدولة في مواجهة خصومها، وهذه هي الحكمة من خلقه إياه.. نفس الأمر ينسحب على بقية العناصر.

 

إنسانية الثروة:

وينتقل الكاتب إلى نقطة أخرىº وهي إنسانية الثروة، بمعنى أن الله - تعالى - خلق الكون قبل خلقه للإنسان، وجاء البشر فكان نتاج وخيرات هذه الأرض لهم كافة.. من هنا كان مبدأ عدم احتكار الثروة على قطر أو على فئة معينة تستحوذ على خير الأرض وثرواتها وغيرها من الأمم تغرق في نير الفقر والحاجة.

 

ومن هنا نرى أن الإطار الذي رسمه الإسلام لتداول الثروة يتألف من العناصر التالية:

1- أن يكون للإنسان رسالته الفاضلة التي يتقيد بها سلوكه.

 

2- أن يكون للثروة مكانها من رسالة الإنسان التي قدمنا.

 

3- الإقرار بعالمية الثروة وإنسانيتها.

 

4- أن يلحظ في الكائنات أولاً وأخيرًا صلتها بالخالق - تعالى -.

 

ثم يستعرض الكاتب المرافق وتقسيماتها المختلفة، وكيف عني الإسلام به.

 

 فأنواع المرافق بيَّنها كالتالي:

- مرافق مشروعة، مثل: الأراضي الزراعية، والحيوان، ومناجم الفلزات، وموارد المياه، والمعادن السائلة، والريح، والطاقة الشمسية.

 

- المرافق غير المشروعة، وهي مرفق واحدº وهو الإنسان، فالإسلام جاء محررًا للإنسان من الرق والعبوديةº حيث حصر الرق في أسرى الحرب إلى أن تضع الحرب أوزارها، فيطلق سراح الأسير إما بالفداء أو بتبادل الأسرى، وإما تفضلاً، ومنه فالإنسان لا يجوز- بأي حال من الأحوال- أن يكون موفقًا، مستغلاً لغيره من بني جنسه، كما يستغل المنجم مثلاًº ذلك لاختلاف حقيقة كل منهم.

 

ويوضح حقيقة الرِّقِّ بين سادة اليوم وسادة الأمس، فالحضارة القائمة ألغت الرق بقانون، ثم فرضت على الضعفاء رقًّا آخر بغير قانون، فقديمًا كان السيد الهمجي يشفق على رقيقهº لأنه من ثروته، أما السيد المتحضر حاليًا فنزعت منه الشفقةº لأن لقمة العيش نخاس جبار يسوق إلى ساحته كل آن ما لا يحصى من الرقيق الحر.. الحضارة لم تهذب من سادة اليوم سوى القشرة الظاهرة، أما ضراوة الوحش القديم فلا تزال رابضةً في الدم.. فالاستعمار تطور من رق الأفراد إلى رق الطوائف والشعوب، وبدلاً من النخاسين قديمًا إلى عملاء سياسيين ومن أرباب الملايين.

 

سنن استغلال المرافق:

ولاستغلال المرافق- طبيعية أو صناعية- سنن وقوانين تستقيم بها منفعتها وتتضاعف، منها:

أ- احترام تلك المرافق.

 

ب- أن يؤخذ كل شيء بقانون تثميره.

 

جـ- العمل بمعنى العملº وهو يشمل وجوه النشاط العمراني، وأساس الجزاء أن يحاسب الفرد على عمله.

 

د- تعهد المرافق بالصيانة والتقوية والتحسينº لأن إهمال المرافق ضربٌ من الجهل تسوء به عافية الأمة.

 

ويبين الكاتب أن الله - تعالى -، كما أنه جعل للناس أرزاقًا حسية، جعل لهم أرزاقًا معنوية، وسنن هذه الأرزاق المعنوية أو الروحية كالتالي:

 

1- ذكر فضل الله وأثره في كل نعمة كلما استقبلنا شيئًا منها.

 

2- تقوى الله.

 

3- إرادة القلب لما عند الله، وتحركه الدائم بالرغبة إليه - تعالى -، إشارةً إلى جاحدي تلك الأرزاق والسنن.

 

في أهداف الاستغلال:

ما يعانيه العالم في قلق سببه العجز في فهم رسالة للإنسان، يشغل بها نفسه، ويوجه إليها الثروة التي هي تحت إمرته.. لماذا عجزوا؟ لأنهم لا يريدون أن يؤمنوا أن له رسالةً وراء العمل في مادة هذه الأرض.. والتصور الذي يزعمونه هو أن الإنسان في هذه الدنيا إنما جاء ليعمل ويأكل ويتناسل ثم يموت.

 

يشاع عن الثروات أنها منة الله للناس، فذلك الأمر للكثيرين بديهي مشهود في الواقع، والإسلام لا يكتفي فقط بتقرير تلك الحقائقº بل يستخلص لها مكانها من نظرة الإنسان بفطرته الذاتية وفطرته الاجتماعية، وجاء الأنبياء بالبينات من الله ليعقدوا الصلة الضرورية بين تلك الحقائق البديهية وفطرة الإنسان، أو ليقروا تلك الحقائق في هذا الوعي الباطنº حتى تصير بمخالطته ذات إيجاب وطاقة منهضةº ولذا نلتزم هذا النهج فيما تقرر جهد الإمكان.

 

ثم يوضح الكاتب عناصر الثروة المختلفة، وكيف بيَّن الله - تعالى - للأمة كيفية الاستغلال الأمثل للثروة في صورة عملية اجتهد المسلمون الأوائل في تطبيقها وبحسن تطبيقها سادوا الدنياº لأنهم اجتمع عندهم صفاء العقيدة وسموٌّ الروح مع منهج محكم جاء لصالح البشرية وسمو الإنسان.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply