\ الاعتقاد \ للإمام الطبري


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

المؤلف: الإمام المفسر الحافظ الفقيه أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري الآمالي صاحب التفسير الشهير والتاريخ الكبير.

مولده: ولد عام 224ه بمدينة آمل طبرستان، حفظ القرآن وعمره سبع سنين، وأَمَّ الناس في الصلاة وعمره ثماني سنين، وبدأ يكتب الحديث وعمره تسع سنين، وعندما جاوز البلوغ بدأ رحلته في طلب العلم والسماع من أكابر العلماء.

أخذ عن علماء كثيرين منهم محمد بن المثنى، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني والربيع بن سليمان الأزدي تلميذ الشافعي وغيرهم كثير، وسمع منه الإمام أبو أحمد عبد الله بن عدي صاحب كتاب الكامل في الضعفاء، والقاضي أبو بكر أحمد بن كامل وآخرون.

قال عنه الإمام محمد بن خزيمة: إني لا أعلم على أديم الأرض أحدًا أعلم منه.

وفاته: 310ه ببغداد.

موضوع الكتاب: بيان القول الصحيح والاعتقاد السديد فيما اختلف فيه من أقوال بين الفرق الإسلامية في زمن الطبري - رحمه الله - وإظهار قول أهل السنة والجماعة بطريقة مختصرة.

قيمة الكتاب: يبين هذا الكتاب وما قبله من الكتب السابقة في هذا الباب أن اعتقاد أهل السنة عقيدة غالب علماء المسلمين أمثال الطبري والآجري والإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وسفيان الثوري وابن المبارك وغيرهم.

منهج المؤلف: يورد المؤلف اعتقاده بطريقة مختصرة يبين فيها قول أهل السنة في المسألة وأحيانًا يأتي بالأدلة على ذلك من الكتاب والسنة.

سبب تأليفه: ما حدث في عصره كما قال من حماقات خاض فيها أهل الجهل والعناد والرعاع يتعب إحصاؤها ويمل ويكثر تعدادها.

أهم ما جاء في عقيدته: من ذلك قوله: فأول ما نبدأ بالقول فيه من ذلك عندنا القرآن أنه كلام الله وتنزيله إذ كان من معاني توحيده فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله غير مخلوق كيف كتب وحيث تُلِيَ وفي أي موضع قُرئ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنًا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا أو اعتقد ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه أو قاله بلسانه دائنًا فهو بالله كافر حلال الدم والمال بريء من الله والله منه بريء، يقول الله - تعالى -:\" بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ \" {البروج: 21، 22}، وقال - تعالى -: \"وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله\" {التوبة: 6}، فأخبر أنه في اللوح محفوظ مكتوب وأنه من لسان محمد مسموع وكذلك هو في الصدور محفوظ وبألسن الشيوخ والشبان متلو، حدثني محمد بن منصور بإسناده عن ابن عيينة قال سمعت عمرو بن دينار يقول أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة يقولون: القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود.

وقال في الرؤية: وأما الصواب من القول في رؤية المؤمنين ربهم - عز وجل - يوم القيامة في الآخرة، وديننا الذي ندين به، وأدركنا عليه أهل السنة والجماعة، فهو أن أهل الجنة يرونه على ما صحت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثنا أبو السائب سالم بن جنادة بإسناده عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسًا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم راؤون ربكم - عز وجل - كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها\" {طه: 130}، ولفظ الحديث كحديث مجاهد قال مجاهد قال يزيد: من كذَّب هذا الحديث فهو بريء من الله ورسوله حلف غير مرة وأنا أقول صدق رسول الله وصدق يزيد وقال الحق.

وفي أفعال العباد قال: وأما الصواب من القول لدينا فيما اختلف فيه من أقوال العباد وحسناتهم وسيئاتهم فإن جميع ذلك من عند الله - تعالى - والله - سبحانه وتعالى- مقدره ومدبره ولا يكون شيء إلا بإذنه ولا يحدث شيء إلا بمشيئته له الخلق والأمر. كما حدثني زياد بن عبد الله بإسناده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه\".

وفي الصحابة قال: وأما الحق من اختلافهم في أفضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما جاء به - صلى الله عليه وسلم - الخبر وتتابع على القول به السلف.

فنقول فأفضل أصحابه - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق ثم الفاروق بعده عمر بن الخطاب ثم ذو النورين عثمان بن عفان ثم أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (قلت: وفي هذا رد على من رمى الإمام الطبري بالتشيع زعمًا أنه قدم عليًا على عثمان) رضوان الله عليهم أجمعين.

وفي من أولى بالخلافة قال: وأما أولى الأقوال بالصواب عندنا فيما اختلفوا فيه من أولى الصحابة بالإمامة فنقول من قال بما حدثنا به محمد بن عمر الأسدي بإسناده عن سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم بعد ذلك ملك\" قال لي سفينة: \"أمسك خلافة أبي بكر سنتان\" وخلافة عمر \"عشر\".

وفي الإيمان قال: وأما القول في الإيمان وهل هو قول وعمل وهل يزيد وينقص أم لا زيادة ولا نقصان، فإن الصواب فيه قول من قال هو قول وعمل ويزيد وينقص وبه جاء الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه مضى أهل الدين والفضل ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سألنا أبا عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان فقال ثنا الحسن بن موسى (الأشيب قال حدثنا حماد بن سلمة) عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عمر بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص، فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبَّحناه فتلك زيادته وإذا غفلنا وعصينا ونسينا فذلك نقصانه.

وقال في اللفظية: وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفا إلا عمن في قوله الغنا والشفا رحمة الله عليه وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام قول الأئمة الألى الإمام المرتضى أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه، قال أبو جعفر أخبرنا إسماعيل الترمذي قال سمعت أبا عبد الله أحمد يقول: اللفظية جهمية، يقول الله: حتى يسمع كلام الله {التوبة: 6} فممن يسمع؟ ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه يعني الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع، ولا قول في ذلك كله عندنا يجوز أن نقول غير قوله إذ لم يكن لنا في ذلك إمام نأتم به سواه وفيه الكفاية والمقنع وهو الإمام المتبع إذ هو إمام أهل السنة رحمة الله عليه ورضوانه.

ثم قال خاتمًا: فديننا الذي ندين الله به في الأشياء التي ذكرناها ما بيناه لكم على ما وصفنا فمن روى عنا خلاف ذلك أو أضاف إلينا سواه أو نحلنا في ذلك قولا غيره فهو كاذب مفتر متخرص معتد يبوء بسخط الله، وعليه غضب الله ولعنته في الدارين، وحق على الله أن يورده المورد الذي وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضرابه وأن يحله المحل الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - سبحانه - يحله أمثاله على ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -.

والله من وراء القصد.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply