القراءة مدى الحياة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

إن نعم الله على الإنسان لا تعد ولا تحصى، ومن النعم الجلية التي أسبغها الباري - عز وجل - على عباده القدرة على القراءة، التي هي غذاء العقل كما أن الطعام والشراب غذاء الجسد. وبفضل القراءة ينمو العقل ويترقى في سلم أعالي العلوم والمعارف بشتى أنواعها وهي التي تستحثه بقراءاتك المتكررة، لشتى أنواع الثقافة، إلى أن يكون (العقل) ميزاناً لما ينفعك من التصرفات، فيشعل لك بذلك سراج الهداية لتستضيء به في مسير حياتك للتشبث بكل نافع مفيد، وميزاناً لما يضرك من النشاطات، فيرفع لك معلم التحذير من سلوك سبل الباطل التي تحرضك على سلوكها نفسك الأمارة بالسوء، واللهو المردي والشيطان الرجيم. فيتعاون العقل السليم والفطرة النيرة والوحي المبين، على قيادتك إلى ربك لتحقيق ما ترضيه به في دنياك وآخرتك.

والقراءة تصل القارئ بالعصور الغابرة من التاريخ، بما فيه من خير وشر، وتجعله - إذا دوَّن أفكاره - متواصلاً مع الأحقاب اللاحقة، ينقل للأجيال القادمة أحداث عصره، وعادات جيله، وتاريخ أمته، كاشفاً لهم تجارب عصره، بما فيها من إيجابيات يدعو لاقتفائها، وسلبيات، يحذر من الوقوع فيها.

 

أما من لم يقدر له الله أن ينال هذه النعمة - نعمة القراءة - فلا تراه يفرق بين المكتوب والمرسوم، واللعب والجد، والحق والباطل، مما يسطر في صفحات الكتب والجرائد والمجلات، والألواح والصخور، إلا بأن هذا لون وذلك لون صوَّرته له الرؤية، لا يعلم من محتواه شيئاً، ولا يدري من مضمونه عرفاً ولا نكراً، يرى الحروف والكلمات والجمل والسطور، رؤية قد يعجبه جمالها، دون أن يعرف ما تحمله في أحشائها من جواهر وأصداف، أو ما أثقلت به صنوانها الدانية وأغصانها من ثمار لذيذة يانعة.

ولا فرق بينه وبين صبي خرج لتوه من رحم أمه، أو مجنون فقد عقله، فكلهم حرُِم من التمتع بنعمة القراءة، إلا أن الصبي والمجنون معذوران بسقوط التكليف عنهما، وهو من المؤهلين للتكليف العيني والواجب الكفائي في أمور دينه ودنياه.

وفي ظل هذا الوابل الذي لا ينقطع من المعلومات التي تمطرنا بها أوعية الثقافة المتعددة فإنه لم يعد يستقيم مع متغيرات العصر أن يواجه المرء المستقبل من خلال ما تزود به من مهارات ومعارف ومعلومات في فترة محدودة من فترات العمر.

 

وانقضت تلك العهود التي كان فيها الطالب يعتمد على المدرسة وحدها في تعليمه وتثقيف، وصرنا حيال عهد يعول فيه على الدراسة الفردية وتحصيل المعارف بالجهود الذاتية.

 

ويتمثل دور المدرسة في استثارة القوة الدافعية الأولى للتعليم الذاتي... ليمضى الإنسان متسلحاً بالحقائق التي تشحذ إرادة التعليم واكتساب المعرفة ولذا يقال عن التعليم اليوم أنه منهج للتربية مدى الحياة. ويحضرنا في هذا المقام المثل الصيني الذي يقول: \"بدلاً من أن تعطيني سمكة علمني كيف أصيد\".

 

فإذا ما غرس في الإنسان الميل للقراءة والإيمان بأهميتها فإنه سيجد دوماً على امتداد حياته في كل مراحل العمر الكتب التي يقرأها، والمصادر التي يطلع عليها، وتلبي كافة احتياجاته الذهنية والوجدانية والأخلاقية وتستجيب لمتطلبات حياته في تغيراتها وتحولاتها.

 

ومن هذا المنطلق فإن نشر الوعي القرائي في المجتمع ينقله من وهاد التخلف إلى ذرى التقدم. ولا ريب في أن القراءة هي أحد العناصر الأساسية لتراثنا الثقافي والمصدر الأساسي للثقافة والمنبع الحقيقي للفكر الإنساني. لأن القراءة هي وسيلة التعلم المستمر أو التعلم مدى الحياة. ومن المعروف أن أداة القراءة هي لكتاب فهو يضم في صفحاته رحيق الفكر وخلاصة التجارب ومنيع الثقافة. والقراءة هي النافذة التي نطل من خلالها على أبواب المعرفة المشرعة والسبيل إلى اكتساب المعلومات بالبحث والإطلاع. وللقراءة والمعرفة أثرهما في تكوين شخصية الفرد وتشكل عقليته الفكرية والحياتية على حد سواء.

 

والقارئ الناضج هو الذي يربط بين المعاني بالكلمات التي تقع عيناه عليها بمجرد أن يراه مسطورة. وعندما تربط المعاني بالكلمات، فإنه تندمج في وحدات فكرية تحمل الأفكار والمعاني التي أراد الكاتب أو يوصلها إلى قرائه. والقارئ حينما يندمج فيما يقرأ فإنه يزداد فهماً ويحيا حياة المؤلف ذاتها في مادته المقروءة، ويعيش في الجو الذي رسمه بيراعه السيال. وهكذا يأخذ من المؤلف خبرة جديدة ثم يضيفها إلى ما تراكم لديه من خبرات مما يفتح أمامه آفاقاً جديدة لا حدود لها مما يعينه على تفسير وقائع الحياة والعمل على إيجاد الحلول المناسب للمعضلات التي تعترض طريقه لكي يكتب له النجاح في الدارين.

 

هذا والله ولي التوفيق.  

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply