أهداف التعليم للجميع حلم بعيد في أكثر من 70 بلدا


بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا تزال الجهود متواصلة في زهاء 83 بلدا لتحقيق التعليم للجميع بحلول عام 2015، وهي المهلة التي حددت لبلوغ هذا الهدف في منتدى دكار العالمي للتربية (السنغال) قبل وعامين. غير أن التوجهات الحالية توحي بتعذر تحقيق هذا الهدف في أكثر 70 بلدا، لا بل أن عددا من تلك البلدان بدأ بالتراجع، تلك هي النتيجة التي توصل إليها تقدير العام 2002 للمتابعة الشاملة التعليم للجميع هل بات العالم مستعدا؟ الذي أطلق خلال مؤتمر صحفي نظمته اليونسكو مؤخرا في لندن.

 

يظهر التقرير أنه في حين يشهد العديد من البلدان تقدما ملحوظا باتجاه الأهداف المحددة في منتدى دكار الا أن التقدم لا يزال غير كاف في العديد من البلدان الأخرى كما يؤكد التقرير، ثانية، على التحليل الذي خلص إليه المنتدى بأن زهاء ثلث سكان العالم يعيشون في بلدان لا يزال بلوغ أهداف التعليم للجميع فيها بمثابة حلم بعيد المنال، وفقا لما يقول البروفيسور كريستوفر كولكلوف، وهو خبير بريطاني بارز يعمل في مجالي التربية والتنمية، والمشرف على التقرير.

 

وكان منتدى دكار قد توصل إلى ستة أهداف أساسية غير مكلفة، ويمكن بلوغها نظرا إلى الالتزام والعزم القويين اللذين ظهرا في شأنها على المستوى الدولي. وتتمثل هذه الأهداف في: تأمين مشاركة جميع الأطفال في سن الذهاب إلى المدرسة الابتدائية في التعليم المجاني المتسم بنوعية مقبولة بحلول عام 2015 وإلغاء التفاوت في التعليم بين الجنسين وخفض مستويات الأمية لدى البالغين إلى النصف وتنمية العناية والتعليم في مراحل الطفولة المبكرة بنسب كبيرة وزيادة فرص التعليم بنسب كبيرة لدى الشباب والبالغين، وتحسين جميع جوانب الجودة في التعليم.

 

وبحسب تقرير عام 2002، يبدو أن 28 بلدا تشمل أكثر من 26% من سكان العالم أن تحقق أيا من الأهداف الكمية الثلاثة لمنتدى دكار، أي التعليم الابتدائي الكلي، والمساواة بين الجنسين، وخفض مستويات الأمية إلى النصف.

 

كما أن ثمة 43 دولة أخرى تغطي 35ر6 في المائة من سكان العالم معرضة هي الأخرى للفشل في تحقيق هدف واحد على الأقل من الأهداف الثلاثة المذكورة.

 

وفي ظل النسب الراهنة، يقول التقرير، أصبح من المستبعد بلوغ التعليم الابتدائي الكلي في 57 بلدا. حتى أن واحدا وأربعين من تلك البلدان، بما فيها بعض البلدان الواقعة في أوروبا الوسطى والشرقية بدأت تشهد تراجعا ويذكر أنه كان من المقترض تحقيق المساواة في التعليم بين الجنسين بحلول عام 2005. وإذا كان التقرير يشير إلى تحسن نسبة التحاق البنات بالمدارس في جميع المناطق خلال التسعينات والى إحراز المساواة بين الجنسين في 86 بلدا في وقت أمسى 35 بلدا أخر على وشك تحقيق هذا الهدف، إلا أن 31 بلدا لا تزال مهددة بعدم بلوغ هذه النتيجة حتى بلول عام 2015. وما لم يحر بذل جهد أكبر بكثير لهذا الغرض، لن يتمكن 78 بلدا من خفض معدلات الأمية لديها بحلول عام 2015. وشمل هذه البلدان أربعة من أكثر البلدان كثافة للسكان في العالم، هذا ويكشف التقرير أن الكلفة المترتبة على توفير التعليم للجميع تتجاوز التقديرات المحددة أصلا، ويعزى ذلك جزئيا إلى عدم الأخذ في الاعتبار الثمن الباهظ لأثار فيروس الإيدز وآثار مختلف النزاعات على التعليم. فاستنادا إلى التقرير، سوف يستدعي فيروس الإيدز لوحده زيادة بمقدار 975 مليون دولار أميركي على الكلفة السنوية التي ترصد لبلوغ التعليم الابتدائي الكلي. وفي الوقت ذاته، هناك ما لا يقل عن 73 بلدا تعاني من الأزمان الداخلية أو من أعباء مسيرة إعادة البناء التي تعقب النزاعات، مما يزيد، وبشكل كبير، تكاليف بلوغ التعليم للجميع. كذلك فإن الأحداث الأخيرة تنذر، بحسب التقرير، بأن أربعة أو خمسة بلدان على الأقل قد تواجه حالات وأوضاعا إنسانية طارئة وشديدة التعقيد على مدى العقد المقبل.

 

ويتعين اعتماد إصلاحات تربوية واقتصادية كبرى في العديد من البلدان لتلبية هذه الكلفة، فضلا عن إجراء زيادة ملموسة في موارد الميزانية الخاصة بالتعليم الأساسي. كما أن ثمة حاجة إلى المساعدات الخارجية لتدارك الفجوة البارزة في التمويل. ذلك أن التقديرات الأولية للمساعدات الواجب توفيرها تدنت بنسبة 50 في المائة عن الاحتياجات الفعلية: وينبغي استنادا إلى التقرير توفير 6ر5 مليار دولار إضافية سنويا لبلوغ هدفين فحسب هما التعليم الابتدائي الكلي والمساواة بين الجنسين. ويتوقف التقرير عند التراجع اللافت والمفاجئ في القيمة الحقيقية لإجمالي حجم المساعدات والمساعدات الخاصة بالتعليم على السواء بين عامي 1990و2001.

 

ويتساءل التقرير حول الجدوى من جوانب معينة لبرامج المساعدات التي تقوم برصد الدعم المالي لبلدان ذات استراتيجيات واضحة للحد من الفقر، وخطط تتمتع بالمصداقية لتحقيق هدف التعليم للجميع. وثغرة هذا الأسلوب، حسبما ورد في التقرير، إنما تكمن في مكافأة البلدان التي تتمتع بثقافة سياسية مستقرة وبتقاليد متطورة في وضع السياسات العامة، وإقصاء بلدان أخرى في أمس الحاجة إلى الدعم، و(يتعين قلب هذا الوضع في الاتجاه المعاكس: فعوضا عن تلقي البلدان التي تتسم بأكثر السياسات ضعفا لأقل قسط من الاهتمام من قبل المجتمع الدولي، ينبغي أن تكون في الواقع محط الاهتمام الأكبر.

 

وهنالك عامل آخر يسهم في تفاقم الصعوبات لبلوغ أهداف دكار وهو التناقص المتنامي في عدد المعلمين عبر العالم. واستنادا إلى التقرير، ثمة حاجة إلى ما بين 15و35 مليون معلم إضافي لتحقيق التعليم الابتدائي الكلي بحلول عام 2015. وتحتاج أفريقيا الصحراوية لوحدها إلى ثلاثة ملايين معلم إضافي. فبخلاف معظم المناطق الأخرى عبر العالم، بدأت نسب التلامذة بالقياس إلى المعلمين بالارتفاع مجددا خلال الأعوام الأخيرة، لتبلغ معدلا إقليميا هو 40 تلميذا للمعلم، بالمقارنة مع 25 تلميذا للمعلم في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وفي شرقي آسيا والمحيط الهادئ والدول العربية وإفريقيا الشمالية.

 

يصدر تقرير المتابعة الشامل حول التعليم للجميع سنويا عن فريق دولي مستقل ـ مقره اليونسكو في باريس (فرنسا) ـ بوصفه جزءا من أعمال المتابعة لمنتدى دكار، وتموله اليونسكو بالتعاون مع وكالات متعددة وثنائية الأطراف، كما أنه يفيد من مشورة هيئة تحرير دولية.

 

يشكل تقرير المتابعة الشامل أداة ضرورية بالنسبة إلى مشروع التعليم للجميع برمته، كما يقول مدير عام اليونسكو كويشيرو ماتسورا. وينبغي للمتابعة الدقيقة والمتأنية للتقدم المحرز نحو بلوغ أهداف التعليم للجميع أن تشكل أساسا لتحسين الفهم واتخاذ الخطوات الأكثر فعالية. ولا شك أن التقرير باحتوائه على المعطيات الموثوق بها، والتحليل الدقيق، والحجج المقنعة، إنما يوفر الحصانة من الاعتداد بالنفس، والحافز للقيام دائما بما هو أفضل.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply