المصيف في ميزان الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد

أيها الأخ المبارك:هذه رسالة كتبتها بمداد الحب وسطرتها وقد سكبت فيها من روحي لعلها تصل إلى روحك.. كتبتها وأنا أسائلك أن تصحبني بعقلك الذي يمنعك من ارتكاب كل قبيح، بعيداً عن التشنجات والمغالطات والمهاترات التي لا تغني من الحق شيئاً.. أي نعم.. أريد أن أتحدث إليك أنت أخي حديثاً أخصك به، فهل تفتح لي أبواب قلبك الطيب، ونوافذ ذهنك النير، فو الله الذي لا إله غيره إني لأحبك.. إن موضوعي معك هو ما تفكر فيه الآن، وتبحث عن مكان يناسبك ويلائمك أنت وأسرتك وربما أعددت العدة له.. نعم.. هو النزهة والترفيه عن النفس.. إننا لا نعتب عليك بادئ ذي بدء أن تفكر في هذا الموضوع فالنفس مجبولة على ذلك وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا نعتب عليك أن تأخذ أسرتك وأولادك في نزهة برية أو رحلة خلوية أو غيرها، وإن غير ذلك يعتبر مصادمة للواقع فلابد من الترويح عن النفس، ولابد من التخفيف عنها.. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ".. ساعة وساعة ". [صحيح]

 

ساعة و ساعة

نعم ساعة و ساعة.. لكن هل يعني ذلك أنها ساعة للطاعة وساعة للمعصية!؟ هل المراد ساعة لربك، وساعة لنفسك تفعل فيها ما تشاء وتختار!؟ إن هذا المفهوم لا يمكن أن يحتمله كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أن يفهم منه إذ كيف يتصور أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعصية ربه، والتعدي على حدوده؟! وانتهاك محارمه؟! أما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت محارم الله اشتد غضبه، واحمر وجهه.. فكيف يأذن إذاً بالمعصية وهذا منهجه؟ وهذه طريقته؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.. إن المفهوم الصحيح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ساعة وساعة " هو ساعة لطاعة الله ، وساعة يلهو بلهو مباح.. يقول الله: (وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدٌّنيَا وَأَحسِن كَمَا أَحسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ وَلَا تَبغِ الفَسَادَ فِي الأَرضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبٌّ المُفسِدِينَ) [القصص: 77] هاهو ربك  يأمرك أن تستعمل ما وهبك من المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخرة (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدٌّنيَا) مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والمساكن والمناكح.. فأي دين أعظم من هذا؟ وأي شريعة أكمل من هذه الشريعة؟ التي راعت بين جوانب الحياة كلها وأعطت كل ذي حق حقه.

 

الحكمة من خلق الليل والنهار

قال مبيناً الحكمة من خلق الزمن، وماذا يجب على الإنسان أن يعمل في الليل والنهار (وَجَعَلنَا اللَّيلَ وَالنَّهَارَ آيَتَينِ فَمَحَونَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبصِرَةً لِتَبتَغُوا فَضلاً مِن رَبِّكُم وَلِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ وَكُلَّ شَيءٍ, فَصَّلنَاهُ تَفصِيلاً (12) وَكُلَّ إِنسَانٍ, أَلزَمنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلقَاهُ مَنشُوراً (13) اقرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلٌّ عَلَيهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولاً (15)) [الإسراء 12-15]

يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: يمتن - تعالى - على خلقه بآياته العظام، فمنها مخالفته بين الليل والنهارº ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهارº للمعايش والصنائع والأعمال والأسفارº وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوامº ويعرفوا مضى الآجال المضروبة للديون والعبادات، والمعاملات والإجارات وغير ذلك. أ. هـ [ابن كثير3 /27]

ولهذا قال (لِتَبتَغُوا فَضلاً مِن رَبِّكُم): أي لتسعوا في الأرض فتطلبوا رزقاً من فضل ربكم. (وَلِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ): أي بمضي الليل والنهار تتمكنوا من حساب الأيام والشهور والأعوام، فيعطى الأجير حقه، وتعملوا بالنهار وتسكنوا بالليل. ولو كان الزمن كله نهاراً لملَّ الناس، وتعبوا، وما صَلَحت حياتُهم، ولو كان الزمن كله ليلاً لتعطلت مصالحهم. وقوله (فَمَحَونَا آيَةَ اللَّيلِ) أي جعلنا الليل مظلماً فمحونا ضوءه. وقوله (وَجَعَلنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبصِرَةً) أي جعلنا النهار مضيئاً. (وَكُلَّ شَيءٍ, فَصَّلنَاهُ تَفصِيلاً) أي فصلنا لكم كل ما تحتاجون إليه من أمر معاشكم ومعادكم. فالله  خلق الزمن ليسعى الناس على معايشهم فيقتاتون ما يعينُهم على عبادة الله وطاعته، فالسعي على المعاش وسيلة للإعانة على العبادة.

فالزمن لطاعة الله.. والزمن لعبادة الله.. والزمن للتقرب إلى الله.. لا لمعصيته ولا لمخالفة شرعه فكلٌّ أقوالك وأفعالك، وحركاتك وسكناتك، مسجلة عليك بالليل والنهار، ترى ذلك يوم القيامة في كتاب منشور، فإذا مررت بعمل طاعة استبشرت، وإذا وجدت فيه معصية حزِنتَ وندِمتَ. ولذلك قال  (وَكُلَّ إِنسَانٍ, أَلزَمنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلقَاهُ مَنشُوراً) [الإسراء: 13].. أي ستجد كتاب أعمالك ملازماً لك لا يفارقك لا في القبر ولا في الحشر، (مَنشُوراً) أي مفتوحاً يقرؤه كل الناس.. يا فرحتاه إذا كان مملوءاً طاعات وحسنات.. ويا حسرتاه إذا كان مملوءاً سيئات ومعصيات. (اقرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسِيباً) [الإسراء: 14] محاسباً.

 

فاعلم وفقك الله: أن الوقت زمن تحصيل الأعمال والأرباح وقد أنّب الله الكفار إذ أضاعوا أعمارهم من غير إيمان فقال : (أَوَلَم نُعَمِّركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر: 37]. ولعظم أهمية الوقت كان مما أفرد بالمسألة عند العرض.. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه " [حسنه الألباني].

يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته.. فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته ".

 

ماذا يحدث في المصيف

حبيبي في الله: إن الإسلام لا يقف في وجهك حجر عثرة عن التنزه والترفه إذا كان ذلك وفق الضوابط الشرعية التي تكفل لك ولأسرتك السلامة والعافية في الدارين.. ولكن إذا صاحب ذلك تفريط وإفراط هنا يأتي التحذير والمنع لا من أجل حرمانك من التمتع.. كلاº بل من أجل المحافظة عليك من أن تحيط بك السيئات من كل جانب فتهلك فتكون من الخاسرين..

 

أخي: الآن ونحن مقبلون على الإجازة الصيفية ترى شيئاً عجيباً.. كثيراً من المسلمين، يجهزون ثياباً جديدة، وفُرُشاً، وطعاماً وشراباً، استعداداً للسفر.. ولكن إلى أين؟؟؟.. لعلك تظن أنهم سيسافرون لأداء العمرة والطواف بالكعبة، والشرب من زمزم، وزيارة المسجد النبوي.. كلا.. هم لا يفكرون في ذلك. أو لعلك تظن أنهم سيسافرون لزيارة أقاربهم وصلة أرحامهم.. كلا.. كلا إنهم سيسافرون لقضاء عدة أيام على شاطئٍ, من شواطئ البحار المالحة. ويسمونها [المصيَف] وهى بالعربية [المصِيف].. ماذا يصنع الناس في المصيف؟؟

 

يستأجرون شقة صغيرة على الشاطئ يسمونها [شاليه] أو [عشة] ليقضوا فيها أسبوعاً أو أسبوعين.. ماذا يصنعون فيها؟؟.. ليختموا القرآن تلاوة.. كلا!!.. ليقيموا الليل تهجداً وتعبداً مع الدعاء للمسلمين المستضعفين أن ينصرهم الله.. كلا!!.. ليبحثوا عن الأرامل والأيتام ليساعدوهم ويعاونهم وينفقوا عليهم ويُدخلوا على قلوبهم الفرحة والبهجة؟!!.. ليبحثوا عن عصاة المسلمين فيدعونهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟!!.. ليس شيئاً من ذلك.. إذاً ماذا يصنعون؟..

 

يذهب الرجل ويصطحب معه زوجته وأبناءه وبناته وقد أعدوا ملابس للسباحة، فالرجل يلبس تِبَّاناً [سروال قصير يوارى العورة المغلظة فقط] ويسمونه [مايوه] والمرأة تلبس ذلك أيضاً لكنه أستر قليلاً وتسميه [المايوه الباكينى] وكذلك الأولاد والبنات، ثم يتجهون في صبيحة كل يوم بهذا اللباس الفاضح إلى شاطئ البحر لينزلوا في الماء المالح يلعبون ويسبحون.. وليسوا وحدهم، بل معهم مئات من الأسر الآخرين من المسلمين والنصارى واليهود لا تستطيع أن تفرق بينهم لا في منظر ولا في سلوك. الرجال والنساء والشباب والفتيات ينظر بعضهم إلى عورات بعض.. منظر قبيح تشمئز منه القلوب المؤمنة.

لو رأيتهم وهم يتجهون إلى البحر بهذا العُرى الفاضح جماعات وفرادى.. رجالاً ونساءً لاستطعت أن تجيب على هذا السؤال المحير.. نحن مسلمون.. فلماذا سلط الله علينا أعداءنا فأذاقونا سوء العذاب.. ودنسوا أعراضنا ووطئوا بأقدامهم أرضنا.. وأذلٌّونا.. وغلبونا.. وقهرونا؟.. فكم في ذلك المكان من علاقات آثمة، ونظرات خائنة.. وعورات بادية والشياطين تحتَوشُهم من كل جانب تُزَيِّنُ لهم المنكر، وتحبب إليهم الفحشاء، وتؤزهم إلى المعاصي أزَّاً. فترى الرجل قد نسى رجولته وترك عرضه عُرضة للنظرات الفاجرة واللمسات الآثمة.

 

أيها المصطاف المسلم: أهذا يرضى الله؟! أهذا يرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!! قل لي بربك: أتحب أن يُعرض هذا يوم القيامة في ميزان أعمالك؟ أتحب أن تراه مكتوباً في كتابك؟ أتحب أن يعرض هذا أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة؟ وماذا تقول لربك حينما يقول لك: ألهذا خلقتُك؟ وبهذا أمرتُك؟ وأنتِ أيتها المسلمة: ماذا تقولين لربك غداً حين يقول لك: أمرتك بالحجاب فخلعتيه، أمرتك بستر العورة فأبديتيها، وأمرتك بالطاعة فعصيتِ، أغضبتيني لشهوة عاجلة ولذةٍ, فانية..

 

أيها المصطاف المسلم: هل يمكن لك أن تنبسط مع أولادك وأهلك في مثل تلك التجمعات؟ هل يمكن لزوجتك أن تأخذ راحتها وأنسها وتتأمل في ملكوت الله - تعالى -والناس من حولها.. الأسرة بقرب الأسرة!؟ ثم كم من الشباب الذين يترصدون لاصطياد الفتيات في تلك التجمعات؟ والذين لا همّ لهم إلا النظر في عورات الناس؟ وكم من الشباب الذين نراهم في سيارتهم وقد رفعوا أصوات الموسيقى الصاخبة فهل يمكن أن تعمل شيئاً!؟؟ وهل يمكنك أن لا تسمع تلك الأصوات أولادك وأسرتك!؟؟ وكم من المشاهد ستراها أنت بنفسك لا تحل لك!؟؟ فمن الذي يبيح لك رؤية النساء المتبرجات!؟؟ وهل يمكنك في تلك الأماكن أن تغض طرفك!؟؟ وأن غضضته عن تلك فهل يمكن أن تغضه عن الأخرى وغيرها!؟؟ وماذا لو جاءك فجأة وأنت مشغول بهذه المحرمات الزائر الأخير!؟؟.. هل تعلم من هو الزائر الأخير؟ إنه يأتي إليك في أي وقت وعلى أي حال، كما أنه ليس له قلب يرق بحيث تؤثر فيه كلماتك وبكاؤك، أو ربما صراخك وتوسلاتك، وليس في مقدوره أن يمهلك مهلة تراجع فيها حساباتك، وتنظر في أمرك!! وهو كذلك لا يقبل هدية ولا رشوة، إنه يريدك أنت.. لا شيء غيرك.. يريدك كلك لا بعضك.. يريد إفناءك والقضاء عليك.. يريد مصرعك وقبض روحك.. وإهلاك نفسك.. وإماتة بدنك.. إنه ملك الموت!!.

 

فإياك أخي أن تقضي الإجازة في الوقوع في الحرام، أو في انتهاك حرمات الله أو مشاهدة من عصى الله، أو الجلوس معه، فإن الله جعل العاصي والساكت في الإثم سواءً فقال : (فَلَا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم) [النساء: 140]. وأنصحك بالحذر من السفر إلى الأماكن أو البلاد التي تسهل طريق المعاصي، واعلم أن كثرة رؤية الحرام تهوّن المعاصي في القلب، وإن كنت تأمن على نفسك الفتنة فهل تأمنها أيضاً على من معك من الأبناء والبنات والزوجات؟!

 

قصة وعبرة

أحدهم أرسل رسالة نشرت في إحدى الجرائد الخليجية بعنوان: [عاقبة إهمال الزوجة والأولاد]: جاء فيها: " أخي الدكتور.... السلام عليكم، [إلى أن قال] اشتريت شاليهًا على البحر، في البداية كنت أقضي وقتًا لا بأس به معهم، أولادي الصغار يلعبون حتى يتعبون، ثم ينامون، ومع كثرة الأشغال، أصبحت أقول لهم: اذهبوا مع أمكم وسوف ألحقكم، وبطبيعة الحال لا ألحقهم. وهكذا مرت الشهور، وأنا أعتقد أنهم على ديدنهم القديم فيما يفعلونه في الشاليه، عدت قبل فترة من إحدى سفرياتي وصفقاتي على غير ميعاد، وأحببت أن أفاجئهم، لم أجدهم في البيت، سألت خادمة بقيت في المنزل عنهم، فقالت: إنهم في الشاليه، ركبت سيارتي، ووصلت إليهم في الساعة الثانية صباحًا، كان الشوق يملأني، وجدت أبنائي نائمين ولم أجد زوجتي، وعندما أيقظت الخادمة من النوم، وجدتها مرتبكة، وبقيت طوال الليل أنتظر، أنظر من كل فتحة في المنزل، ومع تباشير الصباح، جاءت تمشي مع رجل غريب، عندما فتحت الباب، وجدتني، وارتبَكَت، أجلستها بهدوء، وسألتها السؤال الذي يملأني: لماذا؟ ما الذي كان ينقصك؟ بدأت في البكاء، وبعد أن هدأت، قالت: أنت السبب، كنا مستورين، عايشين، سعيدين، ثم أحضرتنا ورميتنا في هذا المكان، حيث كل واحد ينظر، كنت محتاجة لك، ومع الزمن... وكثرة النظرات... وكثرة التعليقات، وأنت تعرف الباقي. وافترقنا.. لكنني بعد أن جلست إلى نفسي، وذهبت إلى ذلك الشاليه مرات عديدة، فهمت ما تقصده، إن أي إنسان يترك زوجته وأبناءه في مثل ذلك المكان، إنما يتركهم لذئاب لا يخافون الله. إن الكثيرين منا يقولون: إن زوجاتنا وبناتنا لا يمكن أن يفعلن مثل هذا، لكن السؤال: زوجاتنا وبناتنا من؟؟! هؤلاء اللواتي نراهن يمشين بدون ستر، وينظرن... !!؟؟ إن نصيحتي لكل إنسان: لا تترك زوجتك وبناتك عرضة للمخاطر... وتجنب الانفتاح وقلة الحياء والاختلاط بالطبقة السفيهة التي ترمي شباكها بحثًا عن صيد تتسلى به لفترة قبل أن تتخلص منه لكي تبدأ التسلي بصيد آخر. إن النار اليوم تشتعل في قلبي بعد أن خسرت حياتي وزوجتي، وإذا كان من أحد ألومه، فهو نفسي التي كانت راعية، فلم تعرف كيف تحافظ على رعيتها! أ. هـ.

 

ماذا تقول لربك غداً؟

فاليوم ذهبت الشهوات وبقيت الحسرات.. اليوم انقضت الأعمال وبقيت السجلات: سيئات.. شهوات.. حسرات.. ظلمات.. صراخ.. بكاء.. صياح (رَبِّ ارجِعُونِ، لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ) [المؤمنون: 99 100].. أيها اللاهى.. أيها اللاعب: اسمع إلى القرآن وهو يقول (فَذَرهُم يَخُوضُوا وَيَلعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَومَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يَومَ يَخرُجُونَ مِنَ الأَجدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُم إِلَى نُصُبٍ, يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبصَارُهُم تَرهَقُهُم ذِلَّةٌ ذَلِكَ اليَومُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [المعارج: 42 44]

أيها المصطاف المسلم: أهذا العمل يقربك من الله أم يباعدك عن الله؟.. أيتها المصطافة المسلمة: أنت راضية عما تفعلين؟.. يا ربَّ الأسرة: أهذه هي الأمانة التي حمَّلك الله [كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته] [البخاري ومسلم].

مسؤول!!!.. سيسألك الله: لماذا ذهبت إلى المصيف؟! فماذا ستجيب؟ وبم ستنطق؟ لا كذب.. لا خداع.. لا غش.. لا رياء.. فالله يقول (يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصٌّدُورُ) [غافر: 19]. يا صاحب الشهامة والكرامة: صُن زوجتك وبناتك عن عيون الناس.. صُن شرفك.. صُن عِرضك.. صُن كرامتك. أيتها الأخت المسلمة: أين حياؤكِ؟ أين عفتُكِ؟ أين كرامتُكِ؟ أين خوفُكِ من الله؟.. الله.. الذي يعلم السر وأخفى.. الله.. الذي يعلم خلجات الصدور وخفايا النفوس.. الله.. الذي خلقكِ فسواكِ فعدلكِ.. الله.. الذي وهبَكِ الصحة والعافية ولو شاء لأخذهما فجلست مريضة.. طريحة الفراش.. الله.. الذي وهبكِ الجمالَ ولو شاء لسلبه فترككِ شوهاءَ تتقززُ منك النفوس، وتنفرُ عنك القلوب.. الله.. الذي وهبكِ اللسان والشفتين ولو شاء لسلب نطقهما.. فظللتِ بكماء لا تنطقين خرساء لا تتكلمين.

 

أيتها الأخت المسلمة: توبي إلى الله.. اندمي على ما فعلتِ والله كريم يقبل توبةَ التائبين، ويغفر ذنوب المستغفرين.. ويمحو سيئات النادمين (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبٌّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ يَومَ لا يُخزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُم يَسعَى بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتمِم لَنَا نُورَنَا وَاغفِر لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ) [التحريم: 8]

 

ما البديل؟

أخي الفاضل: لعلك تقول بلسان حالك أو بلسان مقالك شخّصت لنا الداء ولم تشخص لنا الدواء ومنعتنا من التنزه في تلك المنتزهات المختلطة ولم تذكر بديلاً عنها، وهاهنا أنبهك إلى أمر عظيم غفل عنه الكثيرون وغاب عن بال آخرين ألا وهو ذلك الخطأ الفادح والأمر المشين وهو مطالبة المسلم دائماً بالبدائل في كل شيء منع منه وحرم عليه، مع أن الواجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا (إِنَّمَا كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ) [النور: 51] هذا هو الأصل بالمؤمن فيما جاءه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنواهي، المبادرة والسمع والطاعة ولذلك يخاطب الله  عبادة المؤمنين بأجل الأوصاف وأحبها إليهم لاستجاشة قلوبهم: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ) [الأنفال: 24]، وهكذا كان الجيل الفريد أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من الاستجابة الحيّة لأوامر الله ورسوله بدون تردد ولا تلكّع فهاهم [لمّا نزلت آيات الخمر في تحريمه، لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد في نوادي المدينة: " ألا إن الخمر قد حرّمت " فمن كان في يده كأس حطّمها، ومن كان في فمه جرعة مجّها، وشقت زقاق الخمر وكسرت قنانيه.. وانتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر]..

قال أنس - رضي الله عنه - [ما كان لأهل المدينة شراب حيث حرمت الخمر أعجب إليهم من التمر والبسر فإني لأسقي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم عند أبي طلحة مر رجل فقال إن الخمر قد حرمت فما قالوا متى أو حتى ننظر قالوا يا أنس أهرقها ثم قالوا [من القيلولة] عند أم سليم حتى أبردوا واغتسلوا ثم طيبتهم أم سليم ثم راحوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا الخبر كما قال الرجل قال أنس: فما طعموها بعد] [صحيح]. إذاً لماذا كلما ذكرنا أمراً محرماً أو يؤدي إلى الحرام طالبنا الناس بقولهم: ما هو البديل؟ وكأن القائل يقول إذا لم تحضروا لي بديلاً لن أتراجع عمّا أنا فيه من المخالفة والعصيان وذلك ورب الكعبة لهو الخسران المبين، قال : (لِلَّذِينَ استَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الحُسنَى وَالَّذِينَ لَم يَستَجِيبُوا لَهُ لَو أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرضِ جَمِيعًا وَمِثلَهُ مَعَهُ لاَفتَدَوا بِهِ أُولَـئِكَ لَهُم سُوءُ الحِسَابِ وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ) [الرعد: 18] ويقول : (استَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلجَأٍ, يَومَئِذٍ, وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ,) [الشورى: 47].

أخي المبارك: هذا أصل يجب أن يتربى المسلمون عليه ينشأ عليه الصغير ويهرم عليه الكبير. ولا بأس أن أذكر لك بعض البدائل التي تحضرني:

1- فالسَّيرُ في المزارع والحقول والنظر إلى الخُضرَةِ مما يقوى البصر ويُريحُ النفس.

2- والجلوس مع الصالحين وتبادل أطراف الحديث مما يريح الصدر ويسعد النفس.

3- والجلوس للاستماع إلى شريط مؤثر لأحد الدعاة إلى الله مما يريح الصدر ويسعد النفس.

4- والاستماع إلى شريط للقرآن الكريم لمن رزقهم الله الأصوات الشجية والنبرات الندية.. مما يسعد القلب ويريح النفس.

5- وقراءة تاريخ الأمة المسلمة.. والتقلب في أحداثها مما يريح الصدر ويُسعدُ النفس.

6- وقراءةُ قَصَصِ الصالحين ومواقف الزاهدين وبطولات الصحابة والتابعين مما يريح الصدر ويُسعد النفس.

7- وتقليب النظر في السماء بالليل والتفكر في قدرة الله مما يريح الصدر ويُسعدُ النفس.

8- والذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة، والبقاء بقرب الرحاب الطاهرة مع ما يتخلل تلك الرحلة المباركة من زيارة إلى المناطق الجميلة مما يريح الصدر ويُسعدُ النفس.

9- كم تمر على البعض من المسلمين و أبناء المسلمين إجازة تلو الأخرى دون أن يقرأ شيئاً من القرآن فضلاً عن حفظه، فاحرص على إتقان قراءتك مع صديق أو زميل يعينك على ذلك، واحرص أن تحفظ خلال هذه الإجازة على الأقل كل يوم خمس آيات،، وسوف ترى خيراً كثيراً بإذن الله.

10- صلة الأرحام: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الرحم معلقة في العرش. تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله " [متفق عليه]، فالإجازة فرصة لذلك، ولصلة الرحم فوائد: فإنها من أسباب الرحمة ودخول الجنة، ولها أثر في زيادة العمر، وبسط الرزق.

 

شبهة وجوابها

من الناس من يقول: إنني أجد ضغطاً من أسرتي وإلحاحاً.. فأقول لك قال الله : (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِن أَزوَاجِكُم وَأَولَادِكُم عَدُوًّا لَّكُم فَاحذَرُوهُم) [التغابن: 14]، وقال  (وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلا مُؤمِنَةٍ, إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36]. واعلم أنك مسؤول أمام الله عن هذه العورات التي أخرجتها من بيوت ساترة فلا تجعلها أمام الناس سافرة.

من الناس من يقول: سأذهب بزوجتي وأولادي إلى المصيف في مكان بعيد عن أعين الناظرين.

أقول: ستجدُ كثيرين يفكرون مثلَ هذا التفكير وستلتقون هناك ويقعُ المحظور.

من الناس من يقول: سنتمشى أنا وزوجتي وأولادي على الشاطئ ولن ننزل البحر ولن نخلع ثيابنا.

أقول: هذا لا يجوز لأمور: أولاً: لن تستطيع أن تغض بصرك عن اللحوم المكشوفة هنا وهناك فتقع في زنى العين.. أنت وأسرتك الكريمة. ثانياً: أنك سترى معاصي تُرتكب ومحارمَ تنتهك فهل تستطيع أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. بالطبع لا.. إذا ستأثمُ على إقرار المنكر. ثالثاً: ليس المصيف من الضرورات التي لا بد منها.. فكثير من الأسر المسلمة الطيبة تعيشُ بلا مصيف ولا شواطئ وهم في سعادة غامرة.. وراحة نفسية.. وقرب من الله رابعاً: إن أرض الله واسعة. وهناك من المباحات الكثير الذي تستطيع أن تروِّحَ به عن نفسك كما ذكرت لك آنفاً.

 

نداء من القلب

يا من تتجهزون الآن للذهاب إلى المصيف لا يليق بمن يركع لله ويسجد لله أن يذهب هذا المذهب الخبيث. يا من تؤمن بأن الله يراك.. سيراك وأنت على الشاطئ.. سيراك وأنت بالمايوه.. سيراك وأنت تنظر إلى العورات.. سيراك وأنت على معصيته. يا من تتمشى الآن على الشاطئ عُرياناً: استح من الله.. استح من الملكين.. استح من الناس. يا أيتها الأخت المسلمة: أنت درة مصونة.. وجوهرة مكنونة.. فلا تذهبى إلى الأماكن الآثمة.. فإنك كريمة.. عفيفة.. مسلمة.. مؤمنة.. راكعة.. ساجدة.. محجبة.. ليس هذا مكانك.. ولا يليق بك. أيها المسلم الكريم: إذا علمتَ أن جارك يتجهز للمصيف، فلا تبخل عليه بالنصيحة، ولا تكتمه علماً علمك الله إياه.. هو طيب.. هو يريد الخير.. فإذا ذكَّرته تذكر.. وإذا وعظته اتعظ.. لأن في قلبه إيماناً.. وفى صدره إسلاماً.

 

وختاماً:

فهذه وقفات.. من محب مشفق على عرض ينتهك، وكرامة تداس، ودين يكاد أن يسلب فخذها هنيئاً مريئاً، سائلاً الله  أن لا أعدم منك دعوة صالحة بظهر الغيب. أخي: قد بلغت جهدي في نصحك، واستثرت فيك كل نخوة.. وحاولت أن ابعث فيك أي روح.. فإن طويت هذه الصفحة، وانتهيت من سماع هذا الكلام، ولم تقم فيك حياة فلست بحي، أسأل الله أن يحيى موات قلوبنا. والحمد لله رب العالمين.

 

ـــــــــــــــــ

المصدر:

1- مجموعة مقالات مختلفة

2- خطبة للشيخ وحيد عبد السلام بالى بعنوان [المصيف في ميزان الإسلام]

وجزاكم الله خير الجزاء.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply