المناعة الروحية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

                  

مع بداية إجازات الصيف الطويلة تثار مناقشات وجدل كثير عن وقت أبنائنا وكيف نرتبه لهم؟ وكيف نستثمره في النفع لهم؟ وفي كل الأحوال غالباً ما تكون آراء الآباء دون مراعاة رأي أو رغبة الأبناء، وكما ورد في الأثر "علموا أولادكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، وتكون المشكلة والأزمة حين يبدي أحد الأبناء رغبته بسؤال بريء وهو أن يطلب مشاهدة الفضائيات، ومع الرفض المبدئي والخوف الغريزي لدى الآباء! يدور التساؤل مرة أخرى لماذا؟ أليس بها برامج إسلامية وثقافية وعلمية ورياضية ومحاورات ومناقشات مفيدة؟ وتبدأ حيرة الآباء في كيفية الرد وأسلوب تبرير الرفض، وتلك مشكلة أخرى فرضيةº لأن الخوف الغريزي والرفض المبدئي من الصعب عرضه وتفصيله أمام الصغار!.

وهنا يبرز السؤال: لماذا الخوف وما السبب الموضوعي للرفض؟ والرد الفوري والإجابة التلقائية تدور حول فرضية مشاهدة القنوات والبرامج الإباحية أو على أحسن الفروض التعرض للإعلانات البينية بين البرامج الجادة في القنوات المحترمة!

وهنا نعرض لعدد من المواقف والأفكار:

ففي حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام-: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" (أخرجه ابن ماجه وغيرة ).

وقصة نبي الله يوسف - عليه السلام-: لماذا وكيف حفظه الله تعالى وهو ينشأ في بيئة غريبة عليه، ويعيش فترة المراهقة داخل أروقة القصور، حيث لا اهتمام بالكثير من الأمور الأخلاقية، بدليل رد فعل (العزيز) عند رؤيته الواقعة "يوسف أعرض عن هذا": فقط لا تتحدث بالأمر ولا تنشر الإشاعات، ثم قال لزوجته: "استغفري لذنبك". رد فعل يعبر عن طبيعة الأخلاقيات في تلك البيئة، ومع ذلك فإن يوسف - عليه السلام- عبر الأزمة وخرج من الموقف سليماً مخلصاً لربهº لماذا؟.

في الطب الوقائي للأجسام يتم إعطاء الطفل تحصينات ضد عدد من الأمراض بهدف إنشاء وتنمية المناعة الجسمانية الذاتية ضد تلك الأمراض، وتشمل تلك التحصينات جرعات ضعيفة ومتحكم فيها من مسببات الأمراض بحيث يتعرف عليها الجسم، ولكن لا تسبب المرض، ويبدأ الجسم في تكوين مناعة ذاتية داخلية ضد تلك الأمراض إذا تعرض لها، وهنا السؤال: أليس من الأفضل أن ينشأ الطفل في وسط سليم خال من المرض طوال حياته، وبذلك نضمن سلامته وعزلته عن مسببات الأمراض؟، الفكرة واردة، لكنها مستحيلة التنفيذº لذا كان لا بد من التحصين لرفع المناعة.

وفي الطب الوقائي للأرواح والنفوس نعرض الموضوع بعكس الخطوات فنقول: أليس من الأفضل عزل أفكار أبنائنا وغلق عيونهم عن فساد المجتمع وعن شرور الشيطان، وبذلك نضمن عدم تعرضهم لأية أمراض ومفاسد خلقية وسلوكية ونوفر لهم محيطاً نقياً خالياً من الشرور؟، الفكرة أيضاً نظرية، ولكن من الصعب بل من المستحيل تطبيقها، فالابن لا بد له من التعامل مع المجتمع وتداخلاته ومستوياته وأخلاقياته من: زملاء، وأصحاب، وأقارب، وتجار، وجيرانº فالعلاقات الاجتماعية متشعبة، ومن غير المنطقي الحديث عن "الابتعاد" . إذاً فالمعايشة واقع مفروض وضرورة حياتية، وليس الخطر فقط في مشاهدة الفضائيات، ولكن الحديث حولها في المدرسة وعند زيارة الأقارب والجيران يكون أشد تأثيراً، خاصة لو دخلنا في دائرة الممنوع والمرغوب والمجهول وغير المعروف، ويترتب عليه إحساس بالنقص، ولا قدر الله الكبت!.

كيف نرفع المناعة الروحية لأبنائنا لتكون لديهم ذاتية التفاعل الإيجابي والسلامة السلوكية في مواجهة الشرور والمفاسد والتعامل معها، وليس بالهروب والانعزال؟

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply