بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا عباد الله قد أطلتكم أيام عظيمة هي أفضل أيام الدنيا كما صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر)). أقسم الله بها في كتابه وإقسامه بشيء دلالة على مكانته عنده: والفجر وليال عشر وهي عشر ذي الحجة فيها يوم عرفة الذي قال فيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة))[1] خاتمتها يوم النحر ثم يوم القر اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر))[2] ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر وهو يوم العيد ويوم القر هو الغد منه الأعمال الصالحة فيها لها شأن عظيم صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما العمل الصالح في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة))[3] وفي رواية: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة)) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء))[4] فأي فضل هذا وأي موسم للخيرات وأي باب لجمع الحسنات الجهاد الذي هو أفضل العمل بعد الإيمان بالله والصلاة لوقتها ما لم يكن في هذه العشر فالعمل فيها أحب إلى الله منه يا له من موسم يفتح للمتنافسين ويا له من غبن يحق بالقاعدين والمعرضين فاستبقوا الخيرات يا عباد الله وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنة عرضها السماوات والأرض وسابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض وإياكم والتواني وحذار من الدعة والكسل فقد صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة)) رواه أبو داود والحاكم[5] وغيرهما بل في عمل الآخرة الاستباق والمسارعة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وقال -سبحانه-: "فاستبقوا الخيرات" ألا وإن أبواب الخير كثير ألا فلا يفوتنكم موسمها فالعاقل من أجهد نفسه وقت المواسم ليظفر بالربح الكبير وكم رأينا من عقلاء أهل الدنيا والخبراء بمواسمها من يواصلون الليل بالنهار دأبا لا ينامون إلا لماما ليحصلوا من وراء جهدهم على ربح لا يتجاوز مثل مالهم أو نصفه أو أقل بل ربما يخسرون مالهم وأرباحه فكيف يليق بعقلاء أهل الإيمان ألا يضاعفوا جهودهم فيزدادوا من الأعمال الصالحة التي ترضي عنهم ربهم وتقربهم إليه زلفى وترفعهم عنده درجات لقد بين الله لنا مراضيه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن أراد الخير وفقه الله إليه إن شاء فمن أبواب الخير التي يحبها الله الصلاة فبعد أن يحرص الفرد المسلم على أدائها مع جماعة المسلمين كما أمره ربه بقوله: واركعوا مع الراكعين ونبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقوله: ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر))[6] والعذر خوف أو مرض أو مطر فإن العبد المسدد يتزود من نوافل الصلاة في هذه العشر لأنها باب يحبه الله كما صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر))[7]، وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم))[8]، وصح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن))[9]، فهذه ثلاثة أبواب من العمل الصالح الصلاة النافلة وصلاح ذات البين وحسن الخلق ما عمل ابن آدم شيئا أفضل منها فأين المفرطون في صلاة الفريضة فضلا عن صلاة النافلة وأين الساعون بإفساد ذات البين النمامون وأين ذوي الأخلاق السيئة أين هؤلاء جميعا عن هذا الفضل العظيم الذي خسروه فلنتب إلى الله من معاصينا ولنصلح أحوالنا ولنحسن أخلاقنا فقد ذكرت امرأة عند النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فذكروا من صلاتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها فقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((هي من أهل النار))[10] فالمسدد من وقع على ما يرضي ربه وحذر ما أسخطه قال بعض أهل العلم الحكمة هي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ومما جاء في فضل نوافل الصلاة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة))[11] وفي الرواية الأخرى: ((ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها سيئة ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود))[12] وصح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى))[13] وفي الرواية الأخرى: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى))[14]، وإن من أبواب الفضل يا عباد الله وميادين الخيرات تلاوة القرآن صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))[15] وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))[16] وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل))[17] وصح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف)) ومن ميادين الخيرات فقد صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الترغيب في صوم الاثنين والخميس[18] وفي صوم يوم عرفة[19] ولا أعلم عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الترغيب في صوم عشر ذي الحجة شيء فنصوم الأيام التي رغبنا في صيامها كل العام كالاثنين والخميس ويوما بعد يوم كصيام داود -عليه السلام-[20] ومن الأعمال الصالحة الصدقة فقد صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أن ملكا ينادي في السماء يقول اللهم اجعل لمال منفق خلفا واجعل لمال ممسك تلفا))[21] وصح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((أنفق يا بلال ولا تخشى من ذي العرش إقلالا)) وصح عنه -صلوات الله وسلامه عليه-: ((أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليكِ ولا توعي فيوعي الله عليكِ ولا توكي فيوكِ الله عليكِ))[22] وصح عنه صلوات الله وسلامه عليه: ((ثلاث أقسم عليهن ما نقص مال عبد من صدقة))[23] ثم ذكر تمام الحديث ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))[24] وصح عنه صلوات الله وسلامه عليه: ((صدقة السر تطفيء غضب الرب)). وإن من أفضل الصدقات سقي الماء كما صح عنه صلوات الله وسلامه عليه: ((أفضل الصدقة سقي الماء))[25] اللهم وفقنا لأرشد الأقوال والأفعال لا يوفق لأرشدها إلا أنت، اللهم جنبنا سيئ الأقوال والأفعال والأهواء والأدواء لا يجنبنا سيئها إلا أنت اللهم اهدنا وسددنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله أحمده -سبحانه- وأشكره وأثني عليه الخير كله وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليما كثيرا أما بعد فيا عباد الله فإن من أفضل الأعمال في هذه الأيام الإهلال بالحج والتقرب إلى الله -جل وعلا- به والتقرب إلى الله بصوم عرفة لمن لم يحج ولعل الله -جل وعلا- ييسر لنا الكلام عن فضلهما في الجمعة القادمة ومن أفضل القربات الأضحية فقد صح عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((من وجد سعة ولم يضحي فلا يقربن مصلانا))[26]، وصح عنه -صلوات الله وسلامه عليه-: ((إذا دخل العشر أي عشر ذي الحجة - وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا))[27]، وفي رواية: ((فلا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي))[28]، فدونكم الفضائل فاغتنموها وإياكم والتواني والكسل ولنعلم أن لله -جل وعلا نفحات في أيامه فلنهتبل الفرصة ولنستكثر من الحسنات عل الله -جل وعلا- أن يعفو عن زلاتنا وسيئاتنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] صحيح مسلم (1348).
[2] سنن أبي داود (1765).
[3] سنن الدارمي (1773).
[4] مسند أحمد (2/167)، سنن أبي داود (2438)، سنن الترمذي (757)، سنن ابن ماجة (1727).
[5] سنن أبي داود (4810)، مستدرك الحاكم (1/64)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
[6] سنن ابن ماجة (785).
[7] رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة وعزاه له السيوطي في الجامع الكبير، انظر صحيح الجامع (3870).
[8] عزاه في الجامع الكبير لابن المبارك.
[9] عن أبي هريرة انظر صحيح الجامع (3518).
[10] مسند أحمد (2/440).
[11] صحيح مسلم (753).
[12] سنن ابن ماجة (1414).
[13] صحيح البخاري (936)، صحيح مسلم (1239).
[14] مسند أحمد (2/26)، سنن أبي داود (1103)، سنن الترمذي (389)، سنن النسائي (1648)، سنن ابن ماجة (1312).
[15] صحيح البخاري (4639).
[16] سنن الترمذي (2835).
[17] صحيح مسلم (1336).
[18] مسند أحمد (5/201)، سنن النسائي (2318).
[19] صحيح مسلم (1977).
[20] صحيح البخاري (1840)، صحيح مسلم (1962).
[21] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الرحمن بن سبرة، وهو غير موجود في المطبوع لأنه ناقص وقد عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد له (3/122).
[22] صحيح البخاري (2402)، صحيح مسلم (1709)، دون قوله "ولا توكِ فيوكِ الله عليك".
[23] مسند أحمد (4/231)، سنن الترمذي (2247).
[24] صحيح البخاري (1334)، صحيح مسلم (1712).
[25] مسند أحمد (6/7)، سنن النسائي (3606)، سنن ابن ماجة (3674).
[26] مسند أحمد (2/321)، سنن ابن ماجة (3114).
[27] صحيح مسلم (3653).
[28] سنن الدارمي (1866).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد