بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واغتنموا أعماركم بالأعمال الصالحة فإنه تنقضي سريعة ويقول الحسن البصري: (ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك).
والوقت أنفس ما عنيت بجمعه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
واعلموا أنها تمر بكم أوقات الفضائل ومواسم الخير والنفحات، فالسعيد من تنبه لها واستفاد منها والشقي من غفل عنها وضيع نفسه، قال: ((الكيس من دان نفسه يعني حاسبها وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)).
إن الله -سبحانه وتعالى- يدعوا عباده لزيارة بيته العتيق لا للنزهة ولا لمجرد الزيارة ولكن ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فأمرهم الله جل جلاله أن يأتوا من كل فج عميق ملبين، -لبيك الله لبيك ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق فمن تقبله الله منهم رجع بحج مبرور وسعي مشكور ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، ((من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) والرفث: هو قبيح الكلام.
لقد أقبلت علينا أيام عظيمة جليلة وهي عشر ذي الحجة التي يقول الرسول فيها: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء))[رواه البخاري[.
وقد أقسم الله -تعالى- بها في كتابه الكريم حيث قال: "والفجر وليال عشر والشفع والوتر" والأعمال الصالحة مثل الصدقة والصيام والصلاة والصلة.
وفي تلك الأيام العشر: يوم عرفة الذي فيه وقوف الحجاج في هذا المشعر العظيم، وهو ركن الحج الأعظم قال النبي: ((الحج عرفة))، ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله في عبيداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة))، والسنة لمن لم يحج أن يصوم يوم عرفة فهذه كفارة لسنتين سابقة ولاحقة.
وفي تلك العشر يوم عيد الأضحى المبارك الذي هو يوم الحج الأكبر، لما انتهى يوم عرفة يتقربون إليه بذبح الهدي والأضاحي، فأهل الحج في ذلك اليوم يرمون الجمرة ويكملون مناسكهم، وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له، ثم يعقب ذلك أيام التشريق التي هي أيام الأكل والشرب وذكر الله -عز وجل-، وهي الأيام المعدودات التي قال الله -تعالى- فيها: واذكروا الله في أيام معدودات.
فعلينا عباد الله المبادرة إلى الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة، ولنتابع فعل الخيرات في بقية الأيام، فإن حياة المسلم كلها مجال للعمل الصالح، وإنما خصصت بعض الأيام بمزيد فضيلة لتتاح الفرصة للمسلم كي يحصل على مزيد من الأعمال الصالحة نظراً لقصر عمره وشدة حاجته للحسنات وتكفير السيئات.
أيها المسلمون: لقد صح عن رسول الله من رواية البخاري ومسلم وغيرهما أنه قال: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، وأنه قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، والحج المبرور قيل هو: الذي لا يقع فيه معصية، وقيل: هو الذي تكون حالة الإنسان في الطاعة بعده أحسن منها قبله، وروى البخاري أن رسول الله قال: ((أفضل الجهاد حج مبرور)).
ومن أسباب كون الحج مبروراً أن تكون النفقة فيه من كسب حلال، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: ((إذا خرج الحاج حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء، لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور))[رواه الطبراني[.
ومن أسباب كون الحج مبروراً، أن يجتنب الحاج المعاصي، قال -تعالى-: الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلارفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.
ومن أسباب كون الحج مبروراً: التواضع فيه في المركب والمنزل والتعامل مع الناس، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: حج النبي على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي أربعة دراهم أولا تساوي، ثم قال: ((اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة))[رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجة[.
ومن علامات كون الحج مبروراً أن تكون حال الحاج بعده في الطاعة والاستقامة أحسن منها قبله، فإن من علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها.
ومن أسباب كون الحج مبروراً أن يؤدى على الوجه المشروع لا نقص فيه ولا بدع ولا مخالفات، وبعض الحجاج يتلاعب بحجه ولا يصبر على أدائه على الوجه المشروع، لا يتأكد من حدود المشاعر فيقف داخلها، بل يقف خارج عرفة أو في بطن عرنة، ويبيت خارج مزدلفة وينصرف من عرفة قبل الغروب، ويرمي الجمرات في غير وقت الرمي من غير ضرورة ولا يستقر في منى أيام التشريق ولياليها، وينفر قبل وقت النفر حتى أن من الحجاج من يرجع إلى أهله في يوم العيد أو في اليوم الحادي عشر ويوكل من ينوب عنه في بقية أعمال الحج، ومن الحجاج من لا يطوف للوداع، ومن الحجاج من لا يتجنب محظورات الإحرام، وهكذا تقع من بعض الحجاج مخالفات كثيرة قد تكون مبطلة للحج، وهذا نتيجة عدم المبالاة بأحكام الحج، ومثل هذا لا هو حج فاستفاد، ولا هو ترك الحج فاستراح وأراح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب".
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدى أولياءه لدين الإسلام، أحمده واشكره على توفيقه وهدايته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن نبينا محمد رسول الله الأمين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
واعلموا عباد الله أن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وإنما يجب على المسلم مرة واحدة في العمر إذا كان مستطيعاً، وما زاد فهو تطوع، وقبل الحج لابد من تحقق أربعة أركان للإسلام وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان.
وإن الذين يهتمون بالحج ويضيعون بقية أركان الإسلام كمن يعالج عضواً من جسم مقطوع الرأس، فاتقوا الله عباد الله وأقيموا الدين كله ولا تنقصوه.
واعلموا عباد الله أن من أراد أن يضحي فلا يحلق الشعر ولا يقلم الأظافر خلال الأيام العشر، ويوم العيد يستحب له الإمساك حتى يأكل من أضحيته.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد