بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اعتاد كثير من عامة الأمة وخاصتهم، أنه إذا أقبل شهر رجب، خصوه بعبادة لم يشرعها الله -تعالى-.
فمنهم من يصوم الشهر كله، ظنًا منه أن صيام رجب أمر مرغوب فيه، ومنهم من يخصه بصيام أيام معدودات دون سائر الشهور، والأنكى من ذلك أن يعمد العلماء وأئمة المساجد، إلى الاحتفال بليلة 27 منه، زاعمين أنها ليلة أسري فيها بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالشام (القدس)، ويقرءون قصة ينسبونها إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- مع أنها قصة مشحونة بالأباطيل والخرافات ولم يقم دليل على صحتها إلا النزر اليسير منها.
كما أن كثيرًا من النساء يحدثن فيها بدعة قبيحة: يحملن الصدقات من أطايب الطعام والفاكهة، ويتوجهن إلى المقابر في يوم الخميس الأول من رجب، لزيارة موتاهن وتوزيع هذه المطعومات على المتسولين، واستقراء قراء يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً، فيرجعن من زيارة الموتى مأزورات غير مأجورات.
ناهيك باختلاط الرجال والنساء والقراء هناك. بالإضافة إلى أن زيارة القبور في هذا اليوم لم تشرع.
كما أن القرآن لم تشرع قراءته على الموتى أو المقابر، وقد قال -تعالى-: لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين.
والحق الذي لا مراء فيه أن شهر رجب من الأشهر الحرم، التي هي آكد وأبلغ في المعصية من غيرها.
وقد كانت العرب في الجاهلية تحرم القتال في الأشهر الحرم، فيستتب الأمن، ويأمن المسافر على نفسه وماله من أخطار الطريق وخاصة في أشهر الحج، ولما جاء الإسلام، ورأى في ذلك من المصلحة للناس: أقر هذه الأشهر لما فيها من الأمن والأمان بين الناس ظعنًا وإقامة.
قال -تعالى-: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم{التوبة: 36
وقد بين النبي -صلوات الله وسلامه عليه- هذه الشهور، فيما رواه ابن جرير من حديث أبي هريرة، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات- ذو القعدة وذو الحجة والمحرم- ورجب الذي بين جمادى وشعبان".
قال ابن كثير في تفسيره: وذلك من أجل مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل الحج شهرًا، وهو ذو القعدة، وحرم بعد الحج شهرًا وهو المحرم، ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم شهر رجب في وسط الحول، لأجل زيارة البيت والاعتمار به.
وقوله -تعالى-: فلا تظلموا فيهن أنفسكم فيه نهي عن ارتكاب الظلم بكافة أشكاله، وإذا كان الظلم من الكبائر، فهو أشد حرمة في الأشهر الحرم.
وأفضل ما يتحلى به المسلم في شهر رجب وغيره من الأشهر الحرم: ترك الظلم لنفسه بارتكاب المعاصي، وتجنب ظلمه لخلق الله وإعراضه عن أوامر الله - تعالى -، فذلك من أقبح الظلم، ولذا قال الله -تعالى-: ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون، وظلم الخلق: أكل أموالهم والاعتداء عليهم باليد واللسان، "والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
أما الصوم في رجب فجائز إن وافق عادة من اعتاد صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
فإن تجاوز ذلك وصام رجبًا كله فصومه على هذا النحو بدعة، كما أن صيام أيام منه دون غيره من الشهور ابتداع في الدين.
والاحتفال بليلة السابع والعشرون منه أمر مستحدث، وكذلك إفراد هذا اليوم بصيام: بدعة لم يفعلها السلف الصالح. وقد صح عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يضرب صوام رجب بالدرة ويقول:كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية.
كما أن الأدعية التي تقال في رجب ونصف شعبان كلها مخترعة ولو كان خيرًا لسبقنا الصحابة إليه.
وجدير بالذكر أن الإسراء لم يقم دليل على ليلته ولا على الشهر الذي حدث فيه، فتخصيص ليلة السابع والعشرين: حدس وتخمين، وينبغي للعلماء بيان ذلك للناس، ولكن أكثرهم حرصوا على هذه البدعة، حتى ظن العامة أنها من الدين.
والحافظ ابن كثير صاحب التفسير المشهور، أثبت في تفسيره في الجزء الثالث -حينما تكلم على الإسراء- أن الصحابة الكرام بعد أن هاجروا إلى المدينة، لم يحددوا لها ليلة ولا شهرًا، فمنهم من قال: إنه -صلى الله عليه وسلم- أسرى به قبل الهجرة من مكة بعشرة أشهر، كما قال السدي: إنه أسري به قبل الهجرة بستة عشر شهرًا.
وإذا كان الصحابة الكرام قد اختلفوا في تحديد الليلة والشهر لعدم اهتمامهم بالاحتفالات فقد وجهوا اهتمامهم بنتائج الإسراء وأهمها فرض الصلاة.
وهل تحديد ليلة الإسراء بليلة معينة، يعتبر أمرًا قطعي الثبوت أو قطعي الدلالة؟ وهل نحن الذين لم نعاصر أهل القرون الأولى، أوفر علمًا وأرجح عقلاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد