(لِمصرَ أم لِرُبُوعِ الشامِ تنتسبُ) *** فقد تبدلتِ الأحوالُ يا عربُ!
هب أن أصلكَ من كنعانِ أو مُضرٍ, *** لا خيرَ تلقَى إذا مَا كنتَ ترتقبُ
غيرَ العداوةِ والبغضاءِ منتنة *** والرحمُ منقطع والحقٌّ مغتصبُ
أُنبيكَ شعبُ فلسطينٍ, يُدارُ بهِ *** بَينَ الحُدودِ فَأينَ الخُلَّصُ النُجبُ؟
أَلقَوا بهِ بِصَحَارىٍ, غَيرِ آهلةٍ, *** رَمضاءُ تَلفحُهُم أَنَّى هُمُ ذَهَبُوا
بَينَ العقاربِ وَالحياتِ منزلةُ *** وَالعربُ صَامتَة وَالبَعضُ قَد شَجَبُوا
لاَ قوتَ فِيهَا وَلاَ مَاء وَلا دِيم *** وَالزَادُ جَانَبهُم أَعياهُمُ الطلبُ [1]
رَأيتُ شَيخَاً كَبِيراً يَشتَكِي كَمَداً *** سُوءَ المَصِيرِ وَدَمعُ العَينِ يَنسَكِبُ
وَأمهاتٍ, تَقِي الأطفَالَ فِي فَزَعٍ, *** مِن حُرقَةِ الشَّمسِ بالأيدِي وَتنتحبُ
وَالبعضُ فِي سُفُنٍ, سُدَّت مَنَافِذهَا *** وَقُطِّعت بهمُ الأسبابُ والإربُ
رُحماكَ رَبِي لاَ وَرقاءَ قَد رَجَعت *** كَيفَ الرِّسَالةُ للملهوفِ تحتجبُ؟[2]
يا أمةً رفعت بالأمسِ ألويةً *** فَوقَ الثٌّريَّا وكانَت دُونَهَا الشٌّهبُ
مَاذَا استجَدَّ هلِ الأمجادُ باطِلَة *** أمِ الرواةُ عَنِ التاريخِ قَد كَذِبُوا؟
هَل الذينَ تولَّوا أَمرَ مَركبنَا *** هُم بالحقيقةِ أحفَاد لِمَن غَضِبُوا؟
حِينَ استجارت بِهم بِالأمسِ صارِخَة *** هَبٌّوا كَصاعِقَةٍ, للثَأرِ تلتهبُ[3]
واليومَ قَد طَرَدُوا مِن أرضِهِم رَهَطَاً *** ضَاقَت عليهُم بِهَا السَّاحاتُ والرٌّحَبُ
قَد أبعدُوهُم بعذرٍ, واهنٍ, ونَسَوا *** بَأنهُم لَهُمُ شَادُوا وَقد دَأبُوا
للهِ نشكُو عِبادَاً يَغدُرون بِنَا *** أسلافُهُم أُسُد آباؤُهُم نُجُبُ
هَل يرتضِي عُمرُ المختارِ فعلتهُم *** أن يستبدٌّوا بشعبٍ, حقٌّهُ يجبُ؟
أينَ العروبةُ؟ أينَ الدينُ والنسبُ؟ *** أينَ الذينَ لهمُ قَد شُقتِ الحجبُ؟
لَو عادَ حافظُ إبراهيمَ لانقلبَت *** أبياتهُ وَكساهَا الحزنُ والكربُ
يلقَىَ الشهورَ لدينَا كُلهَا رَجبَاً *** أَما الأمورَ فَكلٌّ عِندنَا عَجَبُ [4]
لن يمدحَ العُربَ أَو يَشدُو بِقافيةٍ, *** (هُنَا العُلا وَهناكَ المجدُ والحسب)
لَو قالَ في شأنِهم شِعرَاً لأنشَدَهُم *** هُنَا الردَىَ وَهُناكَ الغَدرُ وَالعطَبُ
_______________________
[1] دِيَّمُ: جمع ديمة، وهي الغيمة أو السحابة الممطرة.
[2] ورقاء: حمامة. أي الحمامة التي أرسلها نوح - عليه السلام - عند الطوفان لترجع له بخبر من اليابسة
[3] المرأة التي استصرخت المعتصم قائلة: "وامعتصماه".
[4] إشارة إلى المثل العربي الذي يقول: من يعش رجباً يرى عجباً.