اعتذار لحافظ إبراهيم

5.4k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

(لِمصرَ أم لِرُبُوعِ الشامِ تنتسبُ) *** فقد تبدلتِ الأحوالُ يا عربُ!

هب أن أصلكَ من كنعانِ أو مُضرٍ, *** لا خيرَ تلقَى إذا مَا كنتَ ترتقبُ

غيرَ العداوةِ والبغضاءِ منتنة *** والرحمُ منقطع والحقٌّ مغتصبُ

أُنبيكَ شعبُ فلسطينٍ, يُدارُ بهِ *** بَينَ الحُدودِ فَأينَ الخُلَّصُ النُجبُ؟

أَلقَوا بهِ بِصَحَارىٍ, غَيرِ آهلةٍ, *** رَمضاءُ تَلفحُهُم أَنَّى هُمُ ذَهَبُوا

بَينَ العقاربِ وَالحياتِ منزلةُ *** وَالعربُ صَامتَة وَالبَعضُ قَد شَجَبُوا

لاَ قوتَ فِيهَا وَلاَ مَاء وَلا دِيم *** وَالزَادُ جَانَبهُم أَعياهُمُ الطلبُ [1]

رَأيتُ شَيخَاً كَبِيراً يَشتَكِي كَمَداً *** سُوءَ المَصِيرِ وَدَمعُ العَينِ يَنسَكِبُ

وَأمهاتٍ, تَقِي الأطفَالَ فِي فَزَعٍ, *** مِن حُرقَةِ الشَّمسِ بالأيدِي وَتنتحبُ

وَالبعضُ فِي سُفُنٍ, سُدَّت مَنَافِذهَا *** وَقُطِّعت بهمُ الأسبابُ والإربُ

رُحماكَ رَبِي لاَ وَرقاءَ قَد رَجَعت *** كَيفَ الرِّسَالةُ للملهوفِ تحتجبُ؟[2]

يا أمةً رفعت بالأمسِ ألويةً *** فَوقَ الثٌّريَّا وكانَت دُونَهَا الشٌّهبُ

مَاذَا استجَدَّ هلِ الأمجادُ باطِلَة *** أمِ الرواةُ عَنِ التاريخِ قَد كَذِبُوا؟

هَل الذينَ تولَّوا أَمرَ مَركبنَا *** هُم بالحقيقةِ أحفَاد لِمَن غَضِبُوا؟

حِينَ استجارت بِهم بِالأمسِ صارِخَة *** هَبٌّوا كَصاعِقَةٍ, للثَأرِ تلتهبُ[3]

واليومَ قَد طَرَدُوا مِن أرضِهِم رَهَطَاً *** ضَاقَت عليهُم بِهَا السَّاحاتُ والرٌّحَبُ

قَد أبعدُوهُم بعذرٍ, واهنٍ, ونَسَوا *** بَأنهُم لَهُمُ شَادُوا وَقد دَأبُوا

للهِ نشكُو عِبادَاً يَغدُرون بِنَا *** أسلافُهُم أُسُد آباؤُهُم نُجُبُ

هَل يرتضِي عُمرُ المختارِ فعلتهُم *** أن يستبدٌّوا بشعبٍ, حقٌّهُ يجبُ؟

أينَ العروبةُ؟ أينَ الدينُ والنسبُ؟ *** أينَ الذينَ لهمُ قَد شُقتِ الحجبُ؟

لَو عادَ حافظُ إبراهيمَ لانقلبَت *** أبياتهُ وَكساهَا الحزنُ والكربُ

يلقَىَ الشهورَ لدينَا كُلهَا رَجبَاً *** أَما الأمورَ فَكلٌّ عِندنَا عَجَبُ [4]

لن يمدحَ العُربَ أَو يَشدُو بِقافيةٍ, *** (هُنَا العُلا وَهناكَ المجدُ والحسب)

لَو قالَ في شأنِهم شِعرَاً لأنشَدَهُم *** هُنَا الردَىَ وَهُناكَ الغَدرُ وَالعطَبُ

_______________________

[1] دِيَّمُ: جمع ديمة، وهي الغيمة أو السحابة الممطرة.

[2] ورقاء: حمامة. أي الحمامة التي أرسلها نوح - عليه السلام - عند الطوفان لترجع له بخبر من اليابسة

[3] المرأة التي استصرخت المعتصم قائلة: "وامعتصماه".

[4] إشارة إلى المثل العربي الذي يقول: من يعش رجباً يرى عجباً.


التاليقل للرجال
أضف تعليق