اعتذار لحافظ إبراهيم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

(لِمصرَ أم لِرُبُوعِ الشامِ تنتسبُ) *** فقد تبدلتِ الأحوالُ يا عربُ!

 

هب أن أصلكَ من كنعانِ أو مُضرٍ, *** لا خيرَ تلقَى إذا مَا كنتَ ترتقبُ

 

غيرَ العداوةِ والبغضاءِ منتنة *** والرحمُ منقطع والحقٌّ مغتصبُ

 

أُنبيكَ شعبُ فلسطينٍ, يُدارُ بهِ *** بَينَ الحُدودِ فَأينَ الخُلَّصُ النُجبُ؟

 

أَلقَوا بهِ بِصَحَارىٍ, غَيرِ آهلةٍ, *** رَمضاءُ تَلفحُهُم أَنَّى هُمُ ذَهَبُوا

 

بَينَ العقاربِ وَالحياتِ منزلةُ *** وَالعربُ صَامتَة وَالبَعضُ قَد شَجَبُوا

 

لاَ قوتَ فِيهَا وَلاَ مَاء وَلا دِيم *** وَالزَادُ جَانَبهُم أَعياهُمُ الطلبُ [1]

 

رَأيتُ شَيخَاً كَبِيراً يَشتَكِي كَمَداً *** سُوءَ المَصِيرِ وَدَمعُ العَينِ يَنسَكِبُ

 

وَأمهاتٍ, تَقِي الأطفَالَ فِي فَزَعٍ, *** مِن حُرقَةِ الشَّمسِ بالأيدِي وَتنتحبُ

 

وَالبعضُ فِي سُفُنٍ, سُدَّت مَنَافِذهَا *** وَقُطِّعت بهمُ الأسبابُ والإربُ

 

رُحماكَ رَبِي لاَ وَرقاءَ قَد رَجَعت *** كَيفَ الرِّسَالةُ للملهوفِ تحتجبُ؟[2]

 

يا أمةً رفعت بالأمسِ ألويةً *** فَوقَ الثٌّريَّا وكانَت دُونَهَا الشٌّهبُ

 

مَاذَا استجَدَّ هلِ الأمجادُ باطِلَة *** أمِ الرواةُ عَنِ التاريخِ قَد كَذِبُوا؟

 

هَل الذينَ تولَّوا أَمرَ مَركبنَا *** هُم بالحقيقةِ أحفَاد لِمَن غَضِبُوا؟

 

حِينَ استجارت بِهم بِالأمسِ صارِخَة *** هَبٌّوا كَصاعِقَةٍ, للثَأرِ تلتهبُ[3]

 

واليومَ قَد طَرَدُوا مِن أرضِهِم رَهَطَاً *** ضَاقَت عليهُم بِهَا السَّاحاتُ والرٌّحَبُ

 

قَد أبعدُوهُم بعذرٍ, واهنٍ, ونَسَوا *** بَأنهُم لَهُمُ شَادُوا وَقد دَأبُوا

 

للهِ نشكُو عِبادَاً يَغدُرون بِنَا *** أسلافُهُم أُسُد آباؤُهُم نُجُبُ

 

هَل يرتضِي عُمرُ المختارِ فعلتهُم *** أن يستبدٌّوا بشعبٍ, حقٌّهُ يجبُ؟

 

أينَ العروبةُ؟ أينَ الدينُ والنسبُ؟ *** أينَ الذينَ لهمُ قَد شُقتِ الحجبُ؟

 

لَو عادَ حافظُ إبراهيمَ لانقلبَت *** أبياتهُ وَكساهَا الحزنُ والكربُ

 

يلقَىَ الشهورَ لدينَا كُلهَا رَجبَاً *** أَما الأمورَ فَكلٌّ عِندنَا عَجَبُ [4]

 

لن يمدحَ العُربَ أَو يَشدُو بِقافيةٍ, *** (هُنَا العُلا وَهناكَ المجدُ والحسب)

 

لَو قالَ في شأنِهم شِعرَاً لأنشَدَهُم *** هُنَا الردَىَ وَهُناكَ الغَدرُ وَالعطَبُ

 

_______________________

[1] دِيَّمُ: جمع ديمة، وهي الغيمة أو السحابة الممطرة.

[2] ورقاء: حمامة. أي الحمامة التي أرسلها نوح - عليه السلام - عند الطوفان لترجع له بخبر من اليابسة

[3] المرأة التي استصرخت المعتصم قائلة: "وامعتصماه".

[4] إشارة إلى المثل العربي الذي يقول: من يعش رجباً يرى عجباً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply