لما تخرجت ابنته وأصبحت طبيبة امتياز، كانت هديته إليها هذه القصيدة، وهي هديته إلى كل عزيز عندما يخطو خطواته الأولى في الطب.
أبنيتي! الطب علم صيانة الأبدان *** والوحي أنقذه من الأغلال والأوثان
فمحا خرافة ساحر وطلاسم الكهان ***وهدى لعلم نافع ودعا إلى الإتقان
أبنيتي! بالدين شيد منار طب عال *** زمن الريادة والسيادة أكرم الأحوال
زمن التقرب للإله بصالح الأعمال *** لو سرت نفس طريقهم لبلغت نفس مآل
أبنيتي! أجدادنا كانوا ملوك يراع *** نشروا العلوم أصيلة نفعوا بعيد بقاع
هم زينوا أرجاءها بروائع الإبداع *** هم أنقذوا "أوروبة" من ظلمة وضياع
أبنيتي! تاريخنا نبع الحضارة جار ***لا تعبئي بمروّج زيفاً من الأخبار
عودي إلى النبع الأصيل بثابت الإصرار ***ركب العلوم بحاجة لقيادة الأخيار
أبنيتي! الطب ليس لغاية الإثراء *** الطب ليس تجارة صبراً على الإغراء
تعست لهم من سلعة: برء من الأدواء ***الطب رحمة راحم ورسالة الحكماء
أبنيتي! عجباً لمالك ثروة متباهي ***والمال ليس بطوعه بل آمرٌ أو ناهي
والمال ليس بماله! المال مال الله ***عجباً لعابد درهم.. أتعس به من لاه
أبنيتي!.. إن القناعة كنز عزٍّ, واف ***يا سعد من يرضى ويقنع بالقليل الكافي
أجر الطبيب لدى الإله مضاعف الأضعاف ***والرزق مكفول بأمر النون بعد الكاف
أبنيتي! أعمالنا بحصائد النيات ***والطب ليس وظيفة بل قربة القربات
فانوي عيادة مبتلىً تجني من الحسنات ***انوي عبادة ربنا بإزالة الكربات
أبنيتي! درّست طباً بادي الإخفاق ***كم من وباء قاتل من فعلة الفساق
ليست له من وصفة أو نوع مصل واق ***وشعارهم: ليس الطبيب معلم الأخلاق
أبنيتي! الطب علم واضح الأغراض *** عين الصواب وقاية من مصدر الأمراض
وعجبت من زيغ لهم عنها ومن إعراض *** لن يهزم الفيروس طبّ عن شذوذ راض
بنيتي! دُرّست طباً ناقص الإيضاح *** قصروا علومهم على جسد من الأملاح
لم يؤمنوا.. لم يأبهوا بمطالب الأرواح *** أنى لهم بسعاة والروح ذات جراح؟
أبنيتي! للغرب طب ظاهر الإفلاس *** بنيت على الإلحاد مدرسة بلا نبراس
ظلمات تيه.. والهوى رجس من الأرجاس *** لا بد من نور الهدى يحمي من الوسواس
أبنيتي! عقل بلا هدي بناء خاوي *** حث الرسول على رعاية صحة وتداوي
فلكل داء برؤه.. صح الحديث لراو ***فلتبحثي.. هيا انهلي من نبع علم راو
أبنيتي! إياك من يأسٍ, يهد قواك *** جعل الشقاء ميسراً.. لا تفجعي مرضاك
حتى ولو كان الخبيث بجسمهم.. إياك ***بشرى الرسول المصطفى فيها ضمان هداك
أبنيتي! إلا المشيب مفرق الأحباب ***لا بد من عود على بدء إلى سرداب
في برزخ نحيا لحين قيامة وحساب ***ثم الخلود هناك في رغد وحسن ثواب
أبنيتي! استقبلي مرضاك بالترحاب ***وببسمة تهدي لهم أملاً فسيح رحاب
بدء الشقاء بشارة.. ثقة بقهر صعاب ***ثقة الطبيب بربه، والأخذ بالأسباب
أبنيتي! السقم همٌ رائحٌ أو غاد ***كم من عزيم هانئ في بيته والنادي
أضحى قعيداً عاجزاً من غير ما عُوّاد ***فتحملي إرهاقه من حسرة وسهاد
أبنيتي! يحصي المريض عليك كل كلام ***نطق الطبيب لدى المريض كجلسة الأحكام
لا تحكمي حتى تبين مواطن الأسقام ***وترفقي كيما تزول معاول الآلام
أبنيتي! سمِّ الإله قبيل بدء علاج ***هيا اسأليه معونة، هيا اذكريه وناجي
ذجر الإله سعادة، سر النجاة لناجي ***وبدونه أحوالنا ظلمات ليل داج
أبنيتي! مسك الختام تناصح وتواص ***بالصبر.. إن مرادنا أمل عظيم قاص
وطريقه بذل وجهد دائم الإخلاص ***والنور لاح لراصد بشرى بذا الإرهاص