أندلسية

2.6k
5 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

يــا نـائح (الطلحِ)، أَشـباهٌ عَوَادِينـا *** نَشـجى لِـوَادِيكَ، أَم نَأسَـى لوادينـا?

مــاذا تقُـصٌّ علينـا غـيرَ أَنّ يـدًا *** قصَّـت جنـاحك جـالت في حواشينا?

رمـى بنـا البيـنُ أَيكًـا غـيرَ سامِرنا *** - أَخـا الغـريب - وظِـلاًّ غيرَ نادينا

كـلُّ رَمَتـه النَّـوى: رِيشَ الفِـراق لنا *** سَـهمًا، وسُـلّ عليـكَ البيـنُ سِـكِّينا

إِذا دعـا الشـوقُ لـم نَـبرح بمُنصَدِع *** مــن الجنــاحين عــيٍّ, لا يُلَبِّينــا

فـإِن يَـكُ الجـنسُ يا ابنَ الطَّلحِ فرّقنا *** إِنّ المصــائبَ يجــمعنَ المُصابينـا

لــم تـألُ مـاءك تَحنانًـا، ولا ظمـأً *** ولا ادِّكـــارًا، ولا شــجوا أَفانينــا

تَجُــرٌّ مـن فنَـنٍ, سـاقًا إِلـى فَنَـنٍ, *** وتســحبُ الــذيلَ ترتـادُ المؤاسـينا

أُسـاةُ جسـمِكَ شـتَّى حـين تطلبهـم *** فمَــن لروحـك بـالنٌّطس المُدَاوينـا?

آهــا لنــا نـازِحَي أَيـكٍ, بـأَندَلُسٍ, *** وإِن حَلَلنَــا رفيفًــا مـن رَوَابينـا!

رسـمٌ وقفنـا عـلى رَسـمِ الوفـاء له *** نَجــيش بـالدَّمع، والإِجـلالُ يَثنينـا

لِفِتيَــةٍ, لا تنــال الأرضُ أَدمُعَهــم *** ولا مَفـــــارقَهم إِلاَّ مُصَلِّينــــا

لـو لـم يسـودوا بـدينٍ, فيـه مَنبَهـةٌ *** للنــاسِ; كـانت لهـم أَخـلاقُهم دينـا

لـم نَسـرِ مـن حـرَمٍ, إِلاَّ إِلـى حَـرَم *** كـالخمر مـن (بابلٍ,) سـارت (لدارينا)

لمـا نَبـا الخـلدُ نـابت عنـه نُسـختهُ *** تَمــاثُلَ الــوردِ (خِيريًّا) و(نسـرينا)

نســقِي ثـراهُم ثَنَـاءً، كلَّمـا نُـثِرت *** دُموعُنــا نُظِمــت منهــا مراثينـا

كــادت عيــونُ قوافينــا تُحَرّكُـه *** وكِـدنَ يـوقِظنَ فـي التٌّربِ السلاطينا

لكـنّ مصـرَ وإِن أَغضـت عـلى مِقَةٍ, *** عَيـنٌ مـن الخُـلدِ بالكـافور تَسـقينا

عــلى جوانبِهــا رَفَّــت تَمَائِمُنَـا *** وحــولَ حافاتِهــا قـامت رَواقينـا

ملاعِــبٌ مَرِحَــت فيهــا مَآرِبُنـا *** وأَربُــعٌ أَنِسَــت فيهــا أَمانينــا

ومَطلَــعٌ لِسُــعودٍ, مــن أَوَاخِرنـا *** ومَغــرِبٌ لجُــدُودٍ, مــن أَوَالينــا

بِنَّـا، فلـم نَخـلُ مـن رَوحٍ, يُراوِحُنـا *** مـن بَـرِّ مصـرَ، وَرَيحَـانٍ, يُغادِينـا

كـأُمِّ موسَـى، عـلى اسـمِ اللـه تكفُلُنا *** وباســمهِ ذهبــت فـي اليَـمِّ تُلقِينـا

ومصـرُ كـالكَرمِ ذي الإِحسـان: فاكهةٌ *** لحـــاضِرينَ، وأَكــوابٌ لبَادينــا

يـا سـاريَ الـبرقِ يَرمِي عن جوانِحنا *** بعـدَ الهـدوءِ، ويهمِـي عـن مآقينـا

لمـا تَرقـرق فـي دمـع السـماءِ دمًا *** هـاج البكـا، فخَضبنَـا الأَرضَ باكينـا

الليــلُ يشــهد لـم نهتِـك دَيَاجِيَـهُ *** عــلى نيــامٍ,، ولـم نهتِـف بسـالينا

والنَّجــمُ لــم يَرَنـا إِلاّ عـلى قـدمٍ, *** قيــامَ ليـل الهـوى، للعهـد راعِينـا

كزفــرَةٍ, فـي سـماءِ الليـل حـائرةٍ, *** ممَّــا نُــرَدِّدُ فيـه حـين يُضوِينـا

باللـهِ إِن جُـبتَ ظلمـاءَ العُبـابِ على *** نجــائبِ النٌّــورِ مَحــدُوًّا (بجرينا)

تَــرُدٌّ عنــك يــداه كـلَّ عاديـةٍ, *** إِنسًــا يَعِثــنَ فسـادًا، أَو شـياطينا

حـتى حَـوَتكَ سـماءُ النيـلِ عاليـة *** عــلى الغيـوث، وإِن كـانت مَيامينـا

وأَحـرزتكَ شُـفوفُ الَّـلازوَردِ عـلى *** وَشـيِ الزَّبَرجَـدِ مـن أَفـوَافِ وادينـا

وحــازكَ الـريفُ أَرجـاءً مُؤَرَّجَـةً *** رَبَــت خمــائلَ، واهـتزَّت بسـاتينا

فقِـف إِلـى النيـل، واهتف في خمائِله *** وانـزل كمـا نـزل الطـلٌّ الرَّياحينـا

وآسٍ, مـا بَـاتَ يَـذوِي مـن منازلنـا *** بالحادثــات، وَيضـوَى مـن مغانينـا

ويـا مُعطِّـرَةَ الـوادي سـرَت سَـحَرًا *** فطــابَ كـلٌّ طـرُوحٍ, مـن مرامينـا

ذَكِيَّــة الــذَّيل، لـو خِلنَـا غِلالتهـا *** قميـصَ يوسـفَ لـم نُحسَـب مُغالينـا

جَشـمتِ شَـوكَ السٌّـرَى حتى *** أَتيتِ لنا بــالوَردِ كُتبًــا، وبالرَّيَّـا عناوينـا

فلــو جزينــاكِ بــالأَرواح غاليـةً *** عـن طيـب مَسراك لم تنهض جَوازينا

هــل مـن ذيـولكِ مسـكِيُّ نُحَمِّلُـه *** غـرائبَ الشـوق وَشـيًا مـن أَمالينا?

إِلــى الــذين وجدنــا وُدَّ غـيرِهمُ *** دُنيَـا، وودَّهمـو الصـافي هـو الدينـا

يـا مـن نَغـارُ عليهـم مـن ضمائرِنا *** ومـن مَصـون هـواهم فـي تناجِينـا

نـاب الحَـنِينُ إِليكـم فـي خوَاطِرنـا *** عــن الــدّلال عليكـم فـي أَمانينـا

جئنـا إِلـى الصـبر ندعـوه كعادتنـا *** فــي النائبـاتِ، فلـم يـأخذ بأَيدِينـا

ومــا غُلِبنـا عـلى دمـعٍ,، ولا جَـلَدٍ, *** حـتى أَتتنـا نَـواكُم مـن صَياصِينـا

ونــابِغيٍّ, كــأَنّ الحشــرَ آخــرُه *** تُميتُنــا فيــه ذكــراكم وتُحيِينــا

نَطـوي دُجَـاه بجُـرحٍ, مـن فراقِكمـو *** يكــاد فـي غلَس الأَسـحار يَطوِينـا

إِذا رَسـا النجـمُ لـم ترقـأ مَحاجِرُنـا *** حــتى يـزولَ، ولـم تهـدأ تراقِينـا

بتنـا نقاسِـي الـدواهي مـن كواكِبـه *** حــتى قعدنـا بهـا حَسـرَى تُقاسِـينا

يبــدو النهــارُ فيخفيــه تجلٌّدُنــا *** للشـــامتين، ويَأسُـــوه تأَسِّــينا

سَــقيًا لعهـدٍ, كأَكنـافِ الـرٌّبَى رِفـةً *** أَنَّـى ذهبنـا، وأَعطـافِ الصَّبـا لِينـا

إِذِ الزمــانُ بنــا غَينــاءُ زاهِيـةٌ *** تَــرِفٌّ أَوقاتُنــا فيهــا رَيَاحينــا

الــوصلُ صافِيَــةٌ، والعيشُ ناغِيَـةٌ *** والســعدُ حاشـيةٌ، والدهـرُ ماشـينا

والشـمسُ تَختـال فـي العِقيان، تَحسبها *** (بِلقيسَ) تَـرفُلُ فـي وَشـيِ اليمانِينـا

والنيــلُ يُقبِــل كالدنيـا إِذا احـتفلت *** لــو كـان فيهـا وفـاءٌ للمُصافِينـا

والسـعدِ لـو دامَ، والنعمَـى لوِ اطَّردت *** والسـيلِ لَـو عَـفَّ، والمقـدارِ لَو دِينا

أَلقـى على الأَرض - حتى ردَّها ذَهبًا *** - مـاءً لمَسـنا بـه الإِكسِـيرَ، أَو طِينـا

أَعـداه مـن يُمنِه (التابوتُ)، وارتسَمَت *** عــلى جوانبـه الأَنـوارُ مـن سِـينا

لـه مَبـالغُ مـا فـي الخُـلقِ من كرَمٍ, *** عهــدُ الكــرامِ، وميثــاقُ الوفيِّينـا

لـم يَجـرِ للدهـرِ إِعـذارٌ ولا عُـرُسٌ *** إِلاَّ بأَيّامِنـــا، أَو فـــي ليالينـــا

ولا حـوى السـعدُ أَطغَـى فـي أَعِنَّتِه *** منّــا جِيَــادًا، ولا أَرحَـى ميادِينـا

نحـن اليـواقيتُ، خـاض النارَ جَوهَرُنا *** ولــم يهُــن بيَـدِ التَّشـتيتِ غالِينـا

ولا يَحُــول لنــا صِبـغٌ، ولا خُـلُقٌ *** إِذا تلـــوّن كالحِربـــاءِ شــانِينا

لـم تـنزل الشمسُ ميزانًا، ولا صعدَت *** فـي مُلكِهـا الضخـمِ عرشًا مثلَ وادينا

أَلــم تُؤَلَّــه عـلى حافاتِـه، ورأَت *** عليــه أَبناءَهــا الغُـرَّ الميامينـا?

إِن غـازلت شـاطئيه في الضحى لبِسا *** خمــائلَ السٌّــندُسِ المَوشِـيَّةِ الغِينـا

وبـات كـلٌّ مُجـاج الـوادِ مـن شجَرٍ, *** لــوافِظَ القــزِّ بالخيطــان ترمِينـا

وهـذه الأَرضُ مـن سَـهلٍ, ومـن جبلٍ, *** قبــل القيــاصر دِنَّاهــا فراعينـا

ولـم يَضَـع حجَـرًا بـانٍ, عـلى حجرٍ, *** فــي الأرضِ إِلاَّ عـلى آثـار بانِينـا

كـأَن أَهـرامَ مصـرٍ, حـائطٌ نهضـت *** بــه يَــدُ الدهـرِ، لا بنيـانُ فانِينـا

إِيوانُــه الفخـمُ مـن عُليـا مقـاصِرِه *** يُفنِــي الملـوك، ولا يُبقـي الأَواوينـا

كأَنهــا ورمــالا حولهـا التَطمـت *** ســـفينةٌ غَـــرِقت إِلاَّ أَســاطينا

كأَنهــا تحـت لأَلاءِ الضٌّحَـى ذَهبًـا *** كنــوزُ فِرعـون غَطَّيـنَ الموازينـا

أَرضُ الأُبُـــوةِ والميــلادِ طيَّبهــا *** مَـرٌّ الصِّبـا فـي ذيـول من تصابِينا

كــانت مُحَجَّلــةً فيهــا مواقِفُنــا *** غُــرًّا مُسَلسَــلَةَ المَجـرى قوافينـا

فــآبَ مِــن كُــرَةِ الأَيـامِ لاعِبُنـا *** وثــابَ مِـن سِـنَةِ الأَحـلامِ لاهِينـا

ولــم نَـدَع لليـالي صافيًـا، فـدَعت *** بــأَن نَغـصَّ، فقـال الدهـرُ: آمينـا

لـو اسـتطعنا لخُضنَـا الجـوَّ صاعِقةً *** والـبرَّ نـارَ وَغًـى، والبحـرَ غِسـلينا

سَـعيًا إِلـى مصـرَ نقضِي حقَّ ذاكرنا *** فيهــا إِذا نَسِــيَ الـوافي، وباكِينـا

كَــنزٌ (بحُلوان) عنــدَ اللـهِ نطلبُـهُ *** خــيرَ الـودائِع مـن خـير المؤدِّينـا

لـو غـاب كـلٌّ عزيـزٍ, عنـه غَيبَتَنا *** لــم يَأتِـه الشـوقُ إِلاَّ مـن نواحينـا

إِذا حمَلنــا لمصــرٍ, أَو لـه شَـجَنا *** لـم نـدرِ: أَيٌّ هـوى الأُمَّين شاجِينا?


أضف تعليق