الإرهاب في المنظومة الغربية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تقدمة:

إن جذور الخوف من الإسلام قديمة لدى الغرب، وقد ورث الغرب تركة من الفزع والهلع جعلتهم يحقدون على الإسلام وأهله!

وقد أخفى الغرب هذه الكراهية خلال صراعه مع الكتلة الشيوعية، ثم لما سقطت المنظومة الشيوعية، وانهار عقدها كانهيار المتواليات الهندسية، انفرد الغرب بزعامة أمريكا وأسفر عن وجهه الحقيقي، وعلت الأبواق التي تصم الإسلام بالإرهاب، وطفقوا يتخذون الإسلام عدواً لهم بديلاً عن الشيوعية، كل ذلك يتم تحت شعار محاربة الأصولية الإسلامية!!، والقضاء على الإرهاب!!  

ومن ثم استخدم مصطلح الإرهاب في معجم الإعلام اليومي وكافة المحافل السياسية والاقتصادية والمنتديات الثقافية بشكل واسعº بغية توسيع دائرة حصار الإسلام، وتشكيل رأي عام عالمي لكره الإسلام باعتبار أن الإرهاب لازمة من لوازم الإسلام!! 

ومثلنا ومثل الغرب كقول العرب: "رمتني بدائها وانسلت!! "  

فكما هو معلوم تاريخياً أن أول من أدخل كلمة الإرهاب في قاموس عالمنا الإسلامي الوادع الهادئ هم العصابات اليهودية في فلسطين المحتلة وذلك بشهادة "باتريك سيل"، وهو ليس من بني جلدتنا إذ يقول: (أثناء التمرد العربي في الفترة من 1936- 1939 كانت الـ"ستيرن جانج" أول من أدخل الإرهاب إلى الشرق الأوسط عن طريق تفجير القنابل في الأتوبيسات، وفي الأسواق العربية، ومنظمة "الأرجون" اليهودية الإرهابية وهي فكرة مثير الفتن روسي المولد "فلاديمير جابوتنسكي"، والذي كان يدعو إلى استخدام القوة بدون خجل"الجدار الحديدي" ضد العرب لإقامة سيادة يهودية كاملة فوق ضفتي نهر الأردن، وهو جدول الأعمال الذي تبناه تلامذته المخلصون إسحاق شامير ومناحم بيجين)[1]..

ومن منطلق هذه التقدمة سيسير بحثنا على النحو التالي:

أولاً: تعريف الإرهاب في اللغة العربية كمدخل للموضوع.

ثانياً: تعريف الإرهاب في المنظومتين الغربية والاشتراكية.

ثالثاً: الإرهاب في المنظومة الشرعية.

 

أولاً: تعريف الإرهاب في اللغة العربية:

ورد في لسان العرب في مادة "رهب": (رَهِبَ: بالكسر، يَرهَبُ رَهبَةً ورُهبَاً بالضم، ورَهَباً أي خاف، ورهب الشيء رهباً ورهبه: خافه. والاسمº الرٌّهبُ، والرٌّهبى، والرهبوتُ، والرهبوني، ورجل رهبوت، يقال: رهبوتٌ خيرٌمن رحموت، أي لأن تُرهَب خيرٌ من أن ترحَم، وترهب غيره إذا توعده، وأنشد الأزهري العجاج يصف عيراً وأتته: تُعطِيهِ رَهباها إذا ترهبا على اضطمار الكشح بولاً زغربا عصارة الجَزء الذي تحلٌّبا رهباها: الذي ترهبه، كما يقال: هالكٌ وهلك. إذا ترهبا: إذا توعدا. وقال الليث: الرَهبُ: جزم، لغة في الرهب. قال: الرهباء اسم من الرهب، نقول: الرهباء من الله والرغباء إليه. وفي حديث الدعاء: رغبة ورهبة إليك. الرهبةُ: الخوف والفزع جمع بين الرغبة والرهبة. وفي حديث رضاع الكبير: فبقيت سنة لا أحدث بها رهبته. قال ابن الأثير: هكذا جاء في رواية أي من أجل رهبته، وهو منصوب على المفعول له. وأرهبه ورهبه: أي أخافه وفزعه. واسترهبه: استرعي رهبته حتى رهبه الناس، وبذلك فسر قوله - عز وجل -: {واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}، أي أرهبوهم)[2]. 

هكذا نجد أن "الإرهاب" في اللغة العربية يدور حول هذه المعاني: الخوف والفزع والرعب والتهديد، كلها تصب في معنى واحد، وسنرجع إلى هذه المرادفات عند حديثنا عن الإرهاب في المنظور الشرعي.

أما الآن فسنستعرض تعريف الإرهاب في القاموس الغربي، وتعريفات ساسة وقادة ومفكري المنظومة الغربية وتعليقنا على تلكم التعريفات:

 

تعريف الإرهاب في اللغة الإنجليزية:

جاء في قاموس "أكسفورد":

(Terror

1. Extreme Fear.

2a. Terrifying person or thing.

2b. Collogue formidable or trouble some person or thing. Esp. a child.

3. Organized intimidation.

Terrorism [Latin terreo frighten].

Terrorist: person using esp.

organized violence against a government).

 

نلاحظ أن تعريف الإرهاب طبقاً لنص قاموس أكسفورد يتفق إلى حد كبير - والتعريف الوارد في لسان العرب لابن منظور في موضوع الخوف الفزع والتهديد وإن كان التعريف العربي لم يحدد الجهة التي تمارس الإرهاب أو من يمارس ضدها.

وقد ورد تحديد الجهة في القرآن الكريم {ترهبون به عدو الله وعدوكم}، وفي السنة (نصرت بالرعب).

فالتعريف العام لكلمة "رهب" في اللغة العربية لم يحدد الجهة الممارسة ولا الممارس ضدها الإرهاب، أما القرآن الكريم فقد ذكر أن إدخال الرعب والفزع في قلوب الكفار أمر محمود يثاب المسلم عليه، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نصرت بالرعب" أي نصره الله على الكفار بإدخال الرعب والخوف في قلوبهم، إذن السنة النبوية قد حددت الجهة الممارس ضدها الإرهاب، وهذا ما سنفصله في القسم الشرعي.

أما مصطلح الإرهاب في اللغة الإنجليزية: فقد حدد قاموس أكسفورد آنف الذكر الجهة الممارسة للإرهاب وكذا الجهة الممارس ضدها، إذن فقد ذكر أن هذا الإرهاب أي الخوف أو العنف أو الفزع قد يمارسه شخص أو منظمة ضد الحكومة أو ضد الأفراد أو الأطفال.

وفي قاموس أكسفورد تعريف آخر للإرهاب: (على أنه حكم عن طريق التهديد كما وجهه ونفذه الحزب الموجود في السلطة في فرنسا إبان ثورة 1789م، 1794م).

نلاحظ أن هذا التعريف قاصر على الجهة الممارسة للإرهاب وهي الحكومة أو الحزب الموجود في حكومة فرنسا نظراً لاقترافه القمع وتصفية المعارضين وقتل وتدمير المدنيين في تلكم الحقبة، فنجد أن التعريف قد تأثر بهذه الحالة فاقتصر على الجهة الممارسة للإرهاب ولم يبين الدافع أو الباعث على ذلك، كما أنه لم يذكر الجهة الممارس ضدها الإرهاب طبقاً لهذا التعريف، غير أن التعريف اللاحق والذي نقلنا جزءاً منه قد تدارك هذا القصور وذكر أشياء لم يذكرها في التعريف الحالي فقد تكلم عن كلام عام قد ينطبق على فرنسا أو غيرها، وبين الجهة الممارسة للإرهاب سواء الحكومة أو الأفراد أو المنظمات، كما ذكر الجهة الممارس ضدها الإرهاب - الأفراد/الأطفال -، وننبه على أن تعريف أكسفورد السابق ركز على إرهاب الأفراد والأحزاب والمنظمات ولم يركز على إرهاب الحكومة ضد الأحزاب أو المدنيين طبقاً لمصطلح المنظومة الغربية.

ونخلص من ذلك بنتيجة مفادها أن التعريفين السابقين لمصطلح الإرهاب كما ذكرهما قاموس أكسفورد - تعريفان قاصران للأسباب التالية:

أ- قصر التعريف على دولة مثل فرنسا كأنموذج للصورة القمعية رغم البون الزمني الواسع، وتغير الظرف التاريخي.  

ب- عندما تدارك النقص السابق أغفل قاموس Oxford إرهاب الحكومة ضد الأفراد والمنظمات.

ج- عندما تدارك النقص السابق أغفل القاموس في تعريفه إرهاب الحكومة ضد الأفراد.

د- لم يذكر التعريف آنف الذكر الباعث على إرهاب المنظمات أو الأفراد ضد الحكومة بمعنى هل هذا يمارس الإرهاب بغرض ديني، أو سياسي، أو اقتصادي، أو نتيجة ظلم اجتماعي، أو استقلالي ذاتي.. إلخ.

 

صفوة القول:

إن تعريف أكسفورد غير جامع، كما أنه تعريف مضطرب، وقد يكون وليد ظرف سياسي خاصة بعد استقرار الحكومة ووجود بعض المنظمات أو الحركات التي تطالب بحكم ذاتي أو مستقل عن الحكومة مثل الجيش الجمهوري، لذلك لا غرو إن قلنا أن تعريف أكسفورد أشبه بحالة خاصة أو تعريف محلي رغم عموم بعض الألفاظ التي صيغ به.

تعريف الإرهاب لدى بعض الهيئات والحكومات وبعض الساسة ومفكري المنظومة الغربية:  

جاء في الطبعة الأولى من كتاب الإرهاب السياسي: (" Political Terrorism " سجل "شميد" مئة وتسعة تعريفاً من وضع علماء متنوعين من جميع العلوم الاجتماعية، بما في ذلك علماء القانون، واستناداً إلى هذه التعريفات المئة وتسعة فقد أقدم "شميد" على مغامرة تقديم تعريف في رأيه جمع العناصر المشتركة في غالبية التعريفاتº " الإرهاب هو أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الجزافية كهدف عنف فعال، وتشترك هذه الضحايا الفعالة في خصائصها مع جماعة أو طبقة في خصائصها مما يشكل أساساً لانتقائها من أجل التضحية بها، ومن خلال الاستخدام السابق للعنف والتهديد الجدي بالعنف فإن أعضاء تلك الجماعة أو الطبقة الآخرين يوضعون في حالة من الخوف المزمن - الرهبة - هذه الجماعة أو الطبقة التي تم تقويض إحساس أعضائها بالأمن عن قصد، هي هدف الرهبة، وتعتبر التضحية بمن اتخذ هدفاً للعنف عملاً غير سوي أو زمن - وقت السلم مثلاً - أو مكان - في غير ميادين القتال - عملية التضحية أو عدم التقيد بقواعد القتال المقبولة في الحرب التقليدية، وانتهاك حرمة القواعد، هذا يخلق جمهوراً يقظاً خارج نطاق الرهبة، ويحتمل أن تشكل قطاعات من هذا الجمهور بدورها هدف الاستمالة الرئيسي، والقصد من هذا الأسلوب غير المباشر للقتال هو إما شل حركة هدف الرهبة وذلك من أجل إرباك أو إذعان، وإما لحشد أهداف من المطالب الثانوية - حكومة مثلاً - أو أهداف للفت الانتباه - الرأي العام مثلاً - لإدخال تغييرات على الموقف أو السلوك بحيث يصبح متعاطفاً مع المصالح القصيرة أو الطويلة لمستخدمي هذا الأسلوب من الصراع)[3].

 

ملاحظاتنا على التعريف السابق:

أ- نلاحظ أن شميد حشد جمعاً من التعريفات فحشرها وصهرها في تعريف واحد، مما أفرز تعريفاً مهلهلاً كالثوب المرقع من عدة خرق أو كقوالب طوب مرصوصة لا تفي بالغرض الذي جمعت من أجله!!

ب- خلط "شميد" بين التعريف، والأسلوب، والباعث، فلم يستطع أن يخرج لنا بتعريف جامع مانع لمعنى الإرهاب بل إنه تكلم عن وشرح بواعث وأهداف الإرهاب وطرق استخدامه وتكلم عن المقاصد والوسائل ولم يعرف مصطلح الإرهاب تعريفاً محدداً.

ج- نلاحظ الاضطراب والتناقض في التعريف فعندما يقول: (الإرهاب هو أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الجزافية كهدف عنف فعال)، ثم يقول بعدها: (.. مما يشكل أساساً لانتقائها من أجل التضحية)، فمرة يقول (الجزافية)، ومرة يقول (لانتقائها)، فهل تقع هذه الضحايا - طبقاً لتعريف شميد - بطريقة عشوائية أم بطريقة مقصودة ومنتقاة بعناية؟!!

وتفسيرنا لهذا التناقض الذي وقع فيه شميد أنه يخلط بين مصطلح (الفوضى) ومصطلح (الإرهاب)، فلا هو عرف لنا الفوضى، ولا حدد لنا معنى الإرهاب!!

ولا يفوتنا أن ننبه أن الإرهاب الجزافي لا يتفق والمنظومة الإسلامية، لأن الإسلام له منطلقات مغايرة ومتباينة للمفهوم الغربي للإرهاب - كما سنذكره إن شاء الله -.  

د- ركز "شميد" على منهج الإرهاب وطرقه من قبل المجموعات أو المنظمات ولم يركز على إرهاب الدولة.

هـ - نلاحظ أنه ذكر في حالة الحكم على الإرهاب أو العنف التي قد تختلف من مجتمع لآخر ومن مذهب لمذهب آخر بل ومن ديانة لديانة أخرى، (وتعتبر التضحية بمن اتخذ هدفاً للعنف عملاً غير سوي من قبل معظم المراقبين من جمهور المشاهدين على أساس من قسوة أو... ) فمن هذا الجمهور الذي يقبل التضحية بمن اتخذ هدفاً للعنف عملاً غير سوي؟ فهل يقصد شميد حالة معينة لبلد معين، أو أنه يقصد جمهور العالم كله على اختلاف مشاربهم؟!! لم يوضح لنا ما يريد مما يجعل تعريفه مضطرباً.

ولنأخذ مثلاً لتوضيح الصورةº

عقب اغتيال المجاهد الفلسطيني يحيى عياش في 5/1/1996م عن طريق تفجير هاتفه النقال كما قيل وقتئذ.. هلل الإسرائيليون حكومة وشعباً لمقتل العدو رقم واحد - على حد تعبيرهم - لإسرائيل، وقد أجرى معهد "داحاف" استطلاعاً للرأي أكد فيه ترحيب غالبية الشعب الإسرائيلي لمقتل يحيى عياش وهذا نصه: (أفاد استطلاع للرأي نشرته صحيفة " ي

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply