قال أبو الفتح البستي المتوفى في بخارى سنة 400 هـ
زيـادة الـمرء فـي دُنياه نقصانُ *** وربـحه غير محضِ الخير خسرانُ
أحـسن إلـى الناسِ تَستعبد قلوبهم *** فـطالما اسـتعبدَ الإنـسان إحسان
يـا خـادمَ الجسم كم تَسعى لخدمتَهِ *** أتـطلب الـربحَ مما فيه خسران ؟
أقـبل على النفس واستكمل فضائلها *** فـأنت بـالنفس لا بـالجسم إنسان
وكـن عـلى الدهر مِعواناً لذي أملٍ, *** يـرجو نـداك فـإن الـحرّ مِعوان
واشـدد يـديك بـحبلِ الله معتصما *** فـإنه الـركن إن خـانتك أركـان
مـن يَـتّقِ الله يُـحمد فـي عواقبهِ *** ويـكفهِ شـرّ من عَزٌّوا ومن هانوا
مـن اسـتعانَ بـغير الله في طلبٍ, *** فــإن نـاصرَه عَـجزٌ وخـذلان
مـن كـان لـلخير مَناعاً فليسَ له *** عـلـى الـحقيقة خـلان وأخـدان
مـن جـادَ بالمال جاد الناس قاطبة *** إلـيـه، والـمال للإنسان فـتّان
مَـن سـالم الناس يَسلم من غوائلهم *** وعـاشَ وهـو قرير العين حذلان
مـن يزرع الشرّ يحصد في عواقبه *** نـدامة، ولـحصدِ الـزّرع إبـان
مـن اسـتنامَ إلى الأشرار نام وفي *** رِدائــه مـنـهمُ صـلٌ وثـعبان
كـن ريّـق الـبشرِ إن الحرّ همته *** صـحيفةٌ وعـليها الـبشرُ عـنوان
ورافـق الـرّفق في كل الأمور فلم *** يـندم رفـيق ولـم يـذممه إنسان
ولا يـغـرّنك حـظ جـره خـرق فـالخُرق *** هـدمٌ ورفقُ المرء بنيان
أحـسن إذا كـان إمـكان ومـقدرة *** فـلن يـدومَ عـلى الإحسان إمكان
فـالروض يـزدان بالأنوار فاغمهِ *** والـحر بـالعدلِ والإحـسان يزدان
صـن حـر وجهك لا تهتك غلالته *** فـكل حـر لـحر الـوجه صوّان
دع الـتكاسل فـي الخيرات تطلبُها *** فـليس يـسعد بـالخيرات كـسلان
لا ظـلّ للمرء يعرى من نهى وتقى *** وإن أظـلـتـهُ أوراقٌ وأفــنـان
والـناس أعـوانُ مـن والتهُ دولته *** وهــم عـليه إذا عـادته أعـوان
(سحبانُ) من غير مال باقلُ حصر *** و(بـاقلٌ) فـي ثَـراءِ المال سحبان
لا تـودِع الـسر وشّـاء بـه مذلاً *** فـما رعـى غنماً في الدّو سرحان
لا تـستشير غـير ندبٍ, حازم *** يقظ قـد اسـتوى فـيه إسرار وإعلان
فـلـلتدابير فـرسان إذا ركـضوا *** فـيها أبـرٌّوا كـما للحرب فرسان
ولـلأمـور مـواقـيتٌ مُـقـدرةٌ *** وكــل أمـر لـه حـدٌ ومـيزان
فـلا تـكن عـجلاً في الأمر تطلبه *** فـليس يُـحمد قـبل النضج بحران
كـفى من العيش ما قد سدّ من عوز *** فـفـيه لـلـحُر قـنيان وغـنيان
وذو الـقناعةِ راض مـن مـعيشته *** وصاحبُ الحرص إن أثرى فغضبان
حـسب الـفتى عـقله خلاً يُعاشره *** إذا تـحـاماه إخــوان وخُــلاّن
إذا نَـبـا بـكـريمٍ, مـوطنٌ فـله *** وراءه فـي بـسيط الأرض أوطان
يـا ظـالماً فـرحاً بـالعزّ ساعده *** إن كـنت فـي سنةٍ, فالدهر يقظان
يـا أيـها الـعالم المرضيّ سيرته *** أبـشر فـأنت بـغير الـماء ريّان
ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج *** فـأنت مـا بـينها لا شـكّ ظمآن
لا تـحسبن سـروراً دائـماً أبـداً *** مـن سـرّه زمـنٌ سـاءته أزمان
وكـلّ كـسر فـإن الـدين يجبره *** ومـا لـكسر قـناةِ الـدين جبران