بسم الله الرحمن الرحيم
أعلن مؤتمر مكسيكو الذي انعقد في أغسطس عام 1982 أن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن يُنظر إليها على أنها جماع السمات الروحية، والمادية، والفكرية، والعاطفية، التي تميز مجتمعًا بعينه، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.
ومعنى ذلك أن الثقافة بمعناها الشامل تمنح الإنسان القدرة على التفكير، وتجعل منه كائنًا يتميز بالإنسانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي.
ولأن الثقافة تجعل من أهم مصادرها النواحي الروحية والفكرية والعاطفية، فإن الدين هو الذي يضع أسس هذه الأشياء، ويجعلها داخلة في تكوين الإنسان، كما تجعله يهتدي إلى القيم والأخلاق والسلوك في هذه الحياة، إلى جانب الصلة بالله - تعالى -والإيمان باليوم الآخر، وذلك بالنسبة للمسلم الذي يؤمن بأن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، فيختار المنهج الذي يريد، والطريق الذي يوصله إلى ما يريد.
ومصادر الثقافة متعددة بالنسبة لأي أمة من الأمم، وهي بالنسبة للمسلم تبدأ من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب التراث، وكل ذلك كان يُكتب بخط اليد، ثم ظهرت الطباعة، وتطورت وعن طريقها انتشرت الكتب، وظهرت الصحف والمجلات المختلفة، ولا يزال التطور مستمرًا.
لكننا في مرحلة الضعف بدأنا في أخذ ثقافتنا من مصادر أخرى بعيدة عن قيمنا ومفاهيمنا وأخلاقنا، وقد ألحت علينا إلحاحًا عميقًا مؤثرًا حتى صرنا لا ندري ماذا نفعل؟ واختلطت علينا الأمورº فلم نعد ندرى ما الصواب وما الخطأ؟
وظهرت الإذاعة والتلفاز والهاتف والإنترنت، والفضائيات تطورت، ولا تزال تتطور، وساعدت هذه الوسائل على غربة المسلم الثقافية، وحدثت ألوان من غسيل المخ كان من آثارها أن أصبح الكثيرون منا ـ حتى العلماء ـ يؤمنون بمفاهيم غريبة عنا، وسلوكيات لا تتفق مع ديننا.
نعم لقد أصبح الاتصال الجماهيري في العالم يخضع لصناعة ضخمة يمكن أن تُسمّى "الصناعة الثقافية" تملكها شركات أجنبية، وهي صناعة تسيطر عليها التقنية المتقدمة التي أصبحت تستخدم الأقمار الصناعية، ونحن لا نملك منها إلاّ القليل.
إن من أهم مشكلات العالم الإسلامي أنه وقف من الحضارة الغربية موقف الزبون الذي يستورد ويستهلك ويغيِّر من مفاهيمه وأفكاره وأخلاقهº لأن الإلحاح المستمر عليه جعله لا يدري ماذا يفعل؟ ولا يعرف ما يصلح له وما لا يصلح؟ كما قال الفيلسوف الجزائري المسلم "مالك بن نبي".
نعم إن العالم الإسلامي يستورد الأدوات الاستهلاكية، ويستورد معها الأفكار الغربية، ومن هنا كانت خطواتنا الثقافية متعثرة وغير واضحة، ووقعنا في حيرة لا ندري متى نفيق منها.
واليابان تختلف عنا في ذلك اختلافًا كبيرًا، لقد وقفت من الحضارة الغربية موقف التلميذ تتعلم وتأخذ ما يصلح لها وتترك ما لا يصلح، وبذلك استوعبت اليابان وفهمت واختارت، أما نحن فقد نقلنا ونقلنا ولم نفكر في أن نستوعب التقنية، ثم نختار بعد ذلك ما يصلح لنا ونترك ما لا يصلح.
ولذلك فقد سارت اليابان نحو التقدم الفاهم الواعي حتى غزت بآلاتها وصناعاتها الغرب في عقر داره، ولم تتأثر بالأفكار الوافدة إليها والتي لا تتفق مع قيمها وأفكارها وأخلاقها، بينما وقفنا نحن موقف الحائر المستهلك الذي يأخذ ويأخذ بدون أن يدرك الخطورة في أي شيء يأخذه، وهذا يعطي مؤشرات خطيرة قد تصل بنا إلى كوارث ثقافية، بل إننا بذلك نسير في طريق الانتحار الثقافي الصامت، ومع ذلك فإن المثقفين المسلمين الذين يتميزون بالوعي والفهم وإدراك الأمور، ويعرفون الطريق السليم، ويُبصّروننا بالمستقبل لا نأبه لهم، بل إننا نتهمهم بتهم مختلفة، ونحاول أن نجعلهم لا يتحركون إلاّ في إطار محدود، فإن سلموا من الاجتياح الثقافي فلن يكون لهم تأثير في مجتمعاتهم، وتضيق حرية المسلم، وتضيق حتى الاختناق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد